مع نهاية كل عام، يُقلب المختصون؛ كُل فى دفاتره، لتقييم ما تم إنجازه فى عام خلا..
وفى حين يتقلب المهتم بالشأن السياسي أو الاقتصادي غالبًا بين الخيبة والرجاء، فيما جنته يد البشر في عام مضى؛ فإن المتابع للشأن العلمي، والطبي منه بخاصة، سيجد طوفانًا من الإنجازات العلمية التي تضيف الكثير إلى رصيد البشرية..
وطبيًا؛ من بين رصيد الإنجازات، توقفت كثيرًا أمام سجل مستشفى واحد في أمريكا؛ قدم باحثوه في خلال عام 2024 وحده أكثر من 10 آلاف ورقة بحثية، أغلبها على تماس مباشر مع صحة الناس، بل وتقدم غالبًا حلولًا جذرية لعلاج هذه الأمراض..
إنه مستشفى مايو كلينيك، الذي قدم في العام المنصرم عشر إنجازات بحثية، تدفع الاكتشافات الطبية وتؤدي إلى علاجات جديدة للمستقبل، من بارقة أمل لعلاج الإدمان جذريًا؛ إلى طرق وفحوص منزلية مبتكرة لتشخيص الأورام..
من بين هذه الأبحاث، زرع أمعاء بشرية ثلاثية الأبعاد في المختبر لدراسة الأمراض واكتشاف علاجات جديدة لحالات معقدة مثل مرض التهاب الأمعاء، وتقنية جديدة لعلاج اضطرابات مرض الشلل الرعاش "باركنسون"، واضطراب الوسواس القهري، وتحفيز الدماغ العميق لعلاج الإدمان من خلال قطع الشعور بـ"النشوة" الناتجة عنه.
كما اخترع باحثو مايو كلينيك نوعًا جديدًا من خوارزميات الذكاء الاصطناعي يسمى "الذكاء الاصطناعي القائم على الفرضيات"؛ لتحسين أبحاث وعلاجات السرطان.
كما ربطت دراسة رائدة لعلماء هذا المستشفى، وهو بالمناسبة منظمة غير ربحية، بين وجود البلاستيك الدقيق والنانو في شرايين الدم لدى البشر بزيادة خطر النوبات القلبية والسكتات الدماغية!.
واكتشف باحثو مايو كلينك تغيرات في الدماغ مرتبطة بأشكال مختلفة من مرض ألزهايمر، ما يساعد في فهم الخصائص المرضية الدقيقة وتأثيرها على سرعة التدهور العقلي.
وهل تتخيل أن العنصرية تؤثر فى صحة القلب؟ هذا ما أكده علماء مايو كلينك، وقدموا إطار عمل لفهم كيف تؤثر العنصرية على صحة القلب، مؤكدين الحاجة إلى تصميم تدخلات لمعالجة جذور هذه التحديات.
وأجرى فريق من جراحي مايو كلينيك عملية زراعة ناجحة للحنجرة لأول مرة، لمريض عمره 59 عامًا كان يعاني من تلف بسبب السرطان، كما طوروا فحوصًا منزلية للكشف المبكر عن سرطان بطانة الرحم والمبيض.
لكن سرعان ما تبدلت هذه الغيرة الشديدة مما حققه علماء مايو كلينك، أمام الإنجاز المرتقب الذى يسعى إيقونة طب القلب فى مصر والعالم، الدكتور مجدى يعقوب لتقديمه لعلاج صمامات القلب جذريًا..
فمع النتائج المُبشرة لأبحاث د.يعقوب قد يتمكن مرضى القلب قريبًا من الحصول على صمامات قلب "حية" تنمو بشكل طبيعي داخل الجسم؛ من خلال زرع صمامات مؤقتة مصنوعة من ألياف تعمل بمثابة "قالب" على شكل الصمام، هذه الألياف تجذب خلايا الجسم وتسمح في غضون ستة أشهر بأن ينمو بداخلها نسيج جديد يشبه الصمام الطبيعي تمامًا، وبمرور نحو عامين تتحلل هذه الألياف ويمتصها الجسم بطريقة آمنة، ويتبقى مكانها صمام جديد طبيعي من أنسجة الجسم، يعيش مدى الحياة بدون صيانة أو تغيير!
ومن المقرر أن تبدأ التجارب البشرية على المرضى في غضون 18 شهرًا، حيث يتم مقارنة الصمام الحي الجديد بالصمامات الاصطناعية التقليدية، بمشاركة فريق دولي من الخبراء من مؤسسات مثل كلية لندن الجامعية، ومستشفى جريت أورموند ستريت، والمراكز الطبية في نيويورك، وإيطاليا، وهولندا.
ولأهمية هذا التطور، تصفه د.سونيا بابو نارايان، المديرة الطبية المساعدة لمؤسسة القلب البريطانية، بأنه بمثابة "الكأس المقدسة" لجراحة صمام القلب، والتى ستكتب برأيي فى حال تأكد نجاحها "نهاية وجع القلوب".
لا يتبقى لنا سوى الإشادة بابن مصر، الذى لم يكتفِ بما صنعه من مجد خارجها، بل أنشأ فيها مركزًا كبيرًا لعلاج أمراض القلب، ويقود حاليًا فريق من أطباء القلب في العالم، وهو في سن الـ 89؛ للتوصل إلى تقنية جديدة توفر لمرضى القلب صمامات "طبيعية"، علمًا بأنه يسعى لتحقيق هذا الحلم منذ عام 2007.
شغف بالعلم وطاقة إيجابية لا تشيخ، ودليلًا دامغًا على أن رحلة الإبداع لا تتوقف عند الستين..