Close ad

"نتنياهو" وخرائط اللعنة والنعمة

14-1-2025 | 18:37
    نتنياهو وخرائط اللعنة والنعمة "نتنياهو" وخرائط اللعنة والنعمة

بقلم:

موضوعات مقترحة

دكتور / جميل جورجى

[email protected]

                            

فى خطاب "نتنياهو" أمام الأمم المتحدة فى الدورة 79 للجمعية العامة كما هو المعتاد دائماً أن يبرز فى ثياب الواعظين محاولاً إقناع العالم بسعيه الدءوب للسلام الذى لم يعرف طريقه يوماً ما لتبيض وجه بلده وتبرئة ساحته من دماء الأبرياء من الأطفال والنساء فى أكبر عملية إبادة جماعية فى التاريخ.. وقد حاول كما دأب دائماً على لى عنق الحقائق معلناً أنه لم يكن ينوى الحضور أمام الجمعية العامة بدعوى أن بلده فى حالة حرب ويقاتل من أجل البقاء وأنه جاء بعدما سمع تلك الأكاذيب والافتراءات التى تم توجيهها إلى إسرائيل من قبل  العديد من المتحدثين من على هذا المنبر.. وقد أدعى بأنه يتحدث باسم بلده وهو ما يعنى التحدث باسم الحقيقة ألا وهى أن إسرائيل تسعى إلى السلام بل وتتوق إليه وإنها قد حققته وستسعى إلى تحقيقه مرة أخرى بالرغم من مواجهتها لأعداء متوحشين يسعون إلى إبادتها على حد تعبيره.. وكما إعتاد دائماً تدثير خطبه بعباءة الدين صرح قائلاً أن أفعالنا سوف تحدد ما إذ كنا سنورث الأجيال القادمة "النعمة" أم "النقمة"  وأن ذلك هو الاختيار الذى نواجهه اليوم ألا وهو إما لعنة العدوان الإيرانى المتواصل أو نعمة المصالحة التاريخية بين العرب واليهود.. وقد أكد "نتنياهو" على أن العلاقة بين المملكة السعودية وإسرائيل كانت أقرب من أى وقت مضى قبل أن  تحل لعنة السابع من أكتوبر محاولاً تبرير جرائمه وتضليل الرأى العام العالمى إذ لم يكن السابع من أكتوبر سوى عملية إستباقية لما كان سيحدث ألا وهو هدم "المسجد الأقصى" وبدء تنفيذ مخطط بناء الهيكل ..  لقد حاول "نتنياهو" الظهور فى صورة "الحملان" من خلال وصف إسرائيل بالمدافع عن نفسه ضد سبع جبهات حرب أخرى نظمتها إيران متوعداً إياها بالرد قائلاً إذا ضربتمونا فسوف نضربكم  إذ لا يوجد مكان فى إيران لا يمكن أن تطوله ذراع إسرائيل ..بعد ذلك قام "نتنياهو" باستعراض خريطة تغيير الشرق الأوسط أمام البرلمان الإسرائيلى مدعياً بأن تلك الحرب التى شنتها إسرائيل فى غزة قد قدمت فرصاً لتوقيع اتفاقيات سلام جديدة مع الدول العربية وتغيير وجه الشرق الأوسط على نحو كبير.. واستطرد قائلاً إن الدول العربية المعتدلة تنظر إلى إسرائيل كقوة إقليمية وحليف قوى وإنه قد عقد العزم على اغتنام  تلك الفرصة على أكمل وجه من خلال التنسيق مع الولايات المتحدة لتوسيع نطاق اتفاقيات إبراهيم.. وفيما يبدو أنه قد أصبح يعول كثيراً على الرئيس

"ترامب" من خلال الإشارة إلى اتفاقيات 2020 التى شهدت إقامة علاقات رسمية مع البحرين والإمارات العربية المتحدة خلال ولايته الأولى مدعياً بأن مجرمى الحرب الحقيقين ليسوا فى إسرائيل بل فى إيران وغزة وسوريا ولبنان واليمن أى أولئك الذين يقفون مع الشر ضد الخير  ومع "اللعنة"

ضد "النعمة ".

 وقد قام بعد ذلك بطرح خطوطه الفاصلة فيما أسماه بخرائط "اللعنة" و"النعمة" معلناً ومؤكداً على انتصار إسرائيل فى هذه المعركة بدعوى إنها ليس لديها خيار أخر سوى الانتصار  ..خريطة "النعمة" بالنسبة له تتمثل فى ذلك الجسر البرى بين إسرائيل وشركائها من العرب على حد تعبيره حيث يتم الربط بين آسيا وأوروبا وبين المحيط الهندى والبحر المتوسط بخطوط السكك الحديدية وأنابيب الطاقة وكابلات الألياف الضوئية بما يخدم مليارى إنسان.. على الجانب تمثل خريطة "اللعنة" قوس الإرهاب الذى فرضته إيران من المحيط الهندى إلى "البحر المتوسط" والذى أدى حسب تعبيره إلى إغلاق الممرات المائية وبعد أن رأينا بركات "النعمة" علينا أن نتيقن من خلود تلك الرحلة الملحمية التى خاضها الشعب اليهودى منذ العصور القديمة والحديثة مجتازاً العواصف والإضطرابات.. ويستطرد "نتنياهو" قائلاً أن كل ما تسعى إليه إسرائيل الآن هو تغيير ميزان القوى فى الشرق الأوسط وأن اغتيال "حسن نصر الله" كان بمثابة خطوة نحو تغيير ميزان القوى فى المنطقة لسنوات قادمة.. بيد أن "بن ويدمان" المحلل السياسى بمحطة (سى أن أن ) صرح قائلاً فيما يبدو أن زعيم إسرائيل يرى أن الفرصة قد أصبحت سانحة الأن للقيام بإعادة ترتيب القوى فى الشرق الأوسط وربما قد تصور أن حزب الله قد أصيب بجراح قاتلة بيد أن تحقيق النصر الكامل بالنسبة لإسرائيل مازال بعيد المنال.. وإستطرد "ويدمان" قائلاً منذ 17 سبتمبر وجهت إسرائيل العديد من الضربات واحدة  تلو الأخرى إلى الجماعة المسلحة المدعومة من إيران فى لبنان من خلال إطلاق صواريخ عبر أجهزة النداء "اللاسلكى" والذى أعقبته بشن غارة جوية ضخمة على جنوب بيروت أسفرت عن مقتل القائد "إبراهيم عقيل" و 11 آخرين .. ويؤكد "ويدمان" على أن المحصلات النهائية لهذه المحاولات الثلاث قد باءت جميعها بالفشل بالرغم من إجبار الجماعات المسلحة فى لبنان على مغادرة البلاد بموجب الوساطة الأمريكية وإرسالها إلى تونس واليمن والعديد من الأماكن الأخرى..  ويرى "ويدمان" أن الهدف من سحق التطلعات الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية قد باء بالفشل إذ بعد خمس سنوات من اندلاع الإنتفاضة الأولى فى "غزة" إمتدت إلى الضفة الغربية وأصبح الفلسطينيون أكثر صلابة وثباتاً فى رفضهم للإحتلال الإسرائيلى.. لقد كان الغزو الإسرائيلى للبنان بمثابة شهادة ميلاد لحزب الله الذى قام بشن حرب عصابات لا هوادة فيها مما أجبر إسرائيل على الإنسحاب من جانب واحد من جنوب لبنان وقد أثبت إنه أكثر فتكاً من المسلحين الفلسطينيين.. ويؤكد "ويدمان "قائلاً على الرغم من أن "حزب الله" قد أصبح اليوم مشتتاً ومكتوف الأيدى إلا أنه من السابق لأوانه أن تكتب له مرثية وفاة مقارنة بأنظمة أخرى فى المنطقة أو بما حدث بين المقاومة والغزو  الأمريكى للعراق فى 2003 والذى كان بمثابة درساً قاسياً نتيجة تلك الغطرسة الجامحة عندما تخيلت إدارة "جورج بوش أن سقوط "صدام" من شأنه أن يؤدى إلى الإطاحة بالأنظمة الأخرى فى طهران ودمشق وازدهار الديمقراطيات فى المنطقة.

 إن ذلك الخطأ الذى وقع فيه "نتنياهو" ظناً منه بأنه من خلال ترويج الأكاذيب حتى وإن حاول إلباسها ثوب الحقيقة من خلال تلك العبارات الطنانة واقتباس بعض الآيات التوراتية بعد انتزاعها من سياقها لتبرير طموحاته" وأحلامه المجنونة.. لقد إختتم خطابه أمام "الأمم المتحدة" كما اعتاد دائماً بتلك الكلمات لدغدغة مشاعر شعبه "تشددوا وتشجعوا ولا تخافوا ولا ترهبوا وجوهم لأن الرب إلهكم سائر معكم ولن يخذلكم".

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اقرأ أيضًا: