Close ad

حب الوطن من الإيمان

13-1-2025 | 14:56

تعلمنا في بيوتنا البسيطة أن نتجمع معًا، نقف كحائط صد عندما يتعرض الوطن الغالي لأي نوع من التهديدات، نتحد معًا، تتشابك أيدينا، تتعاضد أرواحنا حينما تصل لمسامعنا دقات نواقيس خطر تملأ بصداها أرجاء الفضاء معلنة عن حربها عليه، متوعدة ومنذرة له بضرورة التوقف والثبات عند حد معين لا تقبل بالتقدم، ولا ترضى بالعلو والارتقاء. 

تعودنا لأجله أن نقف -صفًا واحدًا- متعاونين متكاتفين، مبتعدين عن المقارنات والمشاحنات، متناسين ما بيننا من خلاف أو اختلاف. 

تعلمنا أن نتنازل عن الكثير من الأشياء التي كانت تعد بالأمس ضرورة مهمة للحياة، حتى وإن كانت تلك الأشياء تمثل لنا احتياجات لا تخضع لتأجيل ولا تقبل باستغناء. 

كان كل شيء يهون علينا أمام محبتنا له، فمن أجل الوطن كان التخلي عن أهم الأشياء هو المفهوم السائد هو المعنى الحرفي للوفاء، تعلمنا من حبه الرضا، فازادت قناعاتنا بالاكتفاء، ضحينا وسنضحي من أجله ما حيينا، وإن كانت تضحياتنا من أجله تتحدى أقوى غريزة عرفها الإنسان، غريزة حب البقاء.

هذه هى بيئتنا الصالحة التي نشأنا فيها، بيئتنا التي تعهدتنا بالرعاية والاهتمام، وقت أن كنا صغارًا نتحسس طريقنا نحو الحياة دون خوف أو مبالاة، حاوطتنا بكل عطف وحنان، وإن بدونا أمامها صغارًا ندور من حولها، نلعب ونركض في الطرقات، نرفرف بأجنحتنا داخل بساتينها النضرة، نتلون بألوان ربيعها، ننتشر من حولها كالفراشات، إلا أنها كانت تعرف أن المستقبل لنا وبنا قادم وآت.

حب الوطن كان هواء تنفسناه، حب الوطن كان ماء آت من نهر عظيم ارتوينا منه واستعذبناه، تعلمنا أن محبتنا للوطن هي الأمانة التي تعلقت بالأعناق، وطننا كان وما زال درس اليوم وكل يوم، كان كتابًا قرأناه، موضوعًا فهمناه، نشيدًا حفظناه عن ظهر قلب وبداخل قلوبنا أسكناه، اتخذناه عقيدة لنا مارسنا طقوسها بالتزام، كدنا أن نقدسها لولا أن التقديس كله لله. 

كانت سماء الوطن تمتطرنا محبة، تملؤنا طمأنينة وسلام، تبارك خطواتنا الوليدة، حتى رأيناه عملاقًا أمامنا يتحدى كل التحديات، يدوس بأقدامه القوية على كل المؤامرات التي حيكت له بهدف إيذائه وما زالت تحاك، يسحق كل حيلة خبيثة أعدها لهدمه شرذمة من اللئام، يقوم بالإجهاز عليها في ثوان، يفتتها يبعثرها، يسحقها وينثرها في الهواء فهى أمامه ضئيلة ضعيفة خفيفة كالغبار.

تآلفت قلوبنا الصغيرة في ربوعه، اجتمعت وسائلنا المتاحة من أجل الدفاع عنه، بدءًا من الكلمات، مرورًا بالمواقف، انتهاء بمواجهة الأخطار والصعاب، بأرواحنا الطاهرة، بدمائنا الذكية أقسمنا أن نفتديه، حتى أصبح كل منا درعًا يصد عنه تلك السهام. 

وطننا تجلى في كل تسبيحة، في كل تهليلة، في كل ترنيمة سكن بها وعاش، فاض بحبه علينا حتى غمرنا بالخير والبركات، ولهذا فقد أدركنا جميعًا ومنذ الصغر أن -حب الوطن- من الإيمان.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة