لم تعد إسرائيل ملاذا آمنا، مثلما كان يأمل مؤسسوها على جماجم الفلسطينيين فى حرب 1948، لحشد يهود العالم فى أرض الميعاد، ويحققون أحلامهم فى وطن قومى، وفقا للمفاهيم التوراتية والتلمودية، التى ما زالت تهيمن على تصوراتهم الدموية، ومن ثم يتمددون انطلاق منه للهيمنة على الإقليم العربى فى ضوء شعار "من النيل إلى الفرات" الذى يسكن الذاكرة الصهيونية، ولم تنطفئ جذوته أبدا، متجليا ذلك فى ذهنية رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الذى ما فتئ يعتقد أنه بات قوسين أو أدنى من دخول منطقة هذا الشعار، ليفرضه واقعا فى ضوء الأدوار العلنية والسرية التى مارسها كيانه بكل من لبنان وسوريا، وبالطبع فلسطين وفى القلب منها غزة.
موضوعات مقترحة
هذه الحقيقة.. كانت تلقى بظلالها، كلما تعرضت القوة القائمة بالاحتلال لأزمة أو هزة عنيفة على مدى يقترب من العقود الثمانية، غير أنها فرضت نفسها بقوة فى أعقاب عملية "طوفان الأقصى" فى السابع من أكتوبر من العام الفائت التى نفذتها كتائب القسام، وغيرها من كتائب المقاومة الفلسطينية بكفاءة عالية أقضت - وما زالت - مضاجع المؤسسة العسكرية والأمنية بها، وما نجم عنها من حرب إبادة شديدة الضراوة فى غزة، امتدت توابعها إلى باقى الأراضى الفلسطينية فى الضفة الغربية والقدس المحتلين.
وتأكيد هذه الحقيقة، يتجلى فى جملة من المعطيات التى رصدتها وسائط إعلام ودوائر حكومية وخبراء داخل إسرائيل نفسها.. فطبقا لبيانات تضمنها تقرير رسمى أصدره المكتب المركزى الإسرائيلى للإحصاء، الأسبوع قبل الماضى، فإن معدل الهجرة العكسية، تصاعد خلال العام الفائت - 2024 - وأن مجمل النمو السكانى تباطأ للمرة الأولى منذ عام 2020، فى وقت يواصل فيه جيش الاحتلال شن حرب الإبادة فى قطاع غزة للشهر الـ15 على التوالى، فقد هاجر 82.7 ألف شخص إلى خارج إسرائيل فى 2024، بسبب الحرب بدون أمل فى العودة فى وقت قريب، فى حين عاد إليها 23.8 ألف شخص من المقيمين بالخارج.
وشهد شهر أكتوبر الماضى ذروة الهجرة السلبية، حيث غادر أكثر من 10 آلاف شخص، ما يعكس زيادة كبيرة مقارنة بالعام السابق .أما فى عام 2023، فقد غادر حوالى 55 ألفا و300 إسرائيلى بمعدل 5.7 لكل 1000 نسمة، وهو ارتفاع مقارنة بالسنوات السابقة، وفى الوقت ذاته، وثق المكتب هجرة 32.8 ألف يهودى إلى إسرائيل فى العام نفسه، مقارنة بحوالى 48 ألفا فى العام السابق .. وفى المجمل، أظهرت البيانات أن معدل النمو السكانى تباطأ من 1.6% فى 2023 إلى 1.1% فى 2024، وهى أول مرة يسجل فيها تباطؤًا منذ 2020 خلال جائحة كوفيد 19 (كورونا).
وحسب التقرير، فإن العامل الأساسى لانخفاض معدل النمو السكانى يتمثل فى زيادة معدلات الهجرة إلى الخارج خلال العام المنصرم، وبالنسبة لميزان الهجرة الدولية، الذى يُحسب من خلال مقارنة عدد القادمين للعيش فى دولة الاحتلال مع عدد المغادرين منها، سجلت نهاية هذا العام عجزًا بلغ 18 ألفا و200 فرد، نتيجة رئيسية لهجرة السكان اليهود للخارج.
ويلفت التقريرإلى أن عدد سكان إسرائيل، يقدر بحوالى 10 ملايين و27 ألفا، بينهم 7.7 مليون يهودى و2.1 مليون عربى (الفلسطينيون فى أراضى 1948) و216 ألف أجنبى.
فقدان الأمن
هذا أولا.. أما ثانيا: فتشير استطلاعات الرأى إلى تنامى شعور الإسرائيليين بفقدان الأمن، وتراكم الضغوط النفسية منذ عملية طوفان الأقصى، ووفقا لاستطلاع نشرت صحيفة معاريف نتائجه فى أكتوبر الماضى، فإن 49% فقط من السكان اليهود أفادوا بأنهم يشعرون بالأمان فى أماكن وجودهم.. فى حين كشف استطلاع آخر لصحيفة يديعوت أحرونوت أن 20% من اليهود يفكرون فى مغادرة إسرائيل إذا كانت لديهم القدرة المالية.
وتقترب نتائج استطلاع للرأى أجرته قناة "كان" التابعة لهيئة البث الرسمية الإسرائيلية، فقد أشار إلى أن نحو ربع السكان اليهود- تحديدا 23%- فكروا فى الهجرة للخارج خلال العام المنصرم، مظهرا أن 14% من مؤيدى الائتلاف الحكومى بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو فكروا فى المغادرة، مقابل 36% من مؤيدى أحزاب المعارضة الذين قالوا أيضا إنهم فكروا فى الهجرة للخارج، ولافتا إلى أن العلمانيين أكثر ميلا للمغادرة مقارنة باليهود الحريديم (المتدينين).
وفى تعليقها على الاستطلاع، رأت القناة أن معدل الهجرة السلبية كان واضحا، حتى قبل نشوب الحرب الأخيرة، إذ كان عدد المغادرين يفوق عدد المهاجرين الجدد خلال السنوات الأخيرة، معتبرة أنه على الرغم من عدم توافر بيانات رسمية للسنة الحالية (2024)، فيبدو أن هذا الاتجاه مستمر- الهجرة السلبية - مما يشير إلى مشكلة أكبر، قد تتفاقم إذا لم يتم التعامل معها بجدية.. وفى سبتمبر الماضي، كشفت معطيات رسمية - صدرت عن دائرة الإحصاء المركزية - عن تزايد ملحوظ فى ظاهرة هجرة السكان اليهود للخارج، حيث غادر أكثر من 40 ألفا خلال الأشهر السبعة الأولى من 2024، فيما هاجر فى العام 2023، نحو 55 ألفا و300 يهودى، بمعدل 5.7 لكل 1000 نسمة، وهو يعكس ارتفاعا مقارنة بـ38 ألفا هاجروا عام 2022.
ثالثا- إن نجاح عملية السابع من أكتوبر 2023 فى كشف عوامل القصور والضعف فى بنية إسرائيل بتحطيم الواجهة الهشة التى كانت تعتمد عليها، وبفعل الصدمة العسكرية والاستخباراتية والأمنية والسياسية، التى أحدثتها فى المشهد الداخلى لإسرائيل وتفاقم المشاكل الداخلية، أفضى إلى تصاعد نزيف الهجرة العكسية، الأمر الذى من شأنه أن يقود – إن استمرت بمعدلاتها خلال 2024 إلى الفراغ، ومن ثم لن يكون هناك استقرار ولا أمن ولا ازدهار يدعو للبقاء، ما يفاقم عوامل الانهيار الداخلى لبنية وجودها الأساسية، وفى هذا السياق فإنه من مؤشرات قياس الهجرة العكسية عدد الرحلات اليومية فى مطارات القوة القائمة بالاحتلال، فبحسب موقع "فلايت رادار 24"، بلغ عدد الرحلات الجوية من مطار بن جوريون وحده 120 رحلة يومياً وبمعدل 24 ألف مسافر، وهو المعدل الأكبر المسجل فى المطار على مدى الأشهر والسنوات الأخيرة، وذلك دون احتساب الرحلات الجوية من مطارى إيلات وحيفا، والمغادرين عن طريق البحر من ميناءى حيفا ويافا، فإن المجموع يصبح نحو 40 ألف مسافر مغادر يوميا، بالإضافة إلى ذلك فإن عدد الأشخاص ممن يحملون جوازات سفر إسرائيلية، ويقيمون بصورة دائمة تقريباً فى دول عدة، ولا يرغبون بالعودة إلى إسرائيل 800 ألف شخص.
وفى هذا الصدد، فإن عدداً كبيراً من الإسرائيليين، قدموا طلبات لجوء إلى البرتغال بعد إعلانها السماح لليهود بالحصول على تأشيرات اللجوء، شرط حيازتهم جواز سفر إسرائيليًا، طبقا للقناة 12، وبالمقابل ارتفع عدد المتقدمين للحصول على جنسيات دول أوروبية من قِبل الإسرائيليين ومنها: البرتغالية بنسبة 68%، والفرنسية بنسبة 13%، والألمانية بنسبة 10%، والبولندية بنسبة 10%.
ويلفت الكاتب والباحث الفلسطينى نبيل السهلى إلى أن ظاهرة الهجرة العكسية لليهود، ليست بسبب الحرب على غزة فحسب، وتداعيات استمرار المقاومة الفلسطينية، بل هى ملازمة للقوة القائمة بالاحتلال كلما استجدت داخلها أزمة سياسية أو أمنية، وقد كشفت تقارير إسرائيلية أن نحو (40) فى المائة من الإسرائيليين، خاصة جيل الشباب، يفكرون فى الهجرة إلى خارج فلسطين المحتلة، متوقفا عند مفارقة يراها بالغة الأهمية، وتكمن فى أن هذه القوة لم تنجح فى تحقيق الهدف الأخطر فى تهجير أهل غزة والضفة الغربية، بل على العكس، ارتفعت وتيرة الهجرة العكسية لليهود الإسرائيليين وخاصة الشباب، بعد انهيار أسطورتها التى لاتقهر فى أكتوبر من العام المنصرم، لاسيما أن جيشها الاحتلالى لم يحقق على مدى الأشهر الخمسة عشر الماضية أى هدف من أهدافه المعلنة والخفية، مع تصاعد الفعل المقاوم - على الرغم مما تعرض له من اغتيال لقياداته العسكرية والسياسية - ما أسفرعن آثاركارثية وطويلة الأمد ستفرز أبعادا إضافية على الداخل الإسرائيلي.
ويضيف: من بين الفئات التى سافرت للخارج ورفضت العودة، شباب تم استدعاؤهم للتجنيد والمشاركة فى حرب غزة، لكنهم تخلّفوا وتواجههم عقوبات، خاصة فى ظل ارتفاع قيمة العقوبة المالية للتخلف عن التجنيد.. ولولا التضييق على البعض لتركوها لجيش الاحتلال وقادته وهربوا، إذ تبخرت أسطورة هذا الجيش الذى كان يوصف بأنه لا يقهر بعد عملية "طوفان الأقصى"، التى أحدثت - مع المواجهات التى خاضتها المقاومة من قبل فى غزة، لاسيما معركة "سيف القدس" الأخيرة فى مايو 2021، وضربات حزب الله فى الجبهة الشمالية - زلزالاً كبيراً داخل الإسرائيلى على كل الصعد سياسياً وعسكرياً وأمنياً واقتصادياً واجتماعياً، وما ترتّب عليها من آثار وتداعيات وبداية تغيير قناعات كشفت حقيقة الخداع الذى مورس، وضلل به المستوطنون على مدى العقود الماضية من تأسيس .
ولم تعد المستوطنات المحاذية لقطاع غزة آمنة، كما لم تعدْ "تل أبيب"، التى يعدّها قادة الاحتلال "عاصمة" لكيانهم، المدينةَ السياحية والاقتصادية الأكثر أمناً وأماناً، وكذلك المدن الأخرى فى الشمال والجنوب والوسط أمام تساقط صواريخ المقاومة التى باتت تضرب إلى مدى يصل إلى 250 كيلومتراً؛ أى أنها تطال كل بقعة جغرافية على مساحة القوة القائمة بالاحتلال، وهو ما يؤشر، على نحو لا لبس فيه، على بداية انهيار مفهوم أمنها القومى بصورة كاملة، وأنها باتت تواجه حالة تهديد وجودى فعلى أكثر من أى وقت مضى، وأصبح المستوطن الإسرائيلى يعيش داخلها بأمل مفقود وأفق مسدود، ما حولها إلى مكان طارد لليهود، مع تبدد وهم إقامة "دولة إسرائيل الكبرى" وتهشم تحقيقها.
الأسباب والدوافع
رابعا: وفقا لرؤية مراقبين للشأن الإسرائيلى، فإن ثمة أسبابا كثيرة تقف وراء "الهجرة العكسية"، التى تزداد فى أوقات الحروب والأزمات أو تلك التى تتعلق بغلاء المعيشة والبحث عن فرص عمل بالخارج، فضلا عن حالة الإحباط التى يشعر بها البعض بسبب سياسات حكومة اليمين بزعامة بنيامين نتنياهو، غير أن السبب الأبرز يعود إلى فقدان الإسرائيليين لشعور الأمان بسبب عمليات المقاومة الفلسطينية بعد "طوفان الأقصى"، يلى ذلك أسباب سياسية أبرزها تخوفهم من اعتماد حكومة نتنياهو على أحزاب التيار الدينى واليمين المتطرف، وفى أعقاب انتخابات الكنيست (البرلمان) فى نوفمبر 2022، والتى بمقتضاها تم تشكيل حكومة نتنياهو التى وصفت بأنها الأكثر تطرفا فى تاريخ القوة القائمة بالاحتلال، وضمت عتاة المتطرفين مثل بتسلئيل سموتريتش وزير المالية الحالى (حزب الصهيونية الدينية) وإيتمار بن غفير وزير الأمن القومى (حزب القوة اليهودية) ارتفع عدد الإسرائيليين الذين يسعون للحصول على الجنسيات الأوروبية بشكل ملحوظ، فقد تم تسجيل أعلى معدل لتقديم الإسرائيليين على الجنسية الفرنسية، بزيادة نسبتها 13%.
ولوحظت أيضا زيادة فى نسبة طلبات الهجرة لدول الاتحاد الأوروبى عموما، إذ سجَّلت السلطات فى البرتغال زيادة 68% فى طلبات الجنسية من إسرائيليين، وسجَّلت السلطات البولندية والألمانية زيادة 10%، كما سجلت "الهجرة العكسية" ارتفاعا ملحوظا مع اندلاع موجة الاحتجاجات الشعبية ضد حكومة نتنياهو خلال محاولتها الانقلاب على السلطة القضائية فى عام 2023، قبل أن تفاجأ بـ "طوفان الأقصى.
وبحسب صحيفة "معاريف"، فإن عدد اليهود الذين غادروا الدولة العبرية حتى عام 2020 وصل إلى 756 ألفا للعيش فى بلدان أخرى، بسبب تدهور الوضع الاقتصادى وعدم المساواة والإحباط بسبب تعثر مسار السلام، بالإضافة إلى تصاعد عمليات المقاومة الفلسطينية، ثم ارتفع العدد إلى 900 ألف بنهاية عام 2022، فى مقابل ذلك، وصلت الهجرة إلى إسرائيل إلى أعلى مستوياتها خلال عام 2022، على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية التى بدأت فى 24 فبراير من هذا العام، وما تبعها من عقوبات اقتصادية على موسكو، ما دفع آلاف اليهود الروس للهجرة إلى إسرائيل.
ومنذ بداية الحرب على غزة- نقلا عن بيانات سلطة السكان والهجرة التابعة لوزارة داخلية الاحتلال- فإن حوالى 370 ألف إسرائيلى غادروا البلاد، منهم أكثر من 230 ألفا منذ بداية الحرب وحتى نهاية أكتوبر الماضي، ونحو 140 ألفا آخرين خلال نوفمبر من العام الماضى .
فى المقابل، هاجر فى الفترة من 7 أكتوبر الماضى إلى 29 نوفمبر حوالى ألفى شخص إلى إسرائيل"، أى نحو ألف مهاجر شهريا مقابل "نحو 4500 شهريا فى المتوسط منذ بداية عام 2023 حتى اندلاع الحرب"، ما يمثل انخفاضا بنسبة تزيد عن 70%.
وبحلول يونيو 2024، غادر نصف مليون إسرائيلى بالفعل البلاد ولم يعودوا فى الأشهر الستة الأولى من الحرب، ولا يُعلم ما إذا ما كان ذلك قرارا مؤقتا أم أنه سيتحول إلى هجرة دائمة، طبقا لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل" نقلا عن بيانات سلطة السكان والهجرة.
وفى تقرير تحت عنوان "فى إسرائيل وخارجها: اليهود يغادرون منازلهم بحثاً عن أماكن أكثر أماناً"، عرضت صحيفة "هاآرتس" قصصاً لأشخاص تركوا إسرائيل؛ إما بسبب الحرب أو بسبب تراجع الديمقراطية، وكشفت الصحيفة فى تقرير نشرته فى 11 سبتمبر الماضي، عن تزايد ملحوظ فى عدد اليهود الذين يغادرون إسرائيل منذ اندلاع الحرب فى 7 أكتوبر 2023، بحثا عن أماكن أكثر أماناً، واصفة ذلك بأنها "عودة إلى التِيهِ من جديد، لاسيما أن ملايين الإسرائيليين يحملون جنسية مزدوجة، ويملكون جنسيات أخرى إلى جانب الجنسية الإسرائيلية".
خامسا: لم يتوقف الأمر عند حد تصاعد الهجرة السلبية للخارج، فثمة مخاوف لدى سكان شمال إسرائيل- الذين يتراوح عددهم بين 80 و100 ألف مستوطن- من العودة مستوطناتهم التى غادروها فى أعقاب العمليات العسكرية التى أعلنها حزب الله فى سياق ما وصفه بإسناد المقاومة فى غزة فى اليوم التالى لشن حرب الإبادة فى السابع من اكتوبر من العام الماضى، على الرغم من سريان اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان فجر السابع والعشرين من نوفمبر الماضى، ومع اندفاع عشرات الآلاف من اللبنانيين منذ اللحظات الأولى للإعلان للعودة إلى مدنهم وقراهم فى الجنوب، سادت حالة من الضبابية فى إسرائيل حيال عودة سكان الشمال رغم وعود نتنياهو بإعادتهم، نتيجة غياب الثقة لديهم فى الاتفاق الذى يبدو هشا من وجهة نظر الكثيرين منهم فى ظل مخاوف من عودة حزب الله إلى مواقعه السابقة (قبل الحرب الأخيرة)، وبالتالى اضطرارهم لتحمل عبء نزوح جديد مع اندلاع المواجهات المسلحة مجددا.
وعلى الصعيد ذاته، وجه مستوطنو غلاف غزة - يتراوح عددهم بين 55 ألفًا و80 ألف شخص - رسالة إلى وزير المالية الإسرائيلى المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، أكدوا فيها عدم استعدادهم للعودة إلى منطقة حرب "ما لم يتم إزالة التهديد".
وإذا ما تمت إضافة كل هذه المعطيات والحقائق، إلى ما تواجهه القوة القائمة بالاحتلال من توترات داخلية غير مسبوقة وحالة تفكك وانقسام فى مكوناتها القائمة على أربعة أنواع، وهي: الهجرة والإقامة والولادة والتجنس، بالإضافة إلى الصراع الذى يدور على طبيعة المجتمع الإسرائيلى بصورة عامة، وعلى تركيبته بصورة خاصة، وما يعانيه المستوطنون من صراع طبقى بين الأشكناز (اليهود الغربيين)، والسفارديم (يهود الشرق)، فضلا عن حالة التمييز العنصرى والاضطهاد لليهود الإثيوبيين من جهة أخرى، فإن ذلك يفضى إلى نتيجة مؤداها، أن المشروع الصهيونى لم يعد يختزل حلم اليهود فى العالم، بل يمكن القول إن قادته، منذ بن جوريون وحتى نتنياهو، قاموا بخذلانهم، وبالتالى ضاقت الخيارات أمام أعداد كبيرة ممن صدقوا الوهم، فتمحورت فى ضرورة العودة إلى مواطنهم الأصلية طلبا للنجاة، واستعادة الحياة الحقيقية.