ربما ينعقد الحاجبان، وترتسم علامات الاستغراب على وجوه أبناء «جيل زد» إذا ما سمعوا اسم «المحوّجة»، ومن الممكن أن تزداد دهشتهم إذا علموا أنها نوع من الطعام، يصنف على أنه كنز للطاقة وصحة الأطفال، ورفيق مثالي مع برد الشتاء.
موضوعات مقترحة
«المحوّجة» واحدة من أبرز الحلويات التقليدية التي اشتهرت بها محافظة دمياط وأيضا مدن القناة، وارتبط تناولها بأيام الشتاء الباردة وكذلك المواسم والأعياد، كونها تعد مصدرًا للطاقة بفضل مكوناتها المتنوعة والغنية.
أصل «المحوّجة»
الباحث الأثري الدكتور رضا الباز أكد لـ«بوابة الأهرام»، أن صناعة «المحوّجة» ارتبط بالعصور الإسلامية بشكل خاص؛ وكانت جزءًا من المأكولات التي يجري تحضيرها في المناسبات الدينية والاجتماعية، لافتا إلى أن «المحوّجة» كانت سمة من سمات المطبخ المصري التقليدي خاصة في الريف.
وقال «الباز»: إن «المحوّجة» ارتبطت بشكل خاص بالعصر المملوكي؛ حيث كان هذا العصر يشتهر باستخدام التوابل والبهارات المستوردة من مقاطعات إفريقية، خلال فترة حكم المماليك، وكانت تعتبر من الأطعمة المعقدة التي يستخدم فيها أصناف كثيرة متنوعة ومتجانسة في نفس الوقت؛ حيث كان يميل المماليك إلى استخدام مزيج من التوابل لإعداد الأطعمة، وكانت «المحوّجة» جزءًا من هذا التقليد.
ارتباط «المحوّجة» بالمناسبات والاحتفالات
وأضاف، أن «المحوّجة» كانت من الأطعمة المفضلة في التناول خلال بعض العادات والطقوس الشعبية، مثل ليالي الذكر والمديح والموالد، وكان يوزعها الأغنياء وأصحاب النذور على الفقراء، حول أضرحة أولياء الله الصالحين.
مقادير «المحوّجة»
وتتميز «المحوّجة» بقوامها اللين ومذاقها الغني؛ حيث يدخل في صناعتها العديد من المكونات، مثل الدقيق، العسل الأسود، السمن البلدي، الطحينة، الحبة السوداء، السكر البودرة، المُغات، جوز الهند، ومسحوق الخبز.
تُضاف إلى «المحوّجة» توابل عطرية مثل الحلبة المطحونة، السمسم، واليانسون، التي تمنحها نكهة مميزة وفوائد صحية.
وبجانب صناعتها في المنازل بالطرق التقليدية تقوم المصانع بصناعتها، وتباع في معارض الحلويات بدمياط، بأشكال مربعة ومستطيلة ومثلثات، ويصل سعر الكيلو من 100 إلى 280 جنيها حسب الإضافات.
«المحوّجة» في مدن القناة
بعيدًا عن دمياط، انتشرت «المحوّجة» في مدن القناة، خاصة في بورسعيد والإسماعيلية؛ وتلقى قبولًا واسعًا بين الأهالي، وتُباع في الأسواق الشعبية وتُقدم خلال المناسبات العائلية، لما لها من قيمة غذائية وذكريات فضلا عن رمزيتها في هذه المدن.
«المحوّجة» مصدر سحري للطاقة وصحة للأطفال
الدكتور أمير سليمان استشاري طب الأطفال، وعضو جمعية طب الأطفال حديثي الولادة بدمياط أكد أن «المحوّجة» الدمياطية تعد مصدرا سحريًا للطاقة والصحة.
وأوضح استشاري طب الأطفال لـ«بوابة الأهرام» أن مكونات «المحوّجة» المتنوعة يمكن وصفها بالأبطال الخارقة في مجال دعم الصحة العامة للأطفال والكبار.
وأضاف أن العسل الأسود، هذا المكون البسيط ليس فقط لذيذًا، بل هو مدرب شخصي للجسم؛ حيث يمنح الأطفال السعرات الحرارية اللازمة لتأدية كل وظائفهم الحيوية بكفاءة، فضلا عن إذابة البلغم، وفتح الشهية، ولأنه غني بالحديد، فهو الحل الأمثل لمحاربة الأنيميا ورفع الهيموجلوبين إلى مستويات عالية.
ونوه إلى أن السمسم وما يحتويه من زيت فهو يدعم الكبد، ويحمي من نمو الأورام السرطانية، ويحافظ على صحة القلب؛ بفضل الدهون غير المشبعة التي تزيل الكوليسترول العنيد، وتمنع تصلب الشرايين، قائلا: «باختصار زيت السمسم هو حارس يقظ للقلب».
وقال الدكتور أمير سليمان: ويجب ألا ننسى الحلبة، ذلك المكون الهام للمحوجة؛ حيث تجمع الحلبة بين المغذيات مثل البروتين، فيتامين ج، والبوتاسيوم، بالإضافة إلى مركبات استروجينية هامة، فالحلبة ليست فقط مثالية لفتح الشهية وعلاج قرحة المعدة، لكنها أيضا صديقة لجدار المعدة.
وأشار إلى أن حبة البركة الداخلة في صناعة «المحوّجة» يمكن تسميتها بـ«درع المناعة»، إذ تعمل على رفع مناعة الجسم، وتعد وصفة مثالية لموسم البرد والإنفلونزا، فضلا عن دعمهما لوظائف الكبد والكلى، وتحارب العدوى بكل شراسة.
وتابع استشاري طب الأطفال، أنه لاحتواء حبة البركة على الدهون غير المشبعة فإنها تقي من أمراض القلب.
وألمح إلى أن المحوّجة الدمياطية قد تضمن من بين مكوناتها المغات، وهو أيضا يحمل العديد من الفوائد الصحية، التي تجعله خيارًا مميزًا لتحسين الصحة العامة، خاصة في فصل الشتاء، أو في فترات استعادة النشاط، كونها مصدر غني بالطاقة يحتوي على نسبة عالية من السعرات الحرارية، ويفيد في تقوية الهضم وتعزيز المناعة، وتحسين المزاج وزيادة الوزن بطريقة صحية.
كما أن المغات يفيد السيدات بعد الولادة، إذا يساعد على تعويض الطاقة المفقودة وتعزيز إدرار الحليب.
مشروب «المحوّجة»
إلى جانب كونها حلوى، تُستخدم بعض مكونات «المحوجة» في إعداد مشروب شتوي دافئ، يتكون من الحلبة المحوّجة، المغات المطحون، السمسم، جوز الهند، الفول السوداني، والسكر، ويُضاف إلى المشروب الزبيب لتعزيز نكهته وقيمته الغذائية.
الحفاظ على تراث «المحوّجة»
ورغم شعبيتها بين الأوساط المختلفة، تواجه «المحوّجة» تحديات عديدة في مواجهة انتشار الحلويات المستوردة، التي تنافس المنتجات المحلية؛ إلا أن صناع المحوجة في دمياط ومدن القناة يجاهدون للحفاظ على هذا الإرث، بتطوير أساليب التسويق وضمان جودة المنتج.