Close ad

مسيرة مشرفة ونهاية مؤسفة.. موسى بن نصير محطات المجد والدموع في حياة فاتح المغرب والأندلس

10-1-2025 | 16:03
مسيرة مشرفة ونهاية مؤسفة موسى بن نصير محطات المجد والدموع في حياة فاتح المغرب والأندلسصورة تعبيرية

أعظم فاتحي بلاد المغرب الأندلس وأعظم قادة الأمويين على الإطلاق.. إنه الفاتح العظيم موسى بن نصير، هو ابن فاتح قبرص، وقد فتح الأندلس بعد أن أعاد فتح المغرب العربي، ولكن نهايته كانت مؤلمة رغم كل بطولاته.. في هذا التقرير نستعرض سيرة ومسيرة الفاتح الأعظم "موسى بن نصير".

موضوعات مقترحة

نشأته

وُلد في قرية كفر مثري في جبال الجليل شمال فلسطين في عام 19 هـ/ الموافق 640م، وهو ابن قبيلة بلي المنتشرة في شمال فلسطين؛ ولذلك كان يُسمى موسى بن نصير البلوي، ورواية الانتماءإلى قبيلة بلي دعمها المؤرخون الأقرب لزمن موسى مثل البلاذري. 

انتقل موسى إلى دمشق عام 22 هـ، وذلك عندما أصبح والده الحارس الشخصي لوالي بلاد الشام معاوية بن أبي سفيان، وذلك في زمن الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ . 

زادت مكانة والده نصير البلوي عندما كلفه معاوية بن أبي سفيان بقيادة القوات البحرية المكلفة بفتح جزيرة قبرص عام 28 هـ، ونجح القائد نصير البلوي بفتحها وذلك في عهد الخليفة الراشدي عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ ، وعندما تولى معاوية بن أبي سفيان الخلافة وأسس الدولة الأموية عام 41 هـ/ الموافق 661م قام بتعيين نصير البلوي قائداً أعلى للشرطة، وكان قرب نصير البلوي والد موسى من معاوية بن أبي سفيان سبباً في أن ينشأ موسى مع الأمراء الأمويين ويتلقى أفضل تعليم وتدريب ويكون مقرباً منهم، وأصبح الصديق والرفيق الأقرب للأمراء بشر وعبد العزيز أبناء الخليفة الأموي مروان بن الحكم.

حياته في العراق

بعد سنوات أمضاها موسى بن نصير في الجيش، تم تعيينه قائداً صغيرا في الجيش الأموي في مصر، وعندما تم تعيين الأمير بشر بن مروان والياً على العراق عام 70 هجري ، قام الأمير بشر باختيار صديقه موسى بن نصير ليكون نائبه ومسؤولاً عن خراج العراق، ولكن بعد سنتين قام الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان بتقسيم ولاية العراق لقسمين -ولاية الكوفة وولاية البصرة- ومنح ولاية الكوفة للحجاج بن يوسف الثقفي وولاية البصرة للأمير بشر بن مروان، فبقي موسى بن نصير مع بشر في البصرة إلى أن توفي الأمير بشر عام 74 هجري .

دخوله السجن

أصبحت البصرة تابعة للحجاج فقام الحجاج باعتقال موسى بن نصير وسجنه بتهمة كيدية وهي الاختلاس، وعندما وصل الخبر لوالي مصر الأمير عبد العزيز بن مروان أرسل للحجاج يطلب منه الإفراج عن موسى بن نصير وأن يرسله له، فرفض الحجاج وأرسله إلى دمشق فغضب الخليفة عبد الملك بن مروان على موسى وشدد سجنه، فأتى الأمير عبد العزيز بن مروان وقابل أخاه الخليفة عبد الملك وأكد على براءة موسى من التهم، ودفع من ماله نصف المال الذي تم إتهام موسى به، فتم الإفراج عنه وأخذه والي مصر عبد العزيز بن مروان.

حياته في مصر

بمجرد وصوله إلى مصر قام واليها الأمير عبد العزيز بن مروان بتعيين موسى بن نصير قائداً لجند مصر عام 74هـ، فقام موسى بن نصير مباشرة بتنفيذ حملة ناجحة في برقة فقضى على المناطق المتمردة فيها، وفي عام 78 هجري  قام والي مصر الأمير عبد العزيز بن مروان بتعيين موسى بن نصير حاكماً على إفريقية وكانت إفريقية انذاك تابعة لمصر، واستطاع موسى أن يخمد ثورات البربر المتعاقبة، وبعث بالغنائم إلى عبد العزيز الذي بعثها بدوره إلى الخليفة عبد الملك بن مروان، فسكن غضب عبد الملك على موسى، وقد اهتم موسى بنشر الإسلام بين البربر ومسالمتهم واستمالة رؤوسهم، ليضمن ألا يثوروا مجددًا، فانضم إلى جيشه الآلاف منهم بعد إسلامهم.

