أصبحت حرائق الغابات خلال السنوات الأخيرة تشكل تهديدًا متزايدًا في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، والتي تفاقمت بسبب تغير المناخ وظروف الجفاف والتوسع الحضري، وكانت لوس أنجلوس، الواقعة بالقرب من مناطق برية شاسعة وتلال جافة، عرضة بشكل خاص لهذه الحرائق.
تشير التقارير الأولية إلى أن حرائق الغابات التي اندلعت الأسبوع الماضي في مقاطعة لوس أنجلوس ستصبح واحدة من أكثر الكوارث الطبيعية تكلفة في تاريخ الولايات المتحدة.
وأسفرت الحرائق، في لوس أنجلوس، المكتظة بالسكان وأكبر مدن كاليفورنيا، عن مقتل ما لا يقل عن 24 شخصًا، فيما أحرقت أكثر من 12 ألف منزل منذ يوم الثلاثاء الماضي وحتى يوم أمس، وطالت النيران الأحياء السكنية في مناطق كانت تعد موطنًا للأثرياء والمشاهير تصل قيمتها إلى ملايين الدولارات، لتتحول تلك المنازل الفاخرة إلى رماد في لحظات.
رغم أنه لا يزال من السابق لأوانه إجراء إحصاء دقيق للخسائر المالية، فإن الخسائر حتى الآن من المرجح أن تجعل حرائق الغابات الأكثر تكلفة على الإطلاق في الولايات المتحدة، وفقًا لتقديرات مختلفة.
خسائر الحرائق
رجح تقدير أولي من شركة AccuWeather أن تصل الأضرار والخسائر الاقتصادية لحرائق الغابات حتى الآن إلى 150 مليار دولار، وبالمقارنة، قدرت إكيو ويزر الأضرار والخسائر الاقتصادية الناجمة عن إعصار هيلين، الذي ضرب ست ولايات جنوب شرقية في الخريف الماضي، بما يتراوح بين 225 مليار دولار و250 مليار دولار.
تأخذ شركة AccuWeather في الاعتبار العديد من المتغيرات في تقديراتها، بما في ذلك الأضرار التي لحقت بالمنازل والشركات والبنية الأساسية والمركبات، فضلًا عن تكاليف الرعاية الصحية الفورية والطويلة الأجل والأجور المفقودة وانقطاعات سلاسل التوريد.
وتشير تقديرات شركة التأمين Aon PLC أيضًا إلى أن حرائق الغابات في مقاطعة لوس أنجلوس من المرجح أن تكون الأكثر تكلفة في تاريخ الولايات المتحدة، على الرغم من أنها لم تصدر تقديرًا، وصنفت Aon حريقًا غابات معروفًا باسم Camp Fire فيباراديس بكاليفورنيا، عام 2018 باعتباره الأكثر تكلفة في تاريخ الولايات المتحدة حتى الآن بمبلغ 12.5 مليار دولار، مع تعديل التضخم، حيث قتل حريق كامب 85 شخصًا ودمر حوالي 11000 منزل.
ظلت حرائق الغابات في مقاطعة لوس أنجلوس، التي غذتها رياح سانتا آنا القوية والجفاف الشديد، غير محاصرة إلى حد كبير يوم السبت، وهذا يعني أن الحصيلة النهائية للخسائر الناجمة عن الحرائق من المرجح أن تزيد، ربما بشكل كبير.
في تقرير لها خلصت موديز أيضًا إلى أن حرائق الغابات ستكون الأكثر تكلفة في تاريخ الولايات المتحدة، لأنها دمرت مناطق مكتظة بالسكان مع عقارات راقية.
وأصدر المحللون الماليون في Wells Fargo Securities تقريرًا للعملاء قدروا فيه الخسائر المؤمنة بسبب حرائق الغابات بنحو 30 مليار دولار.
كاليفورنيا «الدولة»
تعد ولاية كاليفورنيا أكبر اقتصاد في الولايات المتحدة، وحلت في 2023 كخامس أكبر اقتصاد في العالم للعام السابع على التوالي، مع ناتج محلي إجمالي اسمي بلغ حوالي 3.9 تريليون دولار.
يمتاز اقتصاد كاليفورنيا بتنوعه الكبير، حيث يشمل صناعات مثل التكنولوجيا الموجودة في سيليكون فالي، والزراعة، حيث تعد الولاية أكبر منتج زراعي في أمريكا، والترفيه نظرًا لوجود هوليوود، بالإضافة إلى الطاقة، والصناعة التحويلية.
وتعتبر كاليفورنيا مقرًا للعديد من الشركات العالمية الكبرى مثل آبل، وجوجل، وفيسبوك، وتسلا، كما تعد من أكبر الولايات الأمريكية في التجارة الدولية، حيث تمتلك موانئ ضخمة مثل ميناءي لوس أنجلوس ولونج بيتش.
لم تتسبب حرائق لوس أنجلوس في تدمير فوري فحسب، بل إنها أبرزت أيضًا نقاط الضعف الاقتصادية الأكبر في كاليفورنيا في مواجهة الكوارث المرتبطة بالمناخ.
ولوضع هذا في المنظور الصحيح، فإن إجمالي الأضرار والخسائر الاقتصادية الناجمة عن كارثة حرائق الغابات هذه قد يصل إلى ما يقرب من 4٪ من الناتج المحلي الإجمالي لولاية كاليفورنيا، وفق تقدير شركة AccuWeather.
لوس أنجلوس رمز القوة الناعمة
تعتبر مدينة لوس أنجلوس واحدة من أهم المدن الاقتصادية، ورمز القوة الناعمة للولايات المتحدة، بفضل موقعها الإستراتيجي، وتنوع صناعاتها، وحجم تأثيرها في العديد من القطاعات الاقتصادية، وتتفوق المدينة في عدة مجالات رئيسية تسهم في تعزيز اقتصادها، مما يجعلها محورية في الاقتصاد الأمريكي والعالمي، منها القطاع الترفيهي والإعلامي؛ حيث تضم هوليوود، التي تعد مركز صناعة السينما والتليفزيون في العالم، وتتمتع المدينة بوجود أكبر صناعة سينمائية في العالم؛ حيث تنتج آلاف الأفلام والمسلسلات كل عام، مما يسهم بشكل كبير في الاقتصاد المحلي والوطني.
بالإضافة إلى صناعة الأفلام، هناك أيضًا البرامج التليفزيونية، الألعاب الإلكترونية، والإعلانات وكلها تمثل قطاعات اقتصادية ضخمة في المدينة.
وتسهم صناعة الترفيه بمليارات الدولارات في الناتج المحلي الإجمالي للمدينة، فضلاً عن توفير مئات الآلاف من فرص العمل في مجالات الإنتاج، والإخراج، والتمثيل، والتسويق، والتوزيع.
فواتير الحرائق تمتد لسنوات
من المتوقع أن تتعرض الأسواق العقارية في المناطق المتضررة إلى انخفاض حاد في قيم الممتلكات، خاصة في مناطق لوس أنجلوس الراقية مثل ماليبو وسانتا مونيكا، حيث دمرت الحرائق العديد من المنازل الفاخرة، هذه المناطق كانت تمثل وجهة للمشاهير والمستثمرين والأثرياء، وقد يؤدي تدمير هذه العقارات إلى تباطؤ في الاستثمارات العقارية وتضخم في أسعار التأمين.
مع تدمير العديد من المواقع السياحية، وتضرر الفنادق والمرافق الترفيهية، من المتوقع أن تشهد صناعة السياحة في لوس أنجلوس تراجعًا كبيرًا، وهو ما سيؤثر على الاقتصاد المحلي.
ومن المرجح أن تزداد الضغوط على الخدمات الصحية في المقاطعة، حيث تشهد المستشفيات ارتفاعًا في عدد الحالات المرتبطة بالحروق وأمراض التنفس بسبب الدخان، إضافة إلى ذلك، ستتطلب جهود إعادة الإعمار استثمارات ضخمة من حكومة الولاية والقطاع الخاص.
الحرائق تزيد معاناة قطاع التأمين
أدى ارتفاع عدد الحرائق إلى زيادة تكاليف التأمين بشكل كبير، وستضطر شركات التأمين إلى دفع مبالغ ضخمة لتغطية الأضرار الناجمة عن الحرائق، مما قد يؤدي إلى زيادة كبيرة في الأقساط التأمينية على المنازل والممتلكات التجارية في المناطق المتضررة.
يأتي هذا في وقت تعاني فيه كاليفورنيا أصلًا من أزمة كبيرة في قطاع التأمين على المنازل؛ حيث شهدت انسحاب شركات تأمين كبرى أخرى من تغطية الممتلكات في الولاية الأكثر اكتظاظًا بالسكان في أمريكا، إذ يتسبب تغير المناخ في حرائق الغابات والفيضانات والعواصف بشكل أكثر شيوعًا وتدميرًا، وبالتالي ارتفاع مبالغ التعويضات.
من بين حرائق الغابات العشرين الأكثر تدميرًا في تاريخ الولاية، حدث ما لا يقل عن 15 حريقًا منذ عام 2015، ولم تتضمن البيانات حرائق منطقة لوس أنجلوس الحالية.
في عام 2023، قامت سبع من أكبر 12 شركة تأمين من حيث الحصة السوقية في كاليفورنيا إما بإيقاف أو تقييد إصدار بوالص تأمين جديدة في الولاية، وهذا جعل من الصعب للغاية على أصحاب المنازل في المناطق عالية المخاطر الحصول على التأمين أو تحمل تكاليفه.
تحديات اقتصادية وبيئية لكاليفورنيا
في قلب لوس أنجلوس، المدينة التي لا تهدأ أبدًا، اندلعت الحرائق مع بدايات العام الجاري لتترك وراءها دمارًا واسعًا يطال البشر والحجر، ومع اضطراب التغيرات المناخية، أصبحت هذه الحرائق أكثر تدميرًا من أي وقت مضى.
من ارتفاع التكاليف التأمينية إلى تراجع السياحة، ومن تدمير الأراضي الزراعية إلى التأثيرات الصحية المدمرة، تواصل الحرائق في لوس أنجلوس تكبيد الاقتصاد خسائر فادحة، وتطرح تساؤلات جادة حول كيفية التكيف مع هذه الكوارث المتزايدة.
إن استمرار الحرائق في لوس أنجلوس، يضيف المزيد من التحديات الاقتصادية والإنسانية للمقاطعة ولولاية كاليفورنيا بشكل عام، في ظل هذه الظروف، ستكون السنوات القادمة محورية في كيفية تعامل المدينة مع آثار هذه الكارثة على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.