المقصودان بالضحايا هنا هما: غزة وكوبا؛ والأخيرة دولة كاريبية ذات سيادة، تحظى باحترام وتقدير المجتمع الدولي، باستثناء الكيان العنصري الصهيوني، وكذلك الولايات المتحدة، التي لم يكد يجف حبر قرارها برفع اسم كوبا من قائمة الدول، التي يزعم بأنها ترعى الإرهاب، حتى جاء نذير إدارتها الجديدة بإعادته.
يوم الإثنين الماضي، 13 يناير، أكدت محكمة العدل الدولية أن "كوبا- استنادًا إلى المادة 63 من النظام الأساسي للمحكمة- أودعت في سجل المحكمة إعلانًًا بشأن التدخل في القضية المتعلقة بتطبيق منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها في قطاع غزة".
وبذلك، انضمت كوبا لجنوب إفريقيا وعدة دول، في قضية الإبادة الجماعية، وهي: نيكاراجوا وكولومبيا وليبيا والمكسيك وفلسطين وإسبانيا وتركيا.
اليوم التالي: أعلنت واشنطن قرارها بـِ: (1) رفع كوبا من قائمة وزارة الخارجية الأمريكية للدول التي يُزعم بأنها ترعى الإرهاب؛ (2) استخدام الامتياز الرئاسي لمنع اتخاذ أي إجراء في المحاكم الأمريكية، حيال الدعاوى القضائية المرفوعة بموجب الباب الثالث من قانون "هيلمز-بيرتون"؛ (3) إلغاء قائمة الكيانات الكوبية المحظورة، وتشمل مجموعة مؤسسات يُحظر على المواطنين والمنظمات الأمريكية إجراء معاملات مالية معها، وهو ما كان له تأثير- سلبي مباشر- على دول أخرى.
في أثناء جلسة تثبيت السناتور ماركو روبيو، المرشح لمنصب وزير الخارجية بإدارة الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، أمام مجلس الشيوخ يوم الأربعاء 15 يناير، اعتبر روبيو أن "مكان كوبا هو قائمة الدول الراعية للإرهاب، مقترحًا -ضمنا- إلغاء القرار الذي اتخذه -باليوم السابق- الرئيس المنتهية ولايته، جو بايدن".
الوزير الأمريكي روبيو، سبق وكتبت عنه مقالا بتاريخ 24 نوفمبر الماضي، بعنوان "ماركو الصغير نذير شؤم للجزيرة الكاريبية"، هذا السياسي الطموح يحلم برئاسة كوبا، وابن مهاجرين كوبيين عارضا الثورة الكوبية التي قادها كاسترو عام 1959؛ للتدليل عما يكنه من عداء للنظام الكوبي، وما ينتظر هافانا من جحيم ولاية ترامب الثانية، قال السيناتور روبيو، أمام جلسة تثبيته: "ليس لدي شك في أن الكوبيين يستوفون المعايير اللازمة لتصنيفهم كدولة راعية للإرهاب، وأن كوبا ارتبطت -علنًا- بعلاقات ودية مع تنظيمات تعتبرها واشنطن إرهابية مثل حماس وحزب الله، وأيضًا، نعلم أن النظام الكوبي يستضيف قواعد تجسس داخل أراضيه، على بعد 90 ميلًا (144 كيلو مترًا) من ساحل الولايات المتحدة، ليس لدولة واحدة بل لدولتين"!
الرئيس دونالد ترامب، الذي يبدأ ولايته الثانية غدًا، كان قد اتخذ خطوة مشابهة لخطوة بايدن، قبل أيام من مغادرته البيت الأبيض في عام 2021، حين أمر، وقتها، بإدراج كوبا بالقائمة السوداء؛ وتضم 3 دول هي: إيران وكوريا الشمالية وسوريا.
في هافانا، دعا الرئيس ميجيل دياز كانيل البيت الأبيض بأن يترك الشعب الكوبي ينعم بالعيش في سلام، مؤكدًا ضرورة وقف التدخل الأمريكي في الشئون الداخلية، وإلغاء الحظر الاقتصادي، المفروض منذ أكثر من 6 عقود، مما قد يعرض مواطنيه لما يمكن وصفه بالإبادة الجماعية- مع سبق الإصرار والترصد- وبما يتضمنه من حرمان من الغذاء والدواء والوقود، وما يلزم لبقاء الشعب الكوبي على قيد الحياة.
وزير خارجية كوبا، برونو رودريجيز، وصف الإجراءات- التي أعلنتها إدارة جو بايدن حول شطب اسم كوبا من قائمة الدول الراعية للإرهاب -بأنها جاءت نتيجة لفشل السياسة التي ينتهجها البيت الأبيض ضد هافانا، مشيرًا إلى أنها خطوة بالاتجاه الصحيح، لكن الحصار التجاري والمالي والحرب الاقتصادية تتواصل.
لإعطاء أمثلة، تتواصل الملاحقة غير القانونية لإمدادات الوقود التي من حق كوبا المشروع استيرادها، أيضًا، تتواصل الملاحقة الشديدة لاتفاقيات التعاون الطبي الدولي، التي تبرمها كوبا مع بلدان أخرى، مما يهدد بحرمان ملايين الأشخاص في العالم من الخدمات الصحية، ويقيّد القدرات الكامنة عند نظام الصحة العامة الكوبي.
في الوقت نفسه، تظل المعاملات المالية الدولية -التي تقوم بها هافانا أو أي مواطن مرتبط بكوبا- محظورة وعرضة للانتقام، كما تبقى السفن التجارية التي ترسو في كوبا معرضة للتهديد، ويُحظر -كذلك- على جميع المواطنين والشركات الأمريكية التجارة مع كوبا، وتتواصل مضايقة وترهيب وتهديد مواطني أي دولة تسعى إلى التجارة مع كوبا أو الاستثمار فيها كونها سياسة رسمية للولايات المتحدة، وبما أن كوبا تعتبر وجهة سياحية دولية، تحظر الولايات المتحدة على مواطنيها زيارتها.
رسميًا، أكدت هافانا -وتؤكد- استعدادها الدائم للحفاظ على علاقة متحضرة لكل من الشعبين الكوبي والأمريكي، ومناقشة الخلافات والقضايا الثنائية بدون أي شروط مسبقة، كما تؤكد هافانا أن لديها الإرادة- في الماضي والحاضر والمستقبل- لتطوير العلاقة مع واشنطن على أساس المساواة في السيادة والمنفعة، والاحترام المتبادل.
في الوقت نفسه، تؤكد كوبا أنها ستواصل مواجهة السياسة الأمريكية المتمثلة في الحرب الاقتصادية، وبرامج التدخل وعمليات التضليل والتشهير، التي يتم تمويلها سنويًا بعشرات الملايين من الدولارات، من الميزانية الفدرالية للولايات المتحدة.
هكذا، تتطلع الجزيرة الكاريبية الصغيرة، قيادة وحكومة وشعبًا، للعيش في أمان وسلام، وحماية أمنها واستقلالها من كل مظاهر إرهاب الدولة الأمريكية (القوية والمفترية)، وكما انتبه العالم لما وقع في غزة من جرائم للإبادة الجماعية، فمتى يصحو الضمير لإنقاذ كوبا من الزوال، خاصة مع بدء ترامب ولايته الجديدة؟
[email protected]