أصبحت التقنيات الطبية المرتبطة بكسور العظام وإصلاح التشوهات واستبدال المفاصل الصناعية، وكذلك تركيب أطراف صناعية بمثابة طوق نجاة وبارقة أمل جديدة، ليس فقط للمرضى ومصابى الحوادث المتفرقة، لكنها تمتد لتشمل ضحايا الأزمات والحروب ومعاناة البعض من البتر والعجز الجزئى أو الكلى عن الحركة وصعوبة العودة للحياة الطبيعية.
موضوعات مقترحة
السنوات الأخيرة شهدت اهتماما كبيرا من المؤسسات الطبية فى غالبية الدول العربية بهذه النوعية من التقنيات، والعمليات الجراحية بالتزامن مع تبادل خبرات مع الدول المتقدمة، ومراكز الأبحاث العالمية فى هذا المجال ونجاح بعض الدول العربية، فى توطين الصناعات الطبية المرتبطة بالأطراف والمفاصل الصناعية ومعها تبدلت حياة المرضى للأفضل .
تلعب الروبوتات الطبية، والطباعة ثلاثية الأبعاد للمفاصل الصناعية دورا بارزا فى تحسين حياة من يعانون بسبب بتر الأطراف، حسبما يشير الأستاذ الدكتور فلاح مأمون، خبير تقنيات وتركيبات المفاصل والأطراف الصناعية فى دولة الجزائر، ويضيف قائلا: شهدت الأطراف الاصطناعية تطورًا هائلًا على مر العصور، وقد تحققت فيها إنجازات ضخمة ساهمت فى تحسين حياة العديد من الأشخاص الذين يعانون من فقدان الأطراف أو الحواس. وقد بدأت هذه التقنية فى العصور القديمة، وتحديدا منذ 2300 إلى 3 آلاف سنة قبل الميلاد، لكنها شهدت تطورات ضخمة منذ عام 1945 بعد الحرب العالمية الثانية، واليوم تطورت المفاصل الاصطناعية، لتصبح أقرب إلى الحقيقية شكلاً ووظيفة بفضل الابتكارات فى علم المواد والهندسة الطبية.
أما المواد المستخدمة فى زراعة الأطراف الاصطناعية، فيأتى على رأسها “التيتانيوم” الذى يتم استخدامه فى الهيكل العظمى للأطراف الاصطناعية لصلابته ووزنه الخفيف، ولدينا أيضا “الكربون” و”الفايبر” ويتم استخدامهما فى صناعة الأطراف لجعلها أكثر مرونة وقوة، فى حين أن البلاستيك والهياكل المركبة يتم استخدامها فى تصنيع الأجزاء التى تتعرض للاحتكاك أو الحركة، بينما الأغشية السيليكونية، تُستخدم لمحاكاة الجلد الطبيعى وزيادة الراحة.
ويشير إلى أن تصميم المفاصل الاصطناعية يختلف بناءً على حجم جسم الشخص واحتياجاته. بالنسبة للأطفال، قد تكون المفاصل أكثر مرونة لتلاءم نموهم المستمر، أما بالنسبة للكبار، فيعتمد تصيمم المفصل الصناعى على قوة التحمل ومتطلبات النشاط اليومى للشخص. وبشكل عام تعتبر الدعامات والأطراف الاصطناعية آمنة للاستخدام أثناء إجراء التصوير بالرنين المغناطيسى، خاصة إذا كانت مصنوعة من مواد غير مغناطيسية مثل التيتانيوم. ومع ذلك، من المهم دائمًا استشارة الطبيب والتأكد من سلامة الجهاز المستخدم قبل الخضوع للفحص.
ومع تقدم الإنسان فى السن -كما يقول الدكتور مأمون- تتزايد نسب إصابته بأمراض مثل هشاشة العظام والآلام المزمنة للمفاصل، ولذلك تزايد الاهتمام فى السنوات الأخيرة بإيجاد علاجات مبتكرة لتخفيف هذه الآلام وتحسين جودة حياة المرضى. وفيما يخص تجنب الآثار الخطيرة، تعتمد نسبة النجاح على تطور الحالة واستجابتها للعلاج، لكن الجراحة الحديثة، مثل استبدال المفاصل أو العلاج بالخلايا الجذعية، أظهرت نتائج واعدة، لذلك ركزنا أبحاثنا على تطوير مواد أولية متطورة لصنع أطراف طبية صناعية مناسبة ذات نوعية جيدة، وقد ساهمنا بقدر كبير فى دراسة وتطوير عدد من المواد المعدنية وغير المعدنية لذات الغرض.
الإصابات الرياضية
وعن خطورة الإصابات الرياضية على العظام يقول: أصبحت تلك النوعية من الإصابات، تؤثر على الأفراد من جميع الأعمار، سواء كانوا رياضيين محترفين أم هواة، وتتراوح هذه الإصابات من إصابات خفيفة مثل الكدمات إلى إصابات أكثر خطورة تتطلب عمليات جراحية مثل استبدال المفاصل أو زراعة الأطراف الاصطناعية وهذا ما يتم التركيز عليه فى أبحاثنا بهدف استرجاع وظيفة العضو المتضرر. وهناك العديد من الحالات التى تتطلب عمليات جراحية متقدمة مثل إصابات الأربطة، وتمزقات الأوتار، خصوصا فى الرياضات مثل كرة القدم وكرة السلة، فغالبًا ما تتطلب هذه الإصابات إعادة تأهيل طويل كجزء أساسى لإتمام الشفاء.
وعن التكلفة المالية لمثل هذه العمليات يقول الدكتور فلاح مأمون: تكلفة عمليات استبدال المفاصل والعلاج العظمى لاتزال مرتفعة، خصوصًا فى الدول التى لا توجد فيها تغطية صحية شاملة أو أنظمة تأمين صحى، لكن استخدام التقنيات الحديثة، مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد لإنتاج الأطراف الصناعية خفض التكاليف بشكل ملحوظ أخيرا، ومن بين أهدافنا الحالية تطوير مواد ذات عمر افتراضى كبير، وبنوعية جيدة بتكلفة تناسب أصحاب الدخل المحدود.
وعن المشاكل التى قد يواجهها بعض المرضى بعد تركيب مفصل صناعى يقول الدكتور فلاح: هناك بعض الحالات لا تتحقق معها النتائج المرجوة من العملية، وهى الحالات التى تعانى من أمراض تؤثر على العلاج، مثل الذين يعانون من مشاكل فى الأنسجة العظمية، قد يواجهون صعوبة فى التكيف مع الأطراف الاصطناعية بسبب عدم توافق الأنسجة، حيث يحدث فشل الزرع عندما لا يتوافق نسيج المتبرع مع جسم المتلقى، مما يؤدى إلى رفض الجسم للعضو المزروع، وأيضا إذا كانت الحالة المرضية متقدمة جدًا عند بدء التدخل الطبى.
خشونة مزمنة
أما الأسباب الرئيسية التى تدعو إلى استبدال مفصل، فيأتى فى مقدمتها تفاقم الخشونة، حسبما يقول الدكتور أحمد مصيلحى، استشارى جراحة العظام والمفاصل: خشونة الركبة التى تزيد مع الزمن على حسب استخدام الشخص المريض للمفصل، ومن الممكن أن تستغرق تطورات الحالة فترة قليلة، أو كبيرة حسب وزن المريض وما إذا كان يمارس الرياضة أم لا، لكن هناك حتمية عندما يصل المريض لدرجة معينة من الخشونة المتقدمة، لا سيما أن المريض غير مستجيب للعلاج، فلا يصبح أمامنا سوى عملية تغيير المفصل.
وعن نسب نجاح مثل هذه العمليات يقول الدكتور مصيلحى: حاليا مثل هذه العمليات تحقق نسب نجاح كبيرة تتجاوز 95 %، ولدينا فى مصر كثير من الأطباء البارعين فى إجرائها ولديهم شهرة واسعة فى عالم الطب، وقد يخاف المريض من إجراء هذه العمليات، لكنها فى حقيقة الأمر ليست بالصورة التى يخشاها المريض ويتوقعها قبل إجرائها، وما يحدث فى هذه العملية تحديدا، هو أن الخشونة التى تصيب المفصل بشكل عام تصيب سطح المفصل وتؤدى إلى تآكله، وفى العملية نقوم بتقشير سطح المفصل ثم نقوم بتركيب سطح معدنى، ونضع حائلا فى المنتصف حتى لا يحدث احتكاك بين العظمتين، اللتين تلتقيان ببعضهما ويتخللهما الغضروف ومن ثم يقل الألم عند المريض بنسبة 90 ٪ لدرجة أنه فى بعض الحالات، قد لا يظهر على المريض أنه أجرى عملية استبدال مفصل، والمفصل الصناعى الذى يتم زراعته له عمر افتراضى يتراوح ما بين 15 إلى 20 عاما، لذلك نحاول جاهدين تأجيل اتخاذ قرار إجراء العملية، لأن هناك مرضى نعالجهم ونجرى لهم العملية وهم أساسا فى عمر يتجاوز الخمسة وسبعين عاما، ونراهن على أنهم فى هذا العمر قليلو الحركة، وهناك حالات لمرضى من الصعب التعامل معها، وهم مرضى الجلطات لذلك نؤجل قرار إجراء العملية، لتكون آخر حل أمامنا.
وعن تكلفة عملية استبدال المفصل يقول د.مصيلحي: بكل تأكيد فى الفترات الأخيرة أصبحت هذه العملية مكلفة جدا، لكون المفصل الجديد يتم استيرادها من الخارج، هذا بخلاف تكلفة العملية فى حد ذاتها، ونظرا للظروف المادية الصعبة لبعض المرضى غير القادرين، هناك إجراءات وخطوات لإجراء العملية على نفقة الدولة، فهناك مبادرة تقوم بها وزارة الصحة للقضاء على قوائم الانتظار فى كل العمليات.
تقنيات جديدة
من جهته، يرى الدكتور محمد علام، استشارى جراحات العظام والمفاصل الصناعية، أن عمليات استبدال المفاصل مثل أى إجراء طبى آخر خاضعة للأبحاث والدراسات التى يظهر لها كل يوم جديد لاستبدال وإحلال طرق وأساليب العلاج مكان أخرى، لأنه لا توجد أبحاث نهائية فى الطب وأضاف: فى كل يوم تظهر تقنيات جديدة وتكنولوجيا مختلفة وأنواع من الأدوية أحدثت طفرة فى العلاج وأثبتت فاعليتها عن أدوية أخرى، ولكن بشكل أساسى لدينا واقع فى مجتمعنا وهو أن هناك أعدادا كبيرة من الناس فى مجتمعاتنا العربية تعانى من خشونة المفاصل لأسباب مختلفة، وهنا لابد من التركيز على معلومة أساسية وهى أن طبيب العظام لا يمكنه الحكم على مثل هذه العمليات أو إجرائها، ولكن التخصص الدقيق مهم بمعنى أن ليس كل طبيب عظام قادر على إجراء عملية استبدال المفاصل فلا بد من أن يكون دكتور مفاصل. وتابع الدكتور محمد علام قائلا: هذا بخلاف أن التعامل يختلف من مفصل لآخر، والتعامل مع مفصل الكتف يختلف عن التعامل مع مفصل الركبة أو الكاحل أوالريست أو مفصل الكوع أو الفك وهى كل أنواع المفاصل وكلها يتم إجراء عمليات استبدال ولكن تختلف كل عملية عن الأخرى.
ويستطرد قائلا: عمليات استبدال المفاصل تعالج حالات الكسور التى يصعب تصليحها أو التعامل معها من خلال الأدوية مثل كسر عنق عظمة الفخذ وبعض كسور أعلى عظمة العضد، لاسيما أن هناك حالات الأورام السرطانية التى يصعب معها إجراء جراحة خصوصا أورام العظام، وفى حالة استبدال المفاصل لمريض يعانى من ورم خبيث، نجد أن المفاصل الجديدة التى يتم تركيبها مختلفة تماما عن المفاصل الأخرى للأشخاص الطبيعيين الذين يعانون من الخشونة مثلا، وذلك لكون الخشونة ليست مرضاً ولكن تصيب الإنسان مع تقدم العمر.
وتابع قائلا: بمرور الزمن جسم الإنسان يتغير بسبب عوامل كثيرة منها الممارسات اليومية الخاطئة مثل الجلوس الخاطئ وطلوع السلم ونزوله، وهو ما يتسبب فى مشكلات تنتاب مفصل الركبة، بالإضافة لزيادة الوزن وهو ما يبرر تأثر السيدات أكثر بالخشونة عن الرجال، وذلك لكون الكتلة العضلية عند السيدات أضعف بكثير من الرجال، وفى النهاية كل حالة وكل مريض وله ظروف خاصة به، وتفاصيل العملية تختلف من حالة لأخرى وعلى حسب حالة المرض، وهناك أورام لا تصلح فيها عملية تغيير المفصل وتتطلب بتر المفصل وكل ورم يعالج بطريقة غير الأخرى.
ويؤكد د.علام أننا بحاجة لحملات توعية للجمهور البسيط للتأكيد على أهمية ممارسة الرياضة مثل المشى والتمارين الرياضية وأهمها ممارسة السباحة فى حمامات السباحة، ويستكمل حديثه قائلا: ممارسة السباحة تفيد جدا فى حالات خشونة المفاصل لأن فى هذه الحالة يكون تحميل الجسم على المياه وليست على المفاصل، هذا بالإضافة لضرورة اتباع نظام غذائى خال من السكريات والدهون والمقليات، وذلك كأسلوب حياة .
العلاج الطبيعى
يعتبر العلاج الطبيعى مرحلة أساسية وجزءا لا يتجزأ من عمليات استبدال المفاصل وهى مرحلة التأهيل التى تتم عقب خروج المريض من غرفة العمليات إلى أن يتعافى، ويسير بقدم ثابتة غير متأثرة بأية آلام، كما تشير الدكتورة منال عبد الحميد، دكتوراه العلاج الطبيعى والعمود الفقرى قائلة: بالنسبة للعلاج الطبيعى بعد عمليات استبدال المفصل يتم اتخاذها بناء على تعليمات جراح العظام الذى قام بإجراء العملية، وخطوات العلاج التأهيلى تعتمد بشكل أساسى على حركات وتقوية العضلات المحيطة بالمفصل، لتساعد المريض فى القدرة على الحركة والرجوع إلى ممارسة حياته الطبيعة.
وتضيف: يختلف التمرين فى نوعه وتكراره تبعا لحالة المريض الصحية والمرحلة السنية له بما يتناسب معه ويساعد على تحسين حالته، كما تختلف بمكان المفصل الذى تم تغييره سواء الفخذ أو الركبة، وكذلك أسباب اللجوء إلى استبدال المفصل أيضا، حيث إن مريض الهشاشة يختلف عن الشخص الذى تعرض لحادثة، وحسب قوة الحادثة أيضا يختلف عن مريض الخشونة وكلها حالات تختلف بسببها أدوات العلاج الطبيعى ومدته وعدد جلساته، وبشكل عام جلسات العلاج الطبيعى بعد عملية استبدال المفصل تتراوح من 4 إلى 8 أسابيع بمعدل 2 إلى 3 جلسات أسبوعية.
وعن تقييمها لنسب نجاح العملية أثناء فترة التأهيل تقول د.منال: فى مصر تحظى هذه العمليات بنسب نجاح كبيرة ومميزة جدا وذلك لكون هذا التخصص يتميز بوجود أطباء ذو كفاءة عالية جدا فى تخصصهم، من هنا تسهل علينا مهمتنا فى التعامل مع المريض، والتى تختلف من حالة لأخرى حسب حالة المريض وسنه. ولدينا معاملة مختلفة مع مريض الورم الخبيث الذى يتطلب العلاج معه الدقة بشكل كبير، خصوصا أن أسلوب علاجه يعتمد بشكل أساسى على العلاج اليدوى ولا نستخدم معه الأجهزة، كما يحتاج إلى فترة علاج أطول لأن مدة الجلسة وشدة التمارين ليست بنفس الشدة والقوة التى نتعامل فيها مع المريض العادى .
ونوهت إلى أن أساليب العلاج الطبيعى تختلف مع الحالات التى قامت باستبدال المفصل عن العلاج الطبيعى لباقى الحالات، لأن حالات استبدال المفاصل، نلجأ فيها لأجهزة تساعدنا على تزويد قدرة وقوة العضلات ونميل للأجهزة الرياضية بشكل أكثر ويحتاج المريض الجيم بعد فترة معينة للتعافى تحت إشراف دكتور العلاج الطبيعى، المقصود هنا بالجيم الجيم العلاجى، وليس الجيم الرياضى الطبيعى لأن المريض بعد ما ينتهى من كورس العلاج الطبيعى تصبح حالة المفصل أفضل وتصبح قدرته على الاعتماد على نفسه فى الحركة بشكل أكبر، ويصبح بحاجة إلى ممارسة تمرينات تعلمها فى فترة العلاج الطبيعى حتى تحافظ على قدرة العضلة وتقويتها ويساعد على المحافظة على المفصل ليعيش بشكل طبيعى.