Close ad

«العقال».. ما علاقة رمز الوجاهة والنخوة العربية بسقوط الأندلس ونكبة فلسطين؟

13-1-2025 | 09:05
;العقال; ما علاقة رمز الوجاهة والنخوة العربية بسقوط الأندلس ونكبة فلسطين؟ العقال

العقال..غطاء الرأس الذي اختص به البدو دون العرب، ولم يكن معروفًا لدى المدن العربية لا قبل الإسلام ولا بعده، وإنما كان لباس البدو فقط منذ القدم، حيث لم يكن البدو يختلطون بالعرب في المدن، وظل لسنوات طويلة لا يعرفه سوى بدو الصحراء.

موضوعات مقترحة

تعريف العقال

العقال هو قطعة من الزى العربي التي يرتديها الرجال في الجزيرة العربية، في أنحاء الأحواز والعراق وبلاد الشام ومصر، وهو جزء من اللباس الشعبي للرجل، ويصنع عادة من صوف الماعز، ويلبس فوق الشماغ كما فى دول الخليج العرى أو الغترة كما في مصر وفلسطين .

من أين جاء اسم (العقال)؟

اسم (العقال) مأخوذ من عقال الناقة، وهو الحبل الذي تقيّد أو تُعقل به حتى لا تبتعد عن المراعي؛ فكان رعاة الجمال يحرصون دائماً على أخذ حبل يلف على هامة الرأس يبقى ملفوفاً على رأسه إلى حين يحتاجه، ومع مرور الوقت تحول إلى جزء رئيس من قيافة الرجل وهندامه، ويقال إن لونه كان أبيض، ثم تحول إلى اللون الأسود القاتم أواخر العصر الأندلسي الأليم؛ تعبيراً على حزن المسلمين على سقوط الأندلس، وتذكيراً بالعار الذي لحق بهم.

تعريف العقال إصطلاحا في اللغة العربية

العقال : حبل يُرْبَط به الجَمَل ونحوه.

وهنا تعريف أخر: فهو عبارة عن جَديلة من صوف أو حرير مقصَّب تُلَفّ على الكوفيَّة فوق الرَّأس.

والسؤال هنا.. من أين أتى العقال؟.. لعل أول ما يخطر في البال هو أن الطبيعة نفسها قد فرضته، فالعربي قديماً كان "يعقل الإبل" أي أن يربط يدها حتى لا تهرب، ثم بعد أن يحل العقال يربطه على رأسه  فوق الغترة؛ كي لا تتطاير من جهة؛ ولأنه سيحتاج له مرة أخرى، وهذا هو القول الشائع في هذا الأمر، وهو أمر صحيح نسبياً، إلا أن الهدف الأساسي هو التثبيت، وقد يستخدم العربي عقال الإبل نفسهـ أو أن يستخدم شيئاً آخر.

العقال من الناحية الشرعية

أجمع علماء الشريعة أن "لبس العقال لا بأس به؛ لأن الأصل في الملبوسات الحل إلا ما قام الدليل على تحريمه"، وقد أنكر الله عز وجل على من يحرمون شيئاً من اللباس أو من الطعام بلا دليل شرعي، حيثقال الله تعالى:( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق)، أما إذا دلَّ دليل على تحريم هذا اللباس سواء كان محرماً لعينه،  كالحرير للرجل وما فيه صور للرجل أو المرأة، أو كان محرَّماً لجنسه، كما لو كان هذا اللباس من لباس الكفار الخاص بهم  فإنه يكون حراماً ، وإلا فالأصل الحل".

تاريخ العقال

وتؤكد الأبحاث الأثرية التي وجدت في بعض مناطق المملكة  العربية السعودية وجدت بأن أهل المنطقتين الشمالية والجنوبية تحديداً قد اعتمروا العقال في العصر الحجري وعرفوا بأغطية الرأس والملابس الطويلة والقبعات، وذلك قبل ( 3000- 3500) سنة، وأن قبائل البدو في جنوب الطائف وعسير قد استخدموا الحلي في تجميلها وزخرفتها، كما تؤكد المصادر التاريخية أيضا أن بداية تطور العقال كان في وائل القرن الرابع عشر قبل الميلاد وقد تكون على مر القرون وأصبح قريبا من الشكل المعاصر، ولا يزال بعض المسنين من البدو يستعملون حبلاً من الليف تربط به الغترة على الرأس .

أقدم عقال في التاريخ

أما أقدم عقال في التاريخ، فيوجد على تمثال بازلتي يُؤرخ الى حوالي 4000 ق.م عُثر عليه في جنوب الأردن، وهذا يدل على أن العقال قديم قدم الإنسان، وليس حديث كما يدعى البعض. 

وإذا ما عُدنا إلى غابر التاريخ، فيظهر بأن فكرةَ استخدام نسيجٍ ما لعصب رداء الرأس فكرة بالغة في القدم؛ إذ عُثر على أقدم منحوتة تُظهر رجلاً يرتدي ما يشبه الثوب وعقالاً على الرأس في منطقة "قلبان بني مرة" في جنوب الأردن بسنة 2012م، خلال بعثة أثرية في المنطقة من جامعة مؤتة، ولربما يُرجع هذا التمثال تاريخ ارتداء الثوب والعقال إلى ما بين 3000-4000 سنة ق.م (6000 سنة قبل الوقت الحاضر)، ويجعل من الجزيرة العربية الأصل لهذا الطراز من اللباس. 

وفي بقية الحضارات التاريخية في بلاد ما بين النهرين، وبفترات زمنية أحدث، تُظهر التماثيل والمسكوكان المكتشفة ارتداء ما يشبه العقال في تلك الحضارات كحضارة بابل و حضارة عيلام في منطقة الأحواز، أما في العصور العربية/الإسلامية الأولى، ترد تسمية عِصَابة بمعنى (العِمامة وكلُّ ما يُعصَب به الرأس).

قبائل لحيان والعقال العربي

تؤكد كافة البحوث والحفريات الأثرية بالسعودية، على أن العقال عربي الأصل ،وأن قبيلة  لحيان العربية أول قبيلة عربية لبست العقال قبل الميلاد، والأبحاث الأثرية التي وجدت في بعض مناطق المملكة وجدت بأن أهل المنطقتين الشمالية والجنوبية تحديداً قد اعتمروا العقال في العصر الحجري وعرفوا أغطية الرأس والملابس الطويلة والقبعات، وذلك قبل ( 3000- 3500) سنة، وأن قبائل البدو في جنوب الطائف وعسير قد استخدموا الحلي في تجميلها وزخرفتها، كما تؤكد المصادر التاريخية أيضا أن بداية تطور العقال كان في وائل القرن الرابع عشر قبل الميلاد، وقد تكون على مر القرون، وأصبح قريبا من الشكل المعاصر بعد أن كان أشبه برباط يربط على الرأس فوق طاقية مطرزة ويعقد من الخلف ويتدلى أطرافه من خلف الرأس ومن ثم تغير تصميمه بعد الفتح الإسلامي وتغير بسبب قرب الشبه بينه وبين العصائب النسائية ولدرء تشبه الرجال بالنساء.

أنواع العقال

هناك عدة أنواع للعقال تتمايز في ألوانها، ومنها:

ـ الأسود مصنوع من صوف الماعز هو الشائع في مصر والشام والأردن والسعودية وباقي دول الخليج.

ـ الأبيض مصنوع من وبر الجمال، وكان شائعًا في العراق ولا يلبس إلا في المناسبات.

ـ المضلع هو ما يسمى الحجازي أو المقصب؛ لأنه يقصب بخيوط ذهبية أو فضية وقد اشتهر به ملك السعودية ومؤسسها عبد العزيز أل سعود.

شكل العقال

في الآونة الأخيرة،  تغير شكل العقالـ  فقام البعض بجعله أكثر سُمكًا، وغيروا في ألوانه، وأضاف البعض الأخر القصب اللامع إليه من باب معاملته كإكسسوار تقليدي بحُلة عصرية، إلا أن العقال الأسود المكون من طارتين ما زال الأكثر شيوعًا و انتشارًا إلى الآن، ويكون شكل العقال دائريًا فيوضع أعلى الرأس فوق الغُترة لتثبيتها.

تاريخ العقال المقصب

والعقال المقصب لا يختلف عن العقال العادي أو العقال الأسود من حيث المبدأ والدلالات التي يعنيها للرجل العربي، لكن جاءت فكرة العقال المقصب لتمييز كبار الشخصيات والأمراء والملوك عن عامة الشعب، فقد انتشر العقال المقصب في العهد القديم وما زال موجود في بعض دول الخليج، أما بالنسبة لبعض الدول العربية فيكون العقال المقصب جزء من التراث العربي الذي لا غنى عنه.

أهمية العقال عند العرب البدو

تطور العقال عبر الزمن من كونه مجرد حبل تعقل به الناقة، أي تربط به، كي لا تتحرك من مكانها، الى رمز يفخر به العرب وخاصة البدو منهم، فتعددت أنواعه واختلفت أشكاله عبر السنين لكنه لايزال يمثل قيما خاصة عند المهتمين به كالكبرياء والكرامة، فسقوط العقال حسب الأعراف العشائرية يعني سقوطًا لتلك القيم، وهو رمز الكرامة والعزة والأصالة والنخوة عند الشعوب العربية، وأصبح زى رسمي في السعودية ودول الخليج والأردن، وقل في مصر والعراق وفلسطين والشام، واستبدل بالطربوش الذي اختفى أيضًا.

قصة تُحكى عن العقال

والقصة تبدأ في زمن النعمان بن المنذر عندما أراد كسرى ملك الفرس الزواج بإمرة تحمل مواصفات معينة أشار عليه أحدهم أن إحدى بنات النعمان بن المنذر في العراق تحمل هذه الصفات فأرسل كسرى الى النعمان بأنه يريد أن يشرفه بالزواج من إحدى بناته ..فرد النعمان بأنه موافق شرط أن يعرض زواج ابنته على كل عربي فان رفضوا جميعا أعطاها لكسرى، غضب كسرى و أرسل في طلب النعمان، فأودع النعمان بناته عند هاني ابن مسعود الشيباني وذهب الى كسرى فأمر كسرى بوثق (ربط) النعمان بعقال البعير وقتله، ولما سمعت العرب بذلك اتخذوا عقال البعير الذي أوثق به النعمان تاجًا على رؤؤسهم فلبسوه من ذلك اليوم وكان لونه بلون وبر البعير، ولكن عندما خسر العرب الأندلس حزنوا عليها شديدًا وصبغوه باللون الأسود، وقالوا لن ننزع السواد من رؤوسنا حتى ترجع الأندلس، ولم ترجع وبقي العقال أسودًا.

وهناك من ربط بين الأسود وبين سقوط الأندلس، أوبينه وبين نكبة 1948 وإعلان إسرائيل، الا إني لا أظن ـنه هذا ثابت على الأقل فيما يبدو، فسقوط الأندلس تم بالتدريج، ولم تكن الأخبار لتصل بنفس سرعة اليوم، ولا أظن أن الناس تتفق على ذلك، أما فيما يتعلق بنكبة فلسطين، فهذا ايضأ لا يصح؛ لأن وجود العقال الأسود سابق على هذا العهد بالألف السنيين.

العقال قبل المسيح عليه السلام

اختلف العلماء والباحثين في تاريخ ونشأة العقال العربي، لكن الجميع قد اتفق على أنه لباس العرب البدو منذ زمن قديم، وجاء في تقرير صحفي:(لا شبهة في أن العقال كان معروفًا في فلسطين قبل المسيح بنحو 900 عام، والشاهد على ذلك ما ورد في سفر الملوك الثالث، النص هو:"فقال له عبيدة: إنا سمعنا أن ملوك آل إسرائيل هم ملوك رحمة، فلنشدد الآن مسوحًا على متوننًا ونجعل حبالاً على رؤوسنا ونخرج إلى ملك إسرائيل لعله يستبقي نفسك، فشدوا مسوحًا على متونهم، وحبالاُ على رؤوسهم، وجاءوا ملك إسرائيل".

ويضيف أنستاس الكرملي قائلا: "فهذا نص صريح، ذكر فيه لأول مرة في التاريخ استعمال "الحبال" أو العقل مشدودة على الرؤوس، وكان ذلك في عهد بنهدد، الذي ملك على الأرميين من عام 917 إلى عام 885 قبل المسيح، ولا جرم أن المراد بالحبال هنا، ما سماها العرب بعد ذلك بالعقل، جمع عقال، أو بأسماء أخرى، ومعلوم أيضا، أن الأرميين أو الآراميين كانوا في أيام بنهدد، قوما رحلا كأهل بادية العرب، فكانت عاداتهم، وأخلاقهم، وآدابهم، كعادات الأعراب، وأخلاقهم، وآدابهم، وكذا قل على أكلهم، وشربهم، ولبسهم، وحلهم، وترحلاهم، وإقامتهم، فهذا كله كان متشابها بين القومين، لأن الطبيعة كانت تدفعهم إلى اتخاذ تلك الأمور جميعها، بصورة واحدة.

العقال في النقوش القديمة

ومما استشهد به الكرملي على وجود العقال قبل الإسلام بقرون وجود رسومات ونقوش قديمة فيها رجال يلبسون العقال، إذ يقول: "وقد ظهر في الآثار التي وجدت في ديارنا العراقية تصاوير وتماثيل منها بالعقال وحده ومنها بالصماد أو الكوفية وحدها، ومنها بالكوفية المثبتة على الرأس بالعقال، وعلى من يشك في صحة كلامنا، أن يزور دار هذه التحف أو ما يشابهها في دور التحف الغربية كباريس، ولندن وبرلين وغيرها، أو أن يراجع بعض الكتب المصورة التاريخية الجامعة لمثل هذه النفائس الأثرية التي تبحث عن العراق، أو الشام، أو فلسطين، ففيها ما يغني عما يود أن يشاهده في البلاد نفسها، إذ يرى بعيني رأسه تماثيل من عهد حموراب، أي منذ زهاء خمسة آلاف سنة وعلى رؤوسها العقل والكوفيات أو العصائب والصمد، أو أحد الاثنين دون الآخر".

ثم بعث الكرملي رسالة إلى أمير البيان شكيب أرسلان يسأله عما يعرف من أمر الكوفية والعقال، فأجابه شكيب عام 1937م، قائلا: "ولقد كنت كتبت إلي سائلا عما إذا كان عندي معلومات عن لبس العقال، ومتى بدأ، وأين بدأ، وكنت أنقب عن هذه المسألة الجليلة، وأسأل أهل الذكر، وما حظيت عنها بطائل. غير أنه أخبرني أناس زاروا تدمر، فوجدوا فيها نقوشا وتماثيل من جملتها رجال على رؤوسهم الكوفيات والعقل، فهذه التماثيل هي من قبل الإسلام بدون شك، ومنها نعلم أن العقال في جزيرة العرب وما جاورها زى قديم ربما يرجع إلى آلاف من السنين".

ويعقب الكرملي مؤيدًا كلامه، ويشير إلى مجموعة من الرسومات والنقوش التي تظهر رجالا لابسين عصابة أو عقالاً.

سليمان عباس البياضي

عضو اتحاد المؤرخين العرب


د. سليمان عباس البياضيد. سليمان عباس البياضي
كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة