Close ad

حسام أبوصفية.. أسطورة من غزة

12-1-2025 | 14:18

لو لم نشاهد بأعيننا المواقف الأسطورية للطبيب حسام أبوصفية لما صدقناها عندما نقرأ عنها أو يحكي لنا أحد عنه..

لم يكتفِ بالقيام بواجبه الإنساني كطبيب، رغم كل التحديات منذ أكثر من عام وثلاثة أشهر، رغم "اختناقه" من كثرة الموت والدمار والتطهير العرقي الذي شاهده هو وكل غزة وحصارهم من قِبَل قوات الاحتلال الصهيوني.

"تباهت" وسائل إعلامية إسرائيلية بنشر فيديو اعتقال دكتور حسام أبوصفية والطاقم الطبي وكأنه "انتصار" غير مسبوق؛ ولا نرى أي إنجاز في اعتقال طبيب أعزل "صمد" لأشهر أمام الحصار المتواصل والتهديدات "المتزايدة"، وبعد استشهاد ابنه وتعامله اليومي مع المآسي التي لا يتحمل بشر رؤيتها من مصابين لا يجدون الإسعافات اللازمة لهم، وهي حق إنساني للجميع، ومرضى يموتون أمام أعين أطبائهم؛ لعدم توافر الأدوية أو استعدادات للجراحة الضرورية لهم، وأطفال يئنون من الوجع، ويتذوق الأطباء مرارة الشعور بالعجز؛ لعدم قدرتهم على تخفيف أوجاع الصغار الذين "يدفعون" الأثمان هم وأسرهم؛ لتمسكهم بأرضهم عبر عشرات الأعوام.

حرض إعلام الاحتلال على الدكتور حسام لصموده، واعتقله الاحتلال في أكتوبر 2024، وتوهموا أنه بعد الإفراج عنه "سيخاف" على نفسه، ويتخلى عن صموده وفوجئوا به يواصل بعزيمة أكبر.

تعمد الاحتلال اغتيال ابنه برصاص قناص استهدفه  في أكتوبر 2024 في محاولة لكسر صموده؛ وفشلوا كما فشلوا وسيفشلون مع المقاومة وكل الفلسطينيين الذين تزيدهم دماء الشهداء صمودًا وعزة وتحديًا للاحتلال، وتم دفن ابنه في ساحة المستشفى.

كما تعرض الدكتور حسام من قبل لمحاولة اغتيال في نوفمير 2024؛ بإلقاء قنبلة على غرفة الأطباء التي ينام فيها مع أطباء وممرضين ونجا منها، وإن أصابته شظية أدت إلى تمزق بالأوردة والشرايين في منطقة الفخذ، وواصل عمله بصمود "أسطوري"، ولم يقل أنا اكتفيت وسأترك غيري يواصل.

واجه الدكتور حسام الاحتلال مرتديًا معطفه الأبيض "وميراثه" الفلسطيني من حب الأرض "ويقينه" بالنصر وبحتمية رفض الاستسلام -أيًا كانت الضغوظ- ومهما تزايد فجورها وشراستها من غارات جوية وقصف متواصل، ورفض كثيرًا مطالبات الاحتلال بإخلاء المستشفى.

لم يكتفِ الدكتور حسام بصموده وعمله الطبي؛ وحرص على مناشدة العالم بتوفير الاحتياجات الطبية لما "تبقى" من المستشفيات في غزة وإنقاذ المئات من الجرحى الذين يتحولون إلى شهداء لعدم وجود العلاج، وإنقاذ من تهدمت بيوتهم فوق رؤوسهم، وظلوا تحت الأنقاض الذين يستشهدون؛ لعدم وجود الدفاع المدني مع نقص الطعام والدواء والماء وقبلها المستلزمات الطبية.

وطلب التدخل "قبل" فوات الأوان وإدخال الدم ومستلزمات الإسعاف، واستمر في بث الرسائل المسجلة والصوتية والمتلفزة لكشف جرائم الاحتلال، وطالب بإدخال وفود طبية ذات التخصصات الجراحية لإنقاذ المرضى.

