برغم مرور نحو نصف قرن، على رحيل أم كلثوم، فإنها لا تزال كوكب الشرق ملهمة لكل صوت طربى يسعى للظهور والانتشار، سواء من برامج مسابقات المواهب أم غيرها، خصوصا أن عالمها محفوف بالمخاطر لمن يقترب منه ما لم يكن مؤهلا لذلك، ويمتلك الصوت القوى القادر على المنافسة بكل ما يحمله من مشاعر وأحاسيس، لذلك يهرب من مواجهة صوتها الكثيرات حتى لا تتعرى إمكاناتهن الصوتية، بينما دخل البعض تحت عباءتها ليؤكدن قدرتهن على المنافسة، نجح القليل منهن فى لفت الانتباه، فكانت أم كلثوم بالنسبة لهن جواز المرور نحو الشهرة والنجومية، منهن سوزان عطية، مها البدرى، آمال ماهر، فى هذا الإطار خرجت أيضا أسماء بعض مطربات الأوبرا، فارتبطن باسم أم كلثوم، بعد أن أصبحت حفلاتهن لا تخلو من أغانى كوكب الشرق أو من خلال حفلات كلثوميات، ولعل أبرز الأسماء هنا مى فاروق، ريهام عبد الحكيم، مروة ناجى، ريم كمال، أجفان، رحاب مطاوع.
موضوعات مقترحة
ومن بين أسماء مطربات الأوبرا اللاتى ارتبطن بأم كلثوم، غادة آدم وحنان الخولى وبسملة كمال، ومعهن كانت هذه اللقاءات التى أجرتها «الأهرام العربى».
أحمد أمين عرفات
مطربة الأوبرا غادة آدم
غادة آدم: وجدت فى أغانيها ضالتى ومتعتى الحقيقية
تعتبرها منهجها فى الغناء بعد أن كانت السبب فى عشقها له، لم تكتف بما حققته من تألق وتميز فى حفلات دار الأوبرا المصرية، فالتحقت بالمعهد العالى للموسيقى العربية، لتصقل موهبتها بالدراسة الأكاديمية التى تفوقت فيها وأضحت قاب قوسين أو أدنى من الحصول على درجة الماجستير، ولأن أم كلثوم كانت المدرسة الأولى التى تعلمت فيها، فقد جعلت لها نصيبا كبيرا فى رسالتها، إنها مطربة الأوبرا غادة آدم ومعها كان هذا الحوار:
> كيف بدأت علاقتك بصوت أم كلثوم؟
منذ طفولتى وتحديدا عندما كنت فى كورال الأطفال بالأوبرا الذى التحقت به وعمرى 7 سنوات، حيث كنا نتدرب على الموشحات والأدوار وكيفية الأداء باللغة العربية الفصحى وضبط مخارج الألفاظ وعملية التنفس أثناء الغناء، ولأنى منذ طفولتى أستمتع بصوت طبقته عريضة، فقد وجدت فى أغانى أم كلثوم ضالتى ومتعتى الحقيقية، فأحببت أغانيها وطريقة أدائها بشدة ودون أن أدرى وجدتى أسيرة لصوتها، وكانت أغانيها هى الأكثر سيطرة على عالمي منذ ذلك الوقت وحتى اليوم .
> هل تذكرين أول أغنية تغنيت بها لأم كلثوم فى حفلات الأوبرا؟
«صوت الوطن» التى يعرفها الناس باسم «مصر التى فى خاطرى»، كان ذلك فى طفولتى وحتى اليوم كلما غنيتها يطالبنى الجمهور بأن أعيد غناءها لهم مرة أخرى، هى وأغان كثيرة لكوكب الشرق.
> إلى أى مدى كان لصوت أم كلثوم تأثيره عليك؟
سيدة الغناء العربى جعلتنى أعيش حالة غرام مع الغناء، ولأنها مدرسة فى حد ذاتها فقد شجعتنى على ألا أكتفى بموهبتنى، فقررت دراسة الغناء بشكل أكاديمى، فالتحقت بالمعهد العالى للموسيقى العربية، وطوال فترة دراستى فيه كنت أيضا موجودة بالأوبرا، وقاسما مشتركا فى معظم حفلات أم كلثوم، لأن صوتى كما يقولون «راكب جدا على صوتها»، من حيث مساحة الصوت وقوته ووضوح مخارج الألفاظ، كل ذلك جعلنى قادرة على أداء أغانيها خصوصا القصائد، لذلك لا أبالغ عندما أقول إنها كانت بالنسبة لى منهج فى الغناء.
> ماذا عن شخصية أم كلثوم نفسها بالنسبة لك؟
كنت أتعلم منها كل شيء، طريقتها فى الوقوف على المسرح وهى تغنى، تعايشها مع اللحن وكلمات الأغنية، لأنها بالفعل مدرسة متكاملة، ولإدراكى هذا لم أسع يوما لأن أجود عليها أو أتخطى حدودها، فلا أحد يستطيع فعل ذلك مهما فعل أو حاول، ولكنى دخلت مدرستها بإحساسى الخاص حتى تكون لى شخصيتى المستقلة، وهذا ما أفعله مع غيرها من المطربين الذين أغنى لهم أيضا، فلو لم أتعامل مع أى أغنية بإحساسى وأعطيها من روحى فلن يصدقنى الناس فيها ولن تصل إليهم.
> هل الدراسة بالمعهد العالى للموسيقى العربية جعلتك تتعاملين مع أغانى أم كلثوم بشكل مختلف؟
لقد زادتنى ثقة بنفسى، وجعلتنى بالفعل أتعامل مع أغانيها بشكل علمى وأدرس كل ما يتعلق باللحن والكلمات دراسة مستفيضة، وهذا لا شك كان له انعكاسه على شخصيتى وأصقل موهبتى بشكل كبير، فأصبحت لدى إجابات كانت غامضة بالنسبة لى، مثل لماذا تحولت من مقام لمقام ؟ كما لم أعد أكتفى عند مذاكرة أغنية بسماعها بل أصبحت أتعامل مع النوتة الخاصة بها .
> هل استعدادك لحفلات أم كلثوم يختلف عن غيرها؟
أى أغنية لأم كلثوم أعمل لها كما يقولون « 1000 حساب «، وهذا لا يعنى أننى أتعامل بتهاون مع باقى أغانى المطربين الآخرين، لكن لأن بالفعل أغانى أم كلثوم لها مكانة خاصة نظرا لصعوبتها فليس فى إمكان أى مطرب أن يغنيها، لأن من تعامل معها من الملحنين كانوا يلحنون لها حسب إمكانياتها الصوتية.
> ألا تخشين من المقارنة بينك وبينها؟
هذا الأمر لا يشغلنى لذلك لم أتخوف أبدا من هذه المقارنة، لأنها غير موضوعية فلا أحد يقارن بأم كلثوم لأنها الأصل والأسطورة التى لم يأت قبلها ولن سيأتى بعدها، ما يهمنى أن أنقل تراثها بالطريقة اللائقة وبأفضل الإمكانيات التى لدى.
> تجهزين حاليا لرسالة الماجستير فهل لأم كلثوم نصيب منها؟
بالطبع، لأن عنوان رسالتى « دراسة تحليلية للأغنية الدينية فى النصف الثانى من القرن العشرين»، بالتالى سيكون لكوكب الشرق نصيب كبير فيها، نظير ما قدمته من القصائد والأغانى الدينية، منذ بدايتها عندما كانت تغنيها فى طفولتها مع والدها الشيخ إبراهيم البلتاجى فى المناسبات الدينية المخلتفة، ثم بعد ذلك فى تعاملها مع كبار الملحنين مثل أبو العلا محمد ورياض السنباطى، فهذه القصائد مع قراءتها للقرآن أصقل موهبتها وشخصيتها بشكل كبير، فى رسالتى سأسلط الضوء على أغانيها الدينية فى فيلم « رابعة العدوية « مثل حانة الأقدار، الرضا والنور، وغيرهما.
> ما الذى يجعلك تتوقفين عند شخصية أم كلثوم؟
قدرتها على التطور، فمن يتابع مراحل حياتها من بدايتها وحتى رحيلها يجدها لا تقف عند حالة واحدة بل لكل مرحلة لديها تطورها، فهى فى القصائد والأدوار غير التى مع رياض السنباطى، وعبد الوهاب وبليغ حمدى، بجانب عدم تخوفها من التجربة باستعانتها فى أغانيها بالآلات الغربية، وكل ما هو جديد طالما يضيف لها ولأغنياتها، وهذا ما جعل لها شخصية مختلفة مع كل ملحن تعاملت معه.
> هل تشعرين باختلاف رد فعل الجمهور فى أغانى أم كلثوم عن غيرها من المطربين فى حفلات الأوبرا؟
الحمد لله على وجود فرق الموسيقى العربية، فلولا وجودها لضاع تراثنا، كما أنها تلعب دورا كبيرا فى تعريف الأجيال الجديدة بتاريخنا وتراثنا الغنائى، أما بالنسبة لأغانى أم كلثوم فلم يعد التجاوب فقط من كبار السن الذين تربوا على أغانيها بل ينافسهم فى ذلك، وبشكل أكبر وأقوى الأجيال الجديدة من الشباب، فمن يتأمل فى حفلاتنا يكتشف أن غالبية جمهورنا من الشباب الصغير الذى جاء ليستمتع بالطرب الأصيل، وبنظرة واحدة لحفلات كلثوميات سيكتشف الجميع أنها كاملة العدد بشكل دائم .
> ما أقرب أغانى أم كلثوم بالنسبة لك؟
الأطلال، اسأل روحك، هذه ليلتى طبعا، صوت الوطن، على باب مصر، سلو قلبى، حديث الروح، وأغان أخرى كثيرة لها.
مطربة الأوبرا بسمة كمال
بسملة كمال: غيرت مسار حياتى
بسبب أغنية لكوكب الشرق، غنتها وعمرها 9 سنوات، حققت انتشارا واسعا عبر السوشيال ميديا، وتحدثت عنها وسائل الإعلام بمختلف أنواعها، ليس هذا فحسب بل نالت عدة تكريمات منها تكريم وزير التربية والتعليم، بعدها أصبح لقب « أم كلثوم الصغيرة» مرتبطا بها ، ومن بعدها تغير مسار حياتها حتى وصلت إلى دار الأوبرا، كما التحقت بالكونسرفتوار، وأصبحت نجمة بارزة فى حفلات أم كلثوم ، إنها بسملة كمال ابنة الـ 17 عاما ومعها كان هذا الحوار:
> متى بدأت علاقتك بأغانى أم كلثوم؟
فى سن تسع سنوات، عندما طلب منى أن أغنى فى إحدى حفلات المدرسة، فغنيت لها «مصر التى فى خاطرى»، أى إن بدايتى مع الغناء كانت من خلال كوكب الشرق، التى أدين لها بالفضل الكبير، لأن هذه الأغنية انتشرت بشكل واسع على السوشيال ميديا ولفتت نظر وسائل الإعلام فتحدث عنها الإعلامى عمرو أديب، وقامت المدرسة بتكريمى والإدارة التعليمية، ووصل الأمر الى تكريمى بسببها من قبل وزير التعليم، وبعدها غنيت لها «حب إيه» فحققت انتشارا فاق أغنيتى الأولى، جعل أشهر الإعلاميين يتحدثون عنى، ويطلبونى فى مدخلات لبرامجهم مثل منى الشاذلى، ومحمود سعد وعمرو عبد الحميد وهالة فاخر وغيرهم.
> لذلك أطلق عليك لقب «أم كلثوم الصغيرة «؟
نعم، ومنذ ذلك الوقت وأنا أعتبرها مدرستى التى أتعلم فيها ومنها الغناء، وجعلنى أقترب أكثر من عالمها فعشقته، كل ما فيه سواء ما يتعلق بأغانيها أم بشخصيتها، كما لا أنسى لها أنها أسهمت بشكل كبير فى تغيير مجرى حياتى.
> كيف ذلك؟
بعد انتشار أول فيديو لي، تواصلت معى أستاذة وفاء حافظ بدوى، وقامت بنقلى من المدرسة الحكومى التى كنت بها إلى مدرستها الخاصة بالمعادى، وظلت ترعانى على مدار ثلاث سنوات ونصف السنة، وبعدها التحقت بالكونسرفتوار، لأنى كنت قد تعلقت بشكل كامل بالغناء، وأصبح عندى إصرار على فهم الموسيقى وزيادة معرفتى بيها، والحمد لله أواصل دراستى فيها بتفوق كبير، ولم يمنعنى ذلك من الغناء، حيث كنت أغنى فى كورال الهيئة الوطنية للإعلام، وكورال أطفال الأوبرا، إلى أن أصبحت بفضل الله صوليست فى الأوبرا، ليس هذا فحسب بل حصلت على العديد من الجوائز المهمة، منها جائزة مسابقة رتيبة الحفنى وجائزة الشباب والرياضة، وجائزة الدولة للمبدع الصغير فى الغناء والمركز الأول فى مسابقة تالنت بالعربى.
> هل أفادتك الدراسة الموسيقية فى تجربتك مع الغناء؟
بالتأكيد، خصوصا أننى اكتشفت أثناء دراستى أن الغناء غير الملتزم بمقام أو إيقاع يصيب الأذن نفسها بالنشاز، وهذا ما يحدث مع من لا يألف أغانى الطرب، ويجعله متأخرا فى فهم الموسيقى، فى حين صاحب أن الأذن الموسيقية الصحيحة، تسهل عليه الدراسة بنسبة لا تقل عن 50 ٪.
> ما الذى تقفين أمامه فى عالم أم كلثوم؟
الأغانى النادرة التى لم يتغن بها الكثيرون لصعوبة أدائها، لذلك تحديت نفسى وغنيت لها فى إحدى حفلات كلثوميات «ياللى كان يشجيك أنينى»، وسعدت جدا برد فعل المايسترو والموسيقيين، فأم كلثوم فى هذه الأغانى تصل بى إلى قمة الانبهار والحب لها، وحتى الآن لا توجد أى مطربة استطاعت أن تضاهى كوكب الشرق، فى تمكنها وقوة صوتها ومناخها الموسيقى بكل تفاصيله من ملحنين وشعراء وأدباء وصفوة وعامة.
> ألا تفضلين أن يكون لك