كانت لدي أسئلة كثيرة عندما زرت الأقصر وعمري 13 عامًا.. فقررت بعدها البحث عن إجابات بنفسي
موضوعات مقترحة
اخترت دراسة التاريخ عبر الرفات البشرية لأنه توفر تاريخًا "أكثر ديمقراطية" لا يفرق بين ملك وعبد وغني وفقير
مصر مليئة بالأسرار.. وحتى الآثار المكتشفة مازالت تحتفظ بالكثير من الغموض
اكتشفت من دراسة عظام الفراعنة أنهم كانوا يمتلكون أقدم نظام رعاية صحية حكومي في التاريخ
هياكل الفراعنة العظمية تقدم لنا معلومات عن أعمارهم وأمراضهم ونوعية طعامهم ونظامهم الاجتماعي
درست آلاف العظام من المقابر في "دير المدينة" لمعرفة التجارب الصحية التي عاشها المصريون القدماء
الوشوم لدي سيدات مصر القديمة كانت تشبه المسكنات في حالات الولادة
زرت مصر في رحلة سياحية وأنت صغيرة، هل هذا كان كافيا لكي تتخصصين فيما بعد في دراسة التاريخ المصري القديم؟
مصر القديمة سحرها لا يقاوم، وقد انجذبت إليها في بادئ الأمر عندما كنت أصغر سنا لأن المدارس الابتدائية في الولايات المتحدة تدرس التاريخ الفرعوني، ونحن نرى الآثار المصرية القديمة في متاحفنا، ونتعلم عن الحضارة المصرية، ونرى صورا لمصر القديمة في العديد من البرامج التليفزيونية والأفلام ربما أكثر من مصر نفسها، وكان لدى عائلتي بأكملها اهتمام عميق بمصر، وكنت محظوظة بزيارة مصر وأنا صغيرة، وكانت لدي العديد من الأسئلة التي لم أجد لها إجابة خلال تلك الزيارة حول الحياة اليومية في مصر القديمة، وكان الدافع للإجابة عن تلك الأسئلة هو الذي قادني إلى عملي الحالي في علم المصريات.
أن أوستن أستاذة الأنثروبولوجيا والأثار
متي عدت لزيارة مصر مرة ثانية؟
بعد زيارتي الأولى مع عائلتي لم أعد لسنوات حتى بدأت دراستي العليا في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس في عام 2008، وبعدها في جامعة ستانفورد وحاليا في جامعة ميسوري، ومنذ سنوات طويلة وأنا أعود إلى مصر كل عام تقريبا مرة أو مرتين.
أن أوستن أستاذة الأنثروبولوجيا والأثار
لماذا اخترت التخصص في مجال الرفات والعظام لتوثيق الطب والأمراض في الماضي؟
في محاولة لفهم الحياة اليومية في مصر القديمة، أدركت أنه من المهم ليس فقط دراسة ما يمكن أن نجده من أفراد العائلة المالكة والنخب العليا، بل وأيضا من المصريين العاديين، خاصة أن البقايا البشرية "أكثر ديمقراطية" لا تفرق بين ملك وعبد، حيث تترك سجلات لتجارب الناس اليومية بغض النظر عما إذا كانوا متعلمين أو أثرياء، ومن خلال دراسة العظام، يمكننا أن نتعلم المزيد عن الأشخاص الذين لا يظهرون في النصوص والفنون بشكل متكرر مثل كبار السن، والأطفال، والنساء، والمعاقين.
أن أوستن أستاذة الأنثروبولوجيا والأثار
غالبا علماء الآثار في العالم يتوقفون عند المعابد والتماثيل والبرديات واللوحات وغيرها، كيف تصبح العظام البشرية مصدرا للتاريخ؟
تقدم هياكلنا العظمية معلومات مهمة عن كيفية معيشتنا بما في ذلك الأدلة على الوقت الذي عانينا فيه من مشاكل صحية خطيرة، ونجونا من إصابات مؤلمة، وتناولنا أطعمة أثرت بشكل كبير على أسناننا، كما تمنحنا دراسة البقايا البشرية طريقة مختلفة لمعرفة المدة التي عاشها الناس ومقارنة تجارب الأشخاص عبر المواقع، وهذا يسمح لنا بطرح أسئلة مهمة مثل: هل تتحسن الصحة في مصر القديمة بمرور الوقت؟ هل كانت الفترات الوسيطة أوقاتا لمزيد من الإصابات؟ هل هناك تحولات كبيرة في النظام الغذائي تتزامن مع تأسيس العصر الفرعوني المصري؟ وغيرها.
أن أوستن أستاذة الأنثروبولوجيا والأثار
هل دراسة العظام كمصدر تاريخي تحتاج إلي خلفية علمية طبية باعتبار أنها تعد نوعا من التشريح؟
قد يأتي الأشخاص الذين يدرسون البقايا البشرية من خلفيات متنوعة، ويشمل ذلك علماء الأنثروبولوجيا البيولوجية مثلي، والأطباء، وعلماء الوراثة، والأهم من ذلك، يجب أن تكون لديك معرفة عميقة بتشريح الهيكل العظمي البشري والتنوع البيولوجي، وأبحاثي تركز على استخدام بقايا الهياكل العظمية البشرية جنبا إلى جنب مع الفن والنصوص لفهم الثقافة المصرية القديمة.
أن أوستن أستاذة الأنثروبولوجيا والأثار
من خلال البيانات من بقايا بشرية مصرية قديمة ونصوص الحياة اليومية، كيف اكتشفت حال المصريين قديما فيما يخص شبكات الرعاية الصحية وأبرز الأمراض التي كنت منتشرة؟
يقع عملي في (دير المدينة) لوجود عدد كبير من نصوص الحياة اليومية، وتتضمن هذه النصوص رسائل ووثائق حكومية وعلاجات طبية، وفي كتابي "الصحة في مصر القديمة"، قمت بتحليل هذه النصوص لدراسة كيفية رعاية الناس في القرية لبعضهم البعض عندما كانوا مرضى، كما نظرت إلى آلاف العظام من المقابر في دير المدينة لمعرفة التجارب الصحية التي عاشها الناس في القرية، ويخبرنا الجمع بين هذه النصوص والتجارب الصحية بأن المصريين في دير المدينة كانوا قادرين على الاعتماد على الدعم الحكومي وموارد المجتمع وأسرهم للسيطرة على نتائج صحتهم، وأنا أحب أن أتعلم المزيد عن التجارب اليومية للبشر العاديين، ورغم أنني أجد ملوك وملكات مصر كانوا رائعين، إلا أنني كنت دائما أكثر انجذابا إلى النصوص والفنون والتحف التي صنعها المصريون العاديون من عامة الشعب.
أن أوستن أستاذة الأنثروبولوجيا والأثار
لك أبحاثا خاصة بالوشوم.. هل كانت لها دلالات طبية أو دينية أو اجتماعية عند المصريين قديما؟
تشير أبحاثنا الأخيرة حول الوشم من خلال الأدلة المستمدة من دير المدينة إلى أنه كانت له على الأرجح وظائف دينية واجتماعية مهمة، وتشمل الوشوم صورا لآلهة مصرية مثل بس، وبقر حتحور، وعيون وادجيت، كما كانت توضع غالبا على أجزاء بارزة جدا من الجسم بما في ذلك امرأة كان لديها وشم على رقبتها وذراعيها وظهرها، وغالبا هذه الوشوم كانت تستخدم لأسباب طبية، فقد كانوا يعتقدون أن لها تأثيرا يشبه المسكنات في حالات الولادة.
أن أوستن أستاذة الأنثروبولوجيا والأثار
هل دراساتك وأبحاثك نظرية وتاريخية أم كانت لك جهود في الاكتشافات الأثرية في مصر؟
مقابر دير المدينة التي أعمل فيها تم التنقيب فيها بشكل أساسي خلال النصف الأول من القرن العشرين، وبينما تم الانتهاء من أعمال التنقيب، لم تتم دراسة البقايا البشرية في الموقع مطلقا، وأنا أذهب كل عام كجزء من مهمة المعهد الفرنسي للآثار الشرقية للبحث عن البقايا البشرية في المقبرة وحفظها، حيث لم تتم دراستها أو تحليلها مطلقا.
أن أوستن أستاذة الأنثروبولوجيا والأثار
كيف تصبح بقايا الهياكل العظمية البشرية وسيلة لفهم الثقافة المصرية القديمة؟ وهل صحيح أن المصريين قديما كان لديهم "أقدم خطة رعاية صحية حكومية موثقة"؟
أنا أزعم أنهم يمتلكون أقدم نظام رعاية صحية حكومي موثق، حيث لدينا أمثلة على الإجازات المرضية المدفوعة الأجر، والأطباء المدعومين من الدولة، وتقنين المكونات الطبية، والشيء المثير للاهتمام هو أنه عندما أنظر إلى مصر القديمة والطريقة التي يصفون بها كيف يمرض الناس، فإنهم يصفون شيئا ليس بعيدا في الواقع عن نظرية الجراثيم، لقد كانوا حريصين حقا على تعقيمهم لأنهم كانوا قلقين بشأن فكرة الإصابة بالعدوى، وكلما تعلمت المزيد عن مصر، اعتقدت أن المجتمع المصري القديم يشبه المجتمع الأمريكي الحديث.
أن أوستن أستاذة الأنثروبولوجيا والأثار
من خلال أبحاثك توصلت إلي شكل الحياة التي يعيشها المعاقين في مصر القديمة، هل كانوا يحظون بنوع من الرعاية الاجتماعية أم كانوا منبوذين؟
أولئك الذين أصيبوا بإعاقات في "دير المدينة" بسبب إعاقات في المشي كانوا يعاملون بنفس الطريقة التي يعامل بها العديد من أصدقائهم وأفراد أسرهم العاديين، فقد تم ضمهم إلى مقابر الأسرة، ومنحهم طقوسا جنائزية، وظلوا على قيد الحياة لفترة طويلة بعد الإصابات التي تسببت في إعاقتهم جسديا، ومجموعة من الأشخاص الذين كانوا معاقين وغير قادرين على المشاركة في العمل الرئيسي للقرية كانوا يعملون في تزيين المقابر الملكية، ولا توجد أدلة نهائيا علي عدم اعتبارهم جزءا من المجتمع، والحقيقة أن المجتمع المصري القديم كانت لديه مبادئ أسرية صارمة، فكانت هناك امرأة اسمها "ناوناختي" لديها 8 أطفال.. وفي وصيتها كانت تنتقد 4 منهم وحرمتهم من الميراث لإهمالهم لها في شيخوختها.
أن أوستن أستاذة الأنثروبولوجيا والأثار
في رأيك.. رغم ملايين القطع الأثرية المصرية المنتشرة في كل متاحف العالم، هل فعلا كما يقولون إنه لم يتم اكتشاف الا نسبة قليلة ومازالت النسبة الأكبر لم يتم اكتشافها حتى الآن؟
لا تزال مصر مليئة بالأسرار، ومن بين الأشياء المهمة التي توصلت إليها من خلال بحثي حقيقة مفادها أنه حتى عندما يتم التنقيب في موقع ما، تظل هناك العديد من القصص التي يمكننا تعلمها من خلال دراسة القطع الأثرية والأشخاص الذين تركوها وراءهم، لذا، فحتي الآثار المكتشفة مازال يحيط بها الغموض، وكما أعتقد أن هناك ما يمكن اكتشافه في مصر من خلال الحفريات الجديدة، كذلك العودة إلى القطع الأثرية والبقايا البشرية تقدم رؤى جديدة للماضي القديم.
أن أوستن أستاذة الأنثروبولوجيا والأثار