ولايته على إفريقية 

في عام 86 هـ توفي والي مصر الأمير عبد العزيز بن مروان وتوفي الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، فقام الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك بفصل إفريقية عن مصر وجعلها ولاية مستقلة، وقام بتعيين موسى بن نصير والياً عليها، وذلك بهدف أن يعيد كامل بلاد المغرب العربي للحكم الأموي، حيث خرج أغلبها من السيطرة بعد استشهاد البطل عقبة بن نافع عام 63 هـ ، فوضع موسى بن نصير خطة لإعادة فتح كامل المغرب العربي.

بدأ موسى بن نُصير ولايته بإرسال جيشه لقتال المتمردين حول القيروان، فسيطر على قلعة غزوان التي كانت تهددها، ثم وجَّه ولداه عبد الله ومروان ففتحا نواحي في المغرب الأوسط، ثم فتح موسى بن نصير سجومة وقتل زعمائها، ثم فتح مُوسى بن نُصير مناطق قبائل هوارة وزناتة وكتامة، ثم غزا مُوسى المغرب الأقصى، فهزم البربر، وطاردهم غربًا حتى بلغ السوس الأدنى، ثم تقدم إلى سبتة، فصالحه حاكمها يُليان على أداء الجزية. كما غزا طنجة وفتح درعة وصحراء تافيلالت، وفتح ابنه السوس، وسيطر على طنجة سيطرة كاملة عام 88 هجري  فعين طارق بن زياد حاكماً على طنجة، وجعل جيش طنجة عدده 29 ألف مقاتل 17 ألف عربي و12 ألف بربري، وأمر العرب أن يعلموا البربر القُرآن وأن يُفقهوهم في الدين، ثُمَّ عاد إلى إفريقية، وقام في عام 89 هجري  بانشاء دار الصناعة لبناء أسطول بحري يحمي سواحل ولاية إفريقية من السفن البيزنطية.

فتح الأندلس

في عام 90 هـ،  راسل الكونت يوليان حاكم سبتة التابع للملك القوطي موسى بن نصير عارضاً عليه التحالف لغزو الأندلس، وذلك إنتقاماً لقيام ملك القوط لوذريق باغتصاب ابنة يوليان، وذكر في رسالته إستعداد ابناء ملك القوط السابق الملك غطاشة أن يساندوا موسى بن نصير، فقد أخذ الملك لوذريق العرش من غطاشة وحرم أبناء غطاشة من حقهم، وكذلك كانت الأندلس تحت حكم القوط تعاني من إنقسام ديني بين أتباع المذهب الأريوسي من جهة وأتباع الكاثوليكية والارثوذكسية من جهة أخرى.

فراسل موسى بن نصير الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، فطلب الوليد اختبارها بالسرايا أولاً، فأرسل موسى بن نصير عام 91 هجري سرية عددها 500 مقاتل بقيادة طريف بن مالك المذحجي، فنجحت السرية بمهمتها وسيطرت على جزيرة تم تسميتها بجزيرة طريف نسبة لقائد السرية، فجهز موسى بن نصير جيشاً عدده 7000 مقاتل بقيادة طارق بن زياد ودخل الأندلس عام 92 هجري وسيطر على جبل أصبح اسمه جبل طارق نسبة لقائد الجيش.

فقام ملك القوط لوذريق بجمع جيش عدده 100 ألف وزحف به جنوباً، فراسل طارق موسى فأرسل له موسى 5 آلاف مقاتل ليصبح عدد جيشه 12 ألف مقاتل، فوقعت معركة وادي لكة فانتصر طارق نصراً ساحقاً، فارسل مغيث الرومي فسيطر على قرطبة، وأرسل موسى أوامره لطارق بالتوقف في قرطبة بسبب قلة عدد الجيش، وكلف موسى بن نصير ابنه عبد الله بحكم ولاية إفريقية، ودخل موسى بن نصير الأندلس عام 93 هجري  وفتح شذونة وقرمونة وإشبيلية وباجة وماردة، وفتح عبد العزيز بن موسى بن نصير لبلة، ونجح موسى بن نصير في قتل لوذريق آخر ملوك القوط في منطقة إيجيتانيا والتي تقع اليوم في البرتغال، والتقى موسى وطارق في طلبيرة، وسارا معًا إلى طليطلة عاصمة القوط وتم فتحها، ثم قام عبد العزيز بن موسى بن نصير بفتح سرقسطة وباقي المناطق التي لم تفتح وقضى على جيوب المقاومة، وبهذا تم فتح الأندلس عام 95 هجري  وأرسل موسى بن نصير للخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك يبشره بالفتح فأرسل له الوليد بأن يحضر له، فجعل موسى بن نصير ولاية الأندلس تحت حكم ابنه عبد العزيز بن موسى بن نصير.

نهاية مأساوية 

في عام 96 هـ، وصل موسى بن نصير وطارق بن زياد إلى دمشق وقابلا الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك الذي كافأهما، ولكن توفي الوليد سريعاً فقد كان مرضه شديداً، وتولى الحكم الخليفة سليمان بن عبد الملك، والذي أمر بسجن موسى بن نصير وطارق بن زياد، وأمر بإعدام كبار الفاتحين محمد بن القاسم الثقفي وقتيبة بن مسلم وحتى عبد العزيز بن موسى بن نصير والذي تم قتله في إشبيلية وتم إرسال رأسه للخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك.

وبعد وصول الرأس أمر الخليفة سليمان بن عبد الملك بجلب موسى بن نصير من سجنه ليرى رأس ابنه المقطوع، وعندما أتى موسى بن نصير قال له سليمان: «أتعرف هذا؟»، فقال موسى: «نعم أعرفه صوّامًا قوّامًا»، ثم أشار موسى لرأس ابنه وقال: «فعليه لعنة الله إن كان الذي قتله خيرًا منه» فأمر الخليفة سليمان بن عبد الملك بإعادة موسى بن نصير إلى سجنه، وأمر أيضاً بسجن ولداه عبد الله حاكم إفريقية وعبد الملك حاكم المغرب الأقصى. 

ويعتبر سلوك الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك في قتل القادة الفاتحين لغز تاريخي ليس له جواب حاسم، ولكن التفسيرات الأقوى هو بأنه قتل محمد بن القاسم الثقفي وقتيبة بن مسلم بسبب كرهه للحجاج ورجاله ولإنهاء نفوذ قبيلة ثقيف، وقيل بأن سبب اضطهاده لموسى بن نصير وطارق بن زياد هو لرفضهم طلب سليمان بالانتظار في فلسطين وعدم دخول دمشق إلا بعد أن يموت الوليد ليسجل فتح الأندلس بإسم سليمان، ولكن طريقة قتل ابنه عبد العزيز بن موسى وتشفيه بموسى بن نصير يجعل هذا السبب ضعيفاً.

وفاته 

بقي موسى بن نصير في السجن إلى أن شفع له القائد يزيد بن المهلب بن أبي صفرة وهو الصديق الأقرب للخليفة سليمان بن عبد الملك، فتم الإفراج عن موسى بن نصير وطارق بن زياد وعاش طارق بن زياد باقي حياته في دمشق، وأما موسى بن نصير فقد مات سريعاً في تاريخ 4 ذي الحجة 97 هـ الموافق وذلك أثناء ذهابه لأداء مناسك الحج.

وللاسف استمر اضطهاد أسرة موسى بن نصير حتى بعد وفاته فقد أمر الخليفة الأموي يزيد بن عبد الملك بإعدام عبد الله بن موسى بن نصير عام 101 هـ، وحاول الأمويون إصلاح العلاقة مع أسرة ابن نصير بعد أن انهارت دولتهم وسيطر العباسيون على كامل العراق عام 132 هـ، فقام آخر الخلفاء الأمويين مروان بن محمد بتعيين عبد الملك بن مروان بن موسى بن نصير والياً على مصر، ولكن نجح العباسيون في السيطرة على مصر، وأكرموا عبد الملك بن مروان بن موسى بن نصير وأخاه معاوية، وقام الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور بتعيين عبد الملك بن مروان بن موسى بن نصير البلوي والياً على بلاد فارس.

د. سليمان عباس البياضي 

عضو اتحاد المؤرخين العرب


د. سليمان عباس البياضيد. سليمان عباس البياضي
كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة