منذ وصولها على رأس مجلس وزراء إيطاليا نهاية عام 2022، تواصل جيورجيا ميلونى مفاجآتها برغم تشكيك الكثيرين فى قدراتها، لكنها بعد عامين من وصولها إلى السلطة، تمكنت أول امرأة تتولى رئاسة مجلس الوزراء، من إيجاد مكانها على الساحة الأوروبية وتنفيذ برنامجها، حيث استمر الثناء الأوروبى عليها بلا انقطاع، على الرغم من الانتقادات الشديدة التى تتعرض لها سياسات اليمين المتطرف فى إيطاليا.
موضوعات مقترحة
ورثت جيورجيا ميلونى، وضعًا اقتصاديًا كارثيًا عند وصولها فى عام 2022، لكنها سعت جاهدة إلى عمل توازن لبلادها بهدف إعادة العجز إلى أقل من 3% من الناتج المحلى الإجمالى فى عام 2026، بعد التهديد بإجراءات العجز المفرط من قبل المفوضية الأوروبية، وتمكنت ميلونى من إقناع القادة الأوروبيين، الذين كانوا متشككين عندما وصلت إلى السلطة، لدرجة أنها أصبحت مصدر إلهام لبعض زملائها الأوروبيين، خصوصا بعدما تم انتخابها شخصية العام فى أوروبا، من قبل مجلة «بوليتيكو» الأسبوعية فى بروكسل، وتمكنت من فرض رؤية خاصة لليمين فى خضم صعود هذه الحركة فى القارة القديمة.
ميلونى وجه أوروبا الجديد
قبل بضع سنوات، كان من غير المتصور أن تكون إيطاليا موطنًا لواحدة من أكثر الحكومات استقرارًا فى أوروبا، إذ كانت الإدارات الائتلافية الإيطالية، سرعان ما تنهار بعد مرور عام على الأكثر، ما جعل إيطاليا غير مستقرة بشكل دائم، لكن سلسلة من العوامل بما فى ذلك الأزمات الحكومية فى البلدان المستقرة نسبيًا، مثل فرنسا وألمانيا من جانب، والشعبية الهائلة للائتلاف الإيطالى الحالى، بقيادة رئيسة الوزراء جورجيا ميلونى الموجودة فى السلطة منذ عام 2022 من جانب آخر، والتى جعلت روما، هى اللاعب الرئيسى فى المشهد الأوروبى كله.
فى ديسمبر 2023، عندما كان عمرها 46 عامًا، وهو ما يعنى بالنسبة لإيطاليا الشباب الكامل، احتلت جورجيا ميلونى المركز الرابع فى تصنيف النساء الأكثر تأثيرًا فى العالم، من قبل مجلة «فوربس» الأمريكية، فهى أول امرأة تمكنت من شغل منصب مهم، فى خضم الفوضى التى تميز السياسة الأوروبية ما بين الأزمات الحكومية الواضحة، مثل تلك الموجودة فى ألمانيا وفرنسا، والتوترات الواضحة مثل تلك الجارية فى إسبانيا التى ابتليت بالكوارث الطبيعية، حيث برزت حكومة جيورجيا ميلونى فى الواقع بخاصية واحدة، وهى الاستقرار برغم توقع العديد من المعلقين السياسيين، أن يؤدى الاقتتال السياسى الداخلى فى إيطاليا حتما إلى تقسيم ائتلافها الحاكم المكون من الأحزاب اليمينية، ولم يكن هناك قدر كبير من المودة تجاهها فى بروكسل.
على مدى العامين الماضيين، فاجأت ميلونى الجميع، بتعزيز حكومتها، باعتبارها واحدة من أكثر الحكومات استقرارًا على الإطلاق فى إيطاليا ما بعد الحرب، وبرغم أن البلاد مثقلة بدين وطنى يعادل 137%، من ناتجها المحلى الإجمالى، فإن التوقعات الاقتصادية ليست قاتمة إلى الحد الذى يخيف المستثمرين الأجانب، الذين تجتذبهم البيئة السياسية الهادئة إلى حد غير عادى.
يبدو أن الرياح السياسية الحالية غير المنضبطة، والفوضوية تأتى بما تشتهى سفن ميلونى، فمع استبعاد القوى التقليدية لباريس وبرلين تستغل رئيسة الوزراء الإيطالية عمليا فراغ السلطة، الذى يمنحها مجالا للمناورة لتعزيز سياستها، إذ وضعت نفسها فعليا كجسر بين اليمين المتطرف الذى يستمر وجوده فى الحكومات الأوروبية فى النمو، وبين الزعماء الديمقراطيين الليبراليين.
تكمن قوة رئيسة الوزراء جزئيًا فى ضعف الزعماء الأوروبيين الآخرين، فمع عجز السياسيين التقليديين عن موازنة الخطاب القومى المتطرف الذى يحظى بشعبية متزايدة، ومع رغبتهم فى التعاون مع ميلونى على الساحة الأوروبية، فإن ذلك جعل رئيسة الوزراء - التى تصر على تعريف نفسها كرئيسة وزراء ذكورية - قادرة على ممارسة سلطة هائلة، فى وقت تفتقر فيه القارة إلى الوسطيين القادرين على تحديها، لدرجة أن الاتحاد الأوروبى نفسه غير موقفه تجاه الزعيمة الإيطالية، التى منذ انتخابها فى عام 2022 نفذت ميلونى سياسات بشأن المهاجرين، حيث كانت بروكسل بصدد إدانتها، فإنه سرعان ما تراوحت ردود فعل الزعماء الأوروبيين من اللامبالاة إلى الموافقة، حيث تقبلها الكثيرون كممثلة مرحب بها لروح العصر الراديكالى المتزايد على جانبى المحيط الأطلنطى.
وجاءت مكانة ميلونى فى أوروبا من التصور، بأنها جزء من ظاهرة سياسية رابحة، وهى حركة عالمية للشعوبيين القوميين، وتعتقد وسائل الإعلام أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلونى، أصبحت الشخصية السياسية الأساسية فى أوروبا، وستظل كذلك حتى عام 2025، إذ أظهرت الزعيمة الإيطالية مرونة دبلوماسية كبيرة، إلى حد فرض حلولها على المستوى الأوروبى.
جسر إلى ترامب
فى وصفه لميلونى - التى كثيرا ما مازحها بشأن طولها - وصفها ترامب بأنها “ديناميكية ورشيقة”، مشيرا إلى أنهما “معا يمكنهما إصلاح العالم قليلا”، وعلى الرغم من التشابه السياسى بين الزعيمين، فإنهما لا يرتبطان بالضرورة بجميع الصراعات الأكثر إلحاحاً فى العالم، فخلال ولايته الأخيرة وصف ترامب أوروبا بأنها “عدو” الولايات المتحدة، لكن هذه المرة كان لدى ميلونى القدرة على تغيير هذا النهج، حيث أرجعت الفضل فى ذلك جزئيًا إلى صديقهم المشترك إيلون ماسك، حيث تتمتع ميلونى وماسك بعلاقة جيدة جدًا، ويمكن أن يكون ماسك أفضل صديق لهما، طالما استمر شهر العسل بين ترامب وماسك.
مع ذلك فمن الصعب التنبؤ، بما إذا كانت ميلونى ستتمكن من التأثير على ترامب بأى شكل من الأشكال، باعتبارها مؤيدا قويا لأوكرانيا، إذ التقت بالرئيس فولوديمير زيلينسكى عدة مرات منذ الغزو الروسي، وهناك فرصة جيدة لأن تأخذ ميلونى زمام المبادرة، وتكون بمثابة جسر بين إدارة ترامب وأوروبا، وفى الوقت الحالى يبدو أن ميلونى تقف إلى جانب إيلون ماسك، وبالتالى إلى جانب ترامب، وبالتالى ستكون سياسية أكثر تفاعلية وليست استباقية، عندما يتعلق الأمر بنهج ترامب تجاه أوروبا، فقبل تشكيل حكومة جديدة فى ألمانيا، وبالنظر إلى الوضع الحالى فى فرنسا، وعندما يكون ترامب فى البيت الأبيض، سيكون لدى إيطاليا نوع من الاحتكار، لأنها ستكون الدولة الوحيدة التى لديها حكومة مستقرة.
بينما تجد رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلونى نفسها وسط زوبعة من الثناء والترقب، مع عودة ترامب الوشيكة إلى البيت الأبيض، يصبح احتمال توحيد هاتين الشخصيتين المؤثرتين مثيرا للفضول والتكهنات، بين المراقبين العالميين الذين يتوقون إلى مشاهدة التأثير المحتمل لتعاونهما، فمديح ترامب الحماسى لميلوني، ووصفه إياها بأنها قائدة وشخصية رائعة، يمهد الطريق لتحالف واعد بين الزعيمين.
وبينما ينتظر العالم الكشف عن هذه الشراكة غير المتوقعة، فإن نفوذ ميلونى المتزايد وعودة ترامب الوشيكة إلى السلطة، يلقيان بظلال من الترقب على العلاقات الدولية، فالإعجاب المتبادل بين ترامب وميلونى يكشف عن تحالف سياسى محتمل، يمكن أن يعيد تعريف الديناميكيات العالمية، وبينما تنعم ميلونى بإشادة ترامب، فإن موقعها الإستراتيجى كجسر بين الاتحاد الأوروبى والبيت الأبيض يكتسب أهمية أكبر، ويشير تبادل المجاملات بين الزعيمين إلى وجود أيديولوجية مشتركة، ورابطة تتجاوز الحدود الدولية، فغالبًا ما تكون العلاقات الشخصية والتحالفات السياسية بمثابة حجر الزاوية للتغيير، إذ ترمز العلاقة بين ميلونى وترامب إلى تقارب الأيديولوجيات المحافظة والرؤية المشتركة للمستقبل، وبينما يبحرون فى تضاريس الدبلوماسية العالمية المعقدة، فإن شراكتهما يمكن أن تبشر بفصل جديد فى العلاقات الدولية يتسم بالتعاون والوحدة.
اشتهرت ميلونى بقدرتها على التنقل عبر الديناميكيات السياسية المعقدة للاتحاد الأوروبى، مع الحفاظ على أوراق اعتمادها القومية، ويتردد صدى أسلوبها القيادى وموقفها الحازم بشأن قضايا، مثل الهجرة والإصلاح الاقتصادى مع أجندة ترامب “أمريكا أولاً”، كما أن التهانى السريعة التى قدمتها ميلونى لترامب بعد فوزه فى الانتخابات فى نوفمبر تؤكد حرصها على التحالف مع الإدارة المقبلة، كما يضيف ارتباطهما المشترك مع رجل الأعمال الملياردير إيلون ماسك طبقة أخرى إلى هذا التحالف، فنفوذه كقطب سياسى يعزز النفوذ الجماعى للثلاثى فى تشكيل الخطاب العالمي. فإعجاب ماسك بميلونى إلى جانب علاقاته الطويلة الأمد مع ترامب، يؤكد الشبكة المتنامية من اللاعبين ذوى النفوذ من ذوى الميول اليمينية الذين يشكلون القرن الحادى والعشرين.
ويأتى الاعتراف بميلونى كجسر بين أوروبا والبيت الأبيض فى عهد ترامب ليضعها فى موقع الشخصية الرئيسية فى العلاقات عبر الأطلسى، وقد يؤثران معا على اتجاه القضايا الرئيسية، بما فى ذلك التجارة والدفاع والعلاقات الدولية، وتزعم ميلونى أنها بدأت بالفعل عملية الجسر هذه فى باريس ونشرت صورة لها، وهى ترفع إبهامها مع ترامب على موقع “إكس” الذى يملكه إيلون ماسك، ووضعت عنوانا رئيسيا، يقول “هناك تحالف بالفعل، فمحور الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى يمر عبر إيطاليا”.