Close ad

الحضور العماني في القاهرة

21-1-2025 | 14:51

تحضر سلطنة عمان كضيف شرف في معرض القاهرة الدولي للكتاب، وهو الحضور الذي يفرض نفسه من نواحٍ عدة، فعمان لم تغب عن القاهرة تحت أي ظرف، في مقابل تواجد مصري نشط في عمان، كشفت عنه كتابات صحفيين كبار زاروا السلطنة أو عملوا فيها، وعادوا ليكتبوا عنها، مسجلين انبهارًا موضوعيًا بالناس والمكان، أكثر من ذلك بالروح الكامنة في الشخصية العمانية، والتي غالبا ما توصف بالطيبة والنقاء والتحضر.

يعادل ذلك الحضور العماني في وجدان المصريين، حضورًا موازيًا كامنًا لديهم، حيث تشكل القاهرة حالة مركزية في الفكر العماني، لجهة أنها أحد المقاصد الرئيسية في الرحلة العمانية خارج الفضاء الخليجي، وتكشف عن متابعة دقيقة لحداثة عربية مبكرة نضجت في مصر، كحالة معرفية عميقة، وكجسر إلى الشمال الأوروبي، وقلعة علمية برهنت أو عمقت منها ريادة جامعة القاهرة وصروح التعليم المصرية المختلفة، ودعم ذلك ما لا ينكره أحد في حواضر عربية كثيرة من تأثير المعلم والأثير والشاشات.

المعلم الذي شارك في النهضة العمانية وتخرج على يديه أجيال من الطلاب، والأثير الذي نقل الأحداث المصرية والعربية الساخنة طوال النصف الثاني من القرن العشرين، علاوة على أصوات عمالقة الفن والموسيقى، والشاشات حيث دارت أفلام السينما الساحرة والمسلسلات.

وكشف الملتقي العشرون لمجموعة طلبة الدراسات العليا العمانيين الخريجين والدارسين في الجامعات المصرية عن عدد من أعضاء المجموعة، وقد شغلوا مناصب مرموقة في الدولة.

ورأى عيسى بن سالم الدبدوب رئيس اللجنة المنظمة أن إقامة الملتقى في مصر، هو تعبير عن تقدير الطلبة لهذه الدولة العظيمة حكومة وشعبًا، وبالأخص للجامعات المصرية التي أسهمت في تعزيز معارفهم وتطوير قدراتهم.
 
والملتقى الذي رعاه السفير عبد الله بن ناصر الرحبي، سفير سلطنة عمان لدى مصر ومندوبها الدائم لدى جامعة الدول العربية، وأصر على إقامته بمقر السفارة، يعقد كل دوراته في عمان، ما عدا الدورة الأخيرة في نوفمبر الماضي.
 
والسفير الرحبي، وهو من خريجي جامعة الإسكندرية، لفت نظري منذ مجيئه إلى القاهرة قبل أربع سنوات بعمله الدبلوماسي الدؤوب، كما أن له نشاطا داعمًا للاستثمار بين البلدين، وآخرها قبل أيام، حضور توقيع مذكرة "تبادل رؤى" بين هيئة قناة السويس والشركة العمانية للخدمات اللوجستية المتكاملة برئاسة الشيخ مجيد بن محمد الرواس، برعاية رئيس الهيئة الفريق أسامة ربيع.

وظهر السفير الرحبي بسرعة، ربما بسبب خلفيته الإعلامية، نشاطه الفكري والثقافي، وحضوره في أنشطة المجتمع المدني، وتدشينه المبكر لصالون "أحمد بن ماجد" الذي يعنى بأصالة الثقافة العربية عموما، وخاصة العلاقات الثقافية بين البلدين.

ولا ينفك السفير الرحبي عن البحث والتفتيش في المشترك الحضاري بين البلدين، وتزامن مع الملتقى الأخير إقامة ندوة عن شخصية غامضة في التاريخ "يزيد بن حاتم المهلبي الأزدي (العماني)"، الذي كان واليًا عباسيًا على مصر، هذا البحث الشيق ونتائجه تعبير وتقدير، وفي نفس الوقت بحث عن المشترك الذي أشرت إليه.
 لم يمر الدارسون والمثقفون العمانيون بالقاهرة مرور الكرام، ولا اللئام قطعًا، لكنهم أحبوا القاهرة، وكان لهم صولات وجولات في فنادقها وشوارعها ومقاهيها، بينما دراستهم في الجامعات المصرية، كانت بمثابة الميلاد الثاني لهم، بعد ولادتهم في مسقط رأسهم، كما كانت مسرحًا للتعارف بأصدقاء مصريين ومن دول الخليج نفسها.

وبات الشعراء والأدباء من عمان يعرفون أماكن في القاهرة وهم مغمضو العينين، على حد وصف الشاعر الكبير سيف الرحبي، في كتابه "القاهرة أو زمن البدايات" الصادر في عام 2013 عن هيئة قصور الثقافة بمصر.
 
كتب سيف الرحبي: هذه القاهرة سأقضي فيها ثمانية أعوام، يمكن القول إنها من أجمل سنين العمر وأكثرها حضورًا وحنينًا وتأثيرًا، قبل الأفول الماحق لسنين أخذت تهرب بسرعة البرق من بين أيدينا ونحن نرقب المشهد في ذهول منكسر، نرى الشرر والشظايا تتطاير في الفضاء ونعرف أنها أرواحنا.

هذا هو الشاعر والصديق سيف الذي كتب عن الميرلاند والدقي وقطارات بولاق الدكرور ومقهى ريش وغيرها من ملامح قاهرية بامتياز.

ويأتي معرض الكتاب في دروته الـ 56 ليتخذ من سلطنة عمان ضيفًا للشرف، تقديرًا للثقافة العمانية، واعترافًا بإسهاماتها في الثقافة العربية، وفرصة لاستعراض إنجازات شعراء وروائيين وأكاديميين ومبدعين ساهموا في إثراء التنوع الثقافي العماني، فضلا عن إحياء التراث الثقافي للبلد مما جرى تخليده، ومن ما زال ينبض بالحياة.


وأوضح وزير الثقافة المصرية أحمد فؤاد هنو أن اختيار سلطنة عمان كضيف شرف يعكس عمق العلاقات التاريخية بين البلدين، واعترافًا بإسهامات السلطنة في الارتقاء بالثقافة.

و"لا يعرف سلطنة عمان إلا من سافر إليها"، كما قال وزير الثقافة المصري الأسبق د. محمد صابر عرب، وهم كثر، ولبعضهم مؤلفات، مثل أحمد دوريش "عمان في عيون مصرية"، والمؤلفات الخمسة ليوسف الشاروني كـ"في ربوع عمان" و"ملامح عمانية" وغيرها.

وربما وعلى خلفية اختيار عمان ضيف شرف المعرض، تكون فرصة لتسجيل ومشاركة تجارب وتأليف ورعاية وتشجيع إصدارات حديثة، حول التجارب والرؤى الإنسانية، التي يمكن أن يتبادلها المثقفون من البلدين.

كلمات البحث
الأكثر قراءة