Close ad

من شراء جرينلاند إلى الاستيلاء على كندا وقناة بنما.. التوسع الأمريكى فى العالم

15-1-2025 | 01:06
من شراء جرينلاند إلى الاستيلاء على كندا وقناة بنما التوسع الأمريكى فى العالمقناة بنما
هانى فاروق
الأهرام العربي نقلاً عن

مرة أخرى يجدد الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب، رغبته فى شراء جزيرة جرينلاند من الدنمارك، وذلك بعد أن فاجأ العالم من قبل أثناء رئاسته لأمريكا  فى عام 2019، بتصريحاته حول رغبته فى شراء جزيرة جرينلاند من الدنمارك، كانت هذه الفكرة مفاجئة للكثيرين، لكنه واجه آنذاك رفضًا حازمًا من الحكومة الدنماركية التى وصفتها بأنها سخيفة.

موضوعات مقترحة

مع ذلك، فإن المحاولة مرة أخرى لشراء جزيرة جرينلاند الجزيرة الأكبر فى العالم، وإعلان نواياه لشراء قناة بنما أو شراء كندا، مع قرب توليه مهام منصبه رئيسًا للولايات المتحدة مرة أخرى، ليست فكرة غريبة لترامب، بل تحمل أبعادًا تتجاوز الطموحات الشخصية له، وتعكس إستراتيجية أمريكية قديمة.

خصوصًا أنها اشترت من قبل إقليم لويزيانا من فرنسا، وآلاسكا من روسيا، وجزر العذراء من الدانمارك، هذه الإستراتيجية تؤكد سعى الولايات المتحدة الأمريكية  لتعزيز نفوذها فى المناطق ذات الأهمية الإستراتيجية، خصوصًا فى ظل التحولات الجيوسياسية التى يشهدها العالم بشكل عام، وصراع أوسع على النفوذ فى القطب الشمالي، تحديدًا مع تصاعد المنافسة بين القوى الكبرى، لا سيما روسيا والصين.
فى هذا الإطار، يؤكد د. مجيد بودن، أستاذ القانون الدولى ورئيس جمعية المحامين فى القانون الدولى بباريس، أن ما يعقده الرئيس المنتخب دونالد ترامب لشراء جزيرة جرينلاند التابعة للدانمارك وضم كندا، وكذلك قناة بنما، هو فى التفكير والثقافة الأمريكية شيء تاريخى ومعتاد،  فنرى أن أمريكا تكونت فى وضعها الحالى من شراء دول بأكملها، ومن شراء أراض كبيرة، ففى القرن التاسع عشر اشترت أمريكا لويزيانا، وهى مقاطعة تحولت إلى دولة، وهى أحد مكونات الولايات متحدة الأمريكية كدولة.

ويضيف بودن: كذلك اشترت من إسبانيا فلوريدا، وهى دولة كبيرة فى الولايات المتحدة الأمريكية، وهى ولاية لكن بالإنجليزية هى دولة فى معتقدنا الدول المتحدة الأمريكية، التى تسمى بالعربية الولايات المتحدة الأمريكية، لكن هى دول، كذلك اشترت من المكسيك تكساس، وبعدها اشترت كاليفورنيا، ثم أريزونا، ونيو مكسيكو، وبالتالى تكونت أمريكا من دول اشترتها بالمال، واشترت بعد ذلك الجزر العذراء من الدانمارك، كذلك آلاسكا من روسيا.

ترومان وشراء جرينلاند
ويوضح مجيد بودن قائلًا: هذه هى التكوينة الثقافية الأمريكية، وبالتالى مسألة اقتناء التراب، وشراء الدول والغزو، لها مفهوم آخر بالنسبة لأمريكا، ومن هنا يجب تحليل ما تقوم به من مواقف ومن عمل فى الشرق الأوسط وفى فلسطين، يجب أن ينظر إليه بالمفهوم الثقافى الأمريكي، ومخاطبة الولايات المتحدة، يجب أن تكون بمنطق يختلف، على أساس القانون الدولى الذى تغير منذ تلك الفترة.
ويؤكد: اليوم ما يريد أن يقوم به ترامب، لا يمكن أن يكون بما سبق القيام به فى الماضى، فاقتناء جرينلاد كانت فكرة عرضها الرئيس الأمريكى الأسبق ترومان بعد الحرب العالمية الثانية ولم تنجح، وعرض ترامب الآن على جرينلاند والدول الأخرى، لا يمكن أن يكون بنفس الطريقة السابقة، لماذا؟ لأن القانون الدولى تغير، والقانون الدولى هو الذى يحكم العلاقات الدولية الآن، ولو أن الرئيس ترامب المنتخب الجديد له مفهوم أنه يحترم القانون الدولى، لكن يمكن أن قرار الولايات المتحدة تغير القانون الدولى، وهذه مشكلة تهم النظام العام الدولى، وتُحَلّ سياسيًا وتُحَلّ أمام محكمة العدل الدولية.

ضم بالمال أو بالقوة
وأشار مجيد بودن، إلى أنه فيما يخص كندا وبنما وجرينلاند، فإن التعامل الجديد للرئيس المنتخب ترامب، يتمثل فى عرض محاولات يُلَوِّح أنه يمكن أن يقتنيها بالمال أو بالقوة، ولكن ماذا فى كل هذه الملفات، فبالنسبة لكندا يتمثل الأمر فى أنه لَوَّحَ بأنه سيقوم بفرض ضرائب ٪25 على كندا، وهى دولة فيها نحو 40 مليون مواطن، أى أقل من كاليفورنيا أو تكساس، يعنى أنها بنفس المعايير السكانية، لكن أراضيها شاسعة، ولها إمكانيات ومناجم وثروات معدنية، وهنا ٪75، من صادرات كندا هى للولايات المتحدة الأمريكية، يعنى أنه فرض ٪25 ضرائب على كل صادرات أمريكا، هو تعجيز وضربة قوية ستكون للاقتصاد الكندى، ومن هنا يريد التفاوض معهم، بأن يفرض ميزان القوة، وتوازنات جديدة، خصوصا أنه ينتهز فرصة عدم الاستقرار السياسى داخل كندا، من ناحية الانتخابات التى ستُجرَى الأشهر القليلة المقبلة، وهناك تململ سياسى داخل الأحزاب وفى الائتلاف الحاكم.
وأشار إلى أنه فيما يخص كندا، هى محاولة فرض وضع جديد عبر الضغط الاقتصادى، وهذه المتغيرات ستأتى بكيف سترد كندا على ذلك ما العلاقات التى ستبنيها كندا مع الدول الأخرى، خصوصًا مع الاتحاد الأوروبى؟ وكيف ستتعامل مع هذه العملية؟ خصوصًا أن هناك الاتفاقية بين الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والمكسيك، وهذه الاتفاقية تضع إطارا مستقرا، وبالتالى فإن ترامب إذا أراد تغيير هذا يعنى أنه سيخرج من هذه الاتفاقية، لكن هناك إمكانيات لأن تذهب كندا أمام محكمة العدل الدولية على أساس هذه الاتفاقية، وكذلك المكسيك، وترامب يستغل ذلك بقوله: إن هناك أشياء تهدد الولايات المتحدة الأمريكية، ويصفها بإخلالات من كندا والمكسيك، وهى مسألة الهجرة، ومسائل أخرى مثل البلاسيك الذى لا يمكن التخلص منها بسرعة، وهذا هو الهدف الإستراتيجى لإدارة ترامب الجديدة.
وفيما يخص بنما، أوضح بودن أنها تتعلق بمسألة إستراتيجية حيوية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فى ضوء أن هذه القناة كانت تحت الإدارة الأمريكية ثم سلمتها إلى سيادة بنما بشكل نهائى، لكن هذا يعنى أن أمريكا ترى أن هناك صراعا بينها وبين الصين وروسيا، خصوصًا الصين فى هذه المنطقة، وبالتالى تريد استرجاع نفوذها على قناة بنما لتفرض سيادتها فى المنطقة وتحكمها فى التجارة العالمية، ومن هنا يُلَوِّح ترامب بأنه قد يستعمل القوة لكى يسترجع نفوذه على بنما، وهذا أمر وارد من الناحية الجيوستراتيجية التى يريد أن يفرضها ترامب فور تسلمه السلطة.
وفيما يخص جرينلاند، يؤكد مجيد بودن أنه موضوع إستراتيجى مهم بالنسبة لأمريكا كما يقول ترامب نفسه، ويبرر ذلك بأن ذلك موضوع حيوى بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية وأمنها، وكذلك بالنسبة لحرية الملاحة فى القطب الشمالى، وفى المنطقة الشمالية الجليدية، مع تغيير المناخ وفتح طرق بحرية جديدة، وكذلك وجود معادن وثروات هائلة وإمكانيات كبيرة، بالإضافة إلى أهميتها الإستراتيجية والعسكرية.
وأشار إلى أن العائق الذى سيكون أمام ترامب الآن فى هذه المسألة، هى أن القانون الدولى، الآن لا يقبل ببيع الأراضى أو الدول واقتنائها، لكن هو يمنع ذلك على أساس مبدأين، أولهما احترام حقوق الشعب فى تقرير المصير، وبالتالى يجب طلب مواطنى جرينلاند وهم عدد صغير يبلغ نحو 56 ألف نسمة، ومساحتها تضاهى أربع مرات مساحة فرنسا، لكن فيها إمكانات معدنية وثروات هائلة، ومن هنا يجب أن يفرض القانون الدولى أخذ رأى مواطنى جرينلاند والدانمارك، ويتمثل المبدأ الثانى فى أنه يجب احترام السلامة الترابية، وعدم بتر أو اقتطاع أى طرف أو جزء من دولة، وهو مبدأ من المبادئ التى أقرتها الأمم المتحدة، بأن تكون هناك السيادة الترابية كاملة، وهذان المبدآين يمنعان ترامب من شراء جرينلاند إلا إذا كان هناك اتفاق مع تصويت أو استفتاء من الشعب، وهذا صعب فى الوضع الحالى.

سياسة الاستئجار
ويوضح مجيد بودن، أن الإمكانية الأخرى فى هذا الإطار التى نراها تتطور الآن كما فعلت كوريا الجنوبية، عندما استأجرت أراضى فى جزيرة مدغشقر، وعندما استأجرت الصين أراضى فى إفريقيا وفى مناطق أخرى، ومن هذا المنطلق يمكن لترامب أن يستأجر أجزاء كبيرة من جزيرة جرينلاند، أو من مناطق أخرى، أو إيجار قناة بنما من جديد.
وأكد أن هذه هى الخطة التى يلوح لها ترامب، لكن يبقى السؤال، كيف سيتعامل مع موضوع أوكرانيا التى احتلتها روسيا فى جزء من ترابها، وبالتالى ما الصفقة التى يريد أن يفرضها على الأوكرانيين، لكى ينهى الحرب؟، لتكون صفقة فيها مصلحة للولايات المتحدة الأمريكية، وكيف سيؤثر على الرئيس الروسى بوتين ويخرجه من المأزق ليكون حليفًا له فى ملفات أخرى؟، وكذلك كيف سيتعامل مع القضية الفلسطينية، والاحتلال الإسرائيلى لفلسطين فى كل ترابها أى الضفة الغربية، وقطاع غزة والقدس الشرقية؟، لأن القانون الدولى يمنع الاحتلال أن يكون دائمًا، وكيف سيتعامل مع تايوان وعلاقاتها مع الصين، ويكون فى موقف موحد فى كل هذه الملفات كى يحقق أهدافه فى جرينلاند أو كندا أو بنما، فهذه هى الأهداف لكن هذه أسس القانون الدولى، يحكمها بالأخير القانون الدولى.

سياق تاريخى
بينما يرى بشير الجوينى الباحث فى العلاقات الدولية بتونس، أن دونالد ترامب فى ملف علاقاته الخارجية، ينتمى بكل وضوح إلى المدرسة الواقعية، والتى تقوم على أساس المصالح الوطنية، والحذر من التحالفات وفى التعاملات مع الدول الكبرى، والتحفظات من التدخلات العسكرية، تعد من أبرز العناصر التى تقوم عليها فلسفته فى إدارة علاقاته الخارجية، وإذا تحدثنا عن توجهاته نحو جرينلاند، فإن هناك 4 عناصر رئيسية تؤكد أهميتها، أولها الموقع المهم والإستراتيجى لهذه الجزيرة، كونها فى مكان مركزى يقع بين أمريكا الشمالية وأوروبا، وذلك يجعل منها نقطة إستراتيجية لمراقبة النشاط العسكرى فى شمال المحيط الأطلسي، فهناك قاعدة "ثول" الجوية أمريكية مهمة فى بيتوفيك، التى تُعتبر جزءًا من نظام الدفاع الصاروخى للولايات المتحدة، فأهميتها العسكرية ميدانية ولوجستية أيضًا، ففيها نظام إنذار مبكر، وجميعنا نعلم علاقة ترامب بمسألة الأمن القومى الإستراتيجى الأمريكي، وذلك يدخل فيه باب المحافظة كما تراها السلطات الأمريكية على أمنها، وذلك دون أن ننسى أن هناك مجموعة من الموارد الطبيعية والمعدنية والنفطية الموجودة فى الجزيرة، وذلك يجعلها فى مهمة دفاعية بشكل أولى ثم اقتصاديا بشكل مرتبط بالعامل الأول.
وأشار الجوينى قائلًا: إنه بغض النظر عن إتمام الصفقة من عدمها كلنا نعلم أن ترامب رجل الصفقات، وبغض النظر أيضا عن التحفظات، فإنه فى حال نجاحه فى ذلك فستكون لذلك أهمية عسكرية، وتزايد القدرة الأمريكية فى السيطرة وتعزيز النفوذ الميداني، وعلى المناطق الحيوية، لصد كل أنواع التهديدات، وفى حال إتمام الصفقة سيكون هناك تأثير دبلوماسى مهم، خصوصًا فيما يتعلق بالعلاقات مع روسيا والصين، كما سيكون لذلك انعكاسات اقتصادية، فهذه المناطق الحيوية المهمة، تدل على أن  السياسة الخارجية الأمريكية ليست مجرد سياسة أمنية، ولكن لديها تبعات اقتصادية واجتماعية، وما له من انعكاسات دولية لمختلف الأطراف ذات العلاقة فى المسألة، فبعض منها قد  يكون عنده عناصر أكثر للمقايضة من أجل الاستقرار.
ويؤكد بشير الجوينى، أن الصفقات التاريخية للولايات المتحدة، لطالما رأت فى شراء الأراضى وسيلة لتعزيز قوتها الاقتصادية والعسكرية والجيوسياسية، فمحاولة شراء جرينلاند أو قناة بنما أو كندا، ليست سابقة فريدة فى التاريخ الأمريكي، فقد استخدمت الولايات المتحدة فى الماضى إستراتيجية شراء الأراضى لتعزيز نفوذها وتوسيع حدودها، حيث قامت فى عام 1803  بشراء إقليم لويزيانا من فرنسا مقابل 15 مليون دولار، وهذا الاتفاق ضاعف مساحة الولايات المتحدة وفتح المجال للتوسع غربًا، كما اشترت الولايات المتحدة آلاسكا فى عام 1867م من روسيا مقابل 7.2 مليون دولار، وعلى الرغم من السخرية التى واجهت هذا القرار آنذاك، فإن ألاسكا أثبتت لاحقًا أهميتها الإستراتيجية والاقتصادية بفضل مواردها النفطية، كما استحوذت فى عام 1917م على جزر العذراء من الدانمارك مقابل 25 مليون دولار لتعزيز نفوذها فى منطقة الكاريبي.

الصين وروسيا
وأشار الجوينى إلى أن روسيا تمثل أحد أبرز المنافسين للولايات المتحدة فى القطب الشمالى، حيث تمتلك روسيا أطول خط ساحلى فى المنطقة، وقد استثمرت بشكل كبير فى تطوير بنيتها التحتية العسكرية والمدنية هناك، كما كثفت جهودها لإعلان سيادتها على مساحات شاسعة من الجرف القارى فى القطب الشمالى، الذى يُعتقد أنه يحتوى على نحو ٪30 من احتياطيات العالم غير المكتشفة من الغاز الطبيعى، وتعزز روسيا وجودها العسكرى فى القطب الشمالى، من خلال إنشاء قواعد جديدة وتحديث أسطولها من كاسحات الجليد النووية، ويشكل هذا التوسع تهديدًا مباشرًا لنفوذ الولايات المتحدة فى المنطقة، مما يجعل تعزيز وجودها فى جرينلاند أمرًا ضروريًا للحفاظ على التوازن الإستراتيجى.
وأوضح أنه على الجانب الآخر، تسعى الصين، التى تصف نفسها بأنها دولة قريبة من القطب الشمالى، إلى توسيع نفوذها فى المنطقة من خلال الاستثمار فى مشاريع البنية التحتية فى جرينلاند، ودول أخرى فى القطب الشمالى، وفى السنوات الأخيرة، زادت الصين من نشاطها الدبلوماسى والاقتصادى فى المنطقة، ما أثار مخاوف واشنطن من أن تتحول جرينلاند إلى بوابة للصين نحو القطب الشمالى، وتتخوف الولايات المتحدة من أن تصبح هذه الجزيرة نقطة ارتكاز للصين من خلال مبادرة «الحزام والطريق القطبى»، التى تسعى إلى استغلال الموارد الطبيعية وفتح طرق تجارية جديدة.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: