لا شك أن اتفاق الهدنة بين حركة حماس وإسرائيل والذي تم التوصل إليه بعد جهود مضنية وجولات حوار مكوكية في القاهرة والدوحة وبرعاية أمريكية وتدخل – غير مسبوق – من رئيس أمريكي منتخب ولكنه مازال خارج السلطة يعد اتفاقا مهمًا وفي توقيت بالغ الحساسية؛ نظرًا للظروف غير الإنسانية التي يعيشها أهالي غزة منذ شهور عديدة نتيجة العدوان الإسرائيلي الإجرامي المستمر منذ قرابة ١٥ شهرًا على القطاع، الذي أدى إلى استشهاد وإصابة عشرات الالاف من الفلسطينيين بالإضافة إلي تدمير شبه كامل للبنية التحتية والمنازل والطرق والمدارس وغيرها من المرافق العامة، وبالتالي استحالة الحياة في القطاع دون تدخل دولي وإرسال كميات وأنواع ضخمة من المساعدات في محاولة إنسانية عاجلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من بقايا القطاع المدمر.
والمؤكد أن الهدنة التي سوف تنطلق أولى حلقاتها يوم الأحد المقبل بتفاصيل كثيرة وشديدة الحساسية والتعقيد؛ سواء في حركة قوات الاحتلال الإسرائيلي وانسحابها من داخل القطاع، أو في تفاصيل عودة الفلسطينيين إلى الشمال والتزام الجانب الإسرائيلي ببنود الاتفاق، خاصة فيما يتعلق بسرعة إنفاذ المساعدات إلى غزة دون أية عوائق تتطلب متابعة مستمرة وفعالة من قبل الوسطاء؛ سواء مصر أو قطر أو أمريكا في ظل الإدارة الجديدة برئاسة ترامب، حتى تكون هناك ثمار حقيقية لذلك الاتفاق الذي طال انتظاره من جانب كافة الأطراف.
وعلى الرغم من الجهود والمشاورات والاجتماعات المكثفة على مدار الأشهر الأخيرة من قبل كافة الأطراف الفاعلة، وفي مقدمتها القاهرة لإنجاز هذا الاتفاق إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه الآن "ماذا بعد الاتفاق؟ وما هو مستقبل غزة؟ وكيف ستتم إدارتها؟ وهل سيكون هناك دور لحماس أم ستتولى الإدارة السلطة الفلسطينية؟ وغيرها من عشرات بل مئات التساؤلات التي لم يتم التوافق عليها بعد، ولا نعرف مصيرها حتى الآن، فلا يعلم أحد كيف ستتم عمليات إعادة الإعمار داخل قطاع غزة وما هي الآليات لتنفيذ تلك العمليات؟ وما هي الدول والجهات المانحة التي سوف تشارك في ذلك؟ وهل سنجد دورًا لدول تقفز علي "تورتة" إعادة الإعمار دون أن يكون لها أي دور حقيقي في التصدي للعدوان الإسرائيلي، بل إنها كانت داعمة لهذا العدوان في بعض مراحله؟!
ولذا فإن المرحلة المقبلة لابد أن تشمل الكثير من اللقاءات والتنسيق بين مصر وقطر وأمريكا والسلطة الفلسطينية وحماس وإسرائيل، بحضور الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية والدول المانحة لتنسيق المواقف والسعي لإيجاد مخرج سياسي ودبلوماسي مقبول من كافة الأطراف، خاصة في ظل التعنت الإسرائيلي السافر تجاه التواجد الفلسطيني في غزة، وإصرارها على تفريغ القطاع من أي تواجد فلسطيني حقيقي، وهو ما ترفضه حماس والسلطة الفلسطينية معا، رغم الخلافات الكبيرة بينهما والتي لم تنجح الجهود التي تم بذلها من قبل أطراف عدة لحلها وتقريب وجهات النظر بين فتح وحماس، وهو ما زاد الموقف الفلسطيني ضعفًا على ضعفه وأعطى قوة للمفاوض الإسرائيلي يستخدمها بكل صلف وتكبر.
ويقينا فإن غزة سوف تشهد ارتياحًا نسبيًا جراء هذا الاتفاق، وسوف يشعر الأهالي بأن هناك من يهتم لأمرهم، بعد أن تخلى عنهم المجتمع الدولي ممثلا في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية، ووقفت المساعدات الإنسانية عاجزة عن الوصول إلى الأهالي في القطاع؛ نتيجة الممارسات الإسرائيلية الإجرامية وغير الإنسانية في غزة..
وبالتالي فإن الأيام المقبلة سوف تحمل الكثير من المشاورات واللقاءات لمناقشة مستقبل غزة في ظل تولي إدارة أمريكية جديدة مقاليد السلطة، نعلم جميعا نواياها تجاه القضية الفلسطينية.
[email protected]