قالت زوجته ألبينا: "أنا فخورة فيه جدًا عمل كل شيء للشعب الفلسطيني"، وهي من كازاخستان؛ وكانت تستطيع بسهولة مغادرة غزة، وجاءهم عرض بذلك ورفضوه، ولكنه قال: لن أترك بلدي، وسأظل في خدمة الناس أعالج المرضى والمصابين، وكانت معه في المستشفى وقالت: رأيت كل شيء؛ القصف كان فوق رؤوسنا والموت حولنا ومعنا النساء والأطفال، ومرت فترة كان الجوع شديدًا ولا يوجد طعام، وقتلوا أطباء ومسعفين، وعشت في رعب شديد جدًا مع زوجي وأولادنا.

ثم أعلن الصهاينة عدم السماح للمستشفى بمزاولة العمل، مع ضآلة الإمكانات وتناقصها بشدة "وأحرقوا" كافة الأقسام بالمستشفى.
 
وعندما جاءوا لاعتقاله في 27 ديسمبر 2024 قال: لن أغادر المستشفى إلا عندما توفرون الممر الآمن للمرضى وللطاقم الطبي، ويخرجون بأمان ثم أخرج أنا.
   
سار دكتور حسام "شامخًا" وهو يمضي وسط ركام المستشفى الذي أحرقه الاحتلال، وأمامه دبابات الميركافا للاعتقال؛ التي تعد من أحدث وأقوى الدبابات في العالم، ولكنه كان أقوى منها، وقد خرج مضطرًا بعد قصف المستشفى بالقنابل الفسفورية الحارقة، وتدميره وتحويله إلى كومة من رماد.

كان موقنًا بأنه سيتعرض لأسوأ التعذيب، وهو ما حدث بالفعل، ولكنه يتنفس العزة مثل كل أهل فلسطين، ويكرهون منح الاحتلال صورة تسعده ولو لثوان، ونقلوه إلى معتقل وشهد مئات عمليات الإعدام للأسرى، وتعرض لضرب مبرح، وإجباره على خلع ملابسه، واستخدامه كدرع بشري، وتوفيت والدته حزنًا عليه.

رصدنا تضامنًا عالميًا واسع النطاق معه، ووقفات تطالب بسرعة الإفراج عنه، ووقف انتهاك المرافق الطبية في غزة، وإنهاء الإبادة والتطهير العرقي فورًا، وإدانة "الصمت" الدولي أمام الفظائع التي يتعمد الاحتلال ارتكابها في حق الأطباء والممرضين والمسعفين في غزة وتدمير مستشفياتها؛ ليضاعفوا حجم الخسائر البشرية وليزيدوا من جحيم العيش في غزة.

الدكتور حسام أحد أبطال القطاع الطبي في غزة الذين "قاوموا" الاحتلال، ورفضوا ترك واجبهم الوطني والإنساني تجاه المرضى، واستطاع إبقاء المستشفى في العمل بأقل الامكانات.

وهو مدير مستشفى كمال عدوان شمال غزة، وقد اُجبرت عائلته على ترك بيتها في عسقلان عام 1948، ووُلِد في 21 نوفمبر 1973 في مخيم جباليا.

في تحدِ واضح "لغطرسة" الاحتلال والفُجر في استخدام القوة المفرطة؛ "كتعويض" عن الفشل الواضح في "تركيع" غزة ومحاولات يائسة للادعاء بأي انتصار لم يحققه الاحتلال؛ رأينا في وسط الركام، الناتج عن التدمير الوحشي والممنهج "لكل" مظاهر الحياة في غزة، كيف "أبدع" رسامون في رسم جدارية للدكتور حسام؛ وكأنهم يرسلون من خلالها رسالة "مفتوحة" للاحتلال بأن غزة كلها تتضامن مع الدكتور حسام وكيف لا تفعل؟ وهو يعبر بصموده وثباته وتحديه عن "أسطورة" غزة الباقية والمنتصرة بمشيئة الرحمن ولو بعد حين.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة