Close ad

شعب أراد الحياة

19-1-2025 | 17:10

ما خاب أبدًا من حمل معه همومه وجميع متاعبه متوجهًا بها إليه وحده، من حمل انكساراته وجميع هزائمه ثم راح ليلقي بها على عتباته التي امتلأت بالرحمات، ألقى بها وهو يعلم تمام العلم بقدرته، بعظمته، بمقدرته على محو ما خطت به يد الأقدار ذاتها بصحيفته، بقوته على منع ما سوف يصيبه من غم ومن كرب، من حَزن ومن سوء عاقبة.

إلى الله نسير دومًا ومنه نعود، نعود حاملين معنا كل الخير الذي كنا نعده من قبل مستحيلًا، نذهب إليه مثقلين بالهموم، نخشاه حقًا لكننا نطمع في رحمته وفيض كرمه، وكلما لاحت أمامنا شمسنا أسرعنا نحوها لنغترف من ضوئها الأمل الجديد، نتمتم بذكره، نترنم بكلماته، لتمسسنا من بعد ذلك رحماته وتظللنا محبته.

كانت الأحداث في منطقتنا تشير إلى كارثة محتملة أو شبه مؤكدة، تنذر بعاقبة غير محمودة تلتحف رواياتها بحكايات من ظلم ومن قهر، تتلاحق ظلمة المشهد وتنشر من حولنا خوفًا وفزعًا معانقًا له القلق؛ الكل يدعو ربه فما بيدنا غير ذلك من حيلة، ليستجيب الله دعاءنا في لحظة، لتنفجر ينابيعًا من الأمل كادت أن تجف من فرط ظلم شهده عالم بأكمله.

وظل هناك شعب حبيس يعيش بين جدران من اللوعة والحزن، بين شعور يباغته بين الحين والأخر يوسوس له بأنه من المؤكد قد اقترف ذنبًا عظيمًا، لكنه يعود على الفور لنفسه؛ يذكرها بأن ما يراه من ابتلاءات إنما هى جاءته فقط لكي تطهره وترفع قدره. 

وإن كانت هناك أرواح قد ارتقت نحو السماء عابرة لها، لكن هناك أرض لم تكن تخل من قلوب ما زالت بالإيمان نابضة تضخ دماءها الطاهرة في شرايين كانت تعد نفسها ليوم كهذا، يوم تتسع فيه ساحاتها المتعددة لتمر بها دفعات متتاليات من خير ومن نعم.

الله وحده يعلم كم الأحزان التي امتلأت بها قلوب كادت أن تسلم بأنها النهاية وبأن القادم أشبه بمولود سيأتي غير مكتمل، ووسط رياح عاتية من يأس تولد البشرى الطيبة، تضع أكاليل الفرح فوق رؤوس كل من تقربوا إلى الله بالدعاء، كل من تتضرعوا له بإخلاص، بيقين ثابت يخبرهم بأنه هو المنجي من كل أمر جلل يستعصى حله على جميع البشر.

كم توقفنا أمام محنة هذا الشعب الأبي عاجزين لا ندري بأي شيء يمكننا أن نمد أيدينا إليه لنساعده، بعد أن عانى ما عاناه في لحظة ارتباك لمشهد معقد ومكرر وإن كان في هذه المرة قد اتسعت حدوده فكاد أن يبتلع معه رصيده من أمنه وسلامته، ألقى به وسط أمواج احتشدت حتى تحولت لدوامات تتجدد يومًا بعد يوم، إنه شعب تعلم كيف يحيا وإن كان قدره أن يعيش أحيانًا يومه بلا غد.

على أبواب رحمة الله ولدت الفرحة، الفرحة التي ملأت قلوبًا لم تكن تذكر من شكل الفرحة وطعمها إلا حروفًا جميلة تلوح لهم بالسعادة من بعيد وهى تقترب شيئًا فشيئًا نحو الأفق، كادت ملامح الفرحة الغائبة أن توئد في مهدها بعد أن خلت دروبها من كل حلم وأمنية، طُمست معالمها بفعل بشر -لا يشبهوا- بأي حال من الأحوال أحدًا من البشر.

معجزة من الله جاءت، هبطت حاملة معها الحل، أوجدت المخرج الذي تأخر ظهوره، أمر من الله جاء في موعده ليغير نتائج كل المعادلات التي تمت لسلب هذا الشعب حقه، مرت محنة شعب لم يعرف الاستسلام يومًا، شعب عاش مدافعًا عن قضيته، شعب كتب الله له بإيمانه ما يخفف عنه مأساته ويمنحه المزيد من جرعات الأمل، الأمل في الحياة والحصول على تمام حريته، إنه شعب أراد الحياة فاستجاب له القدر.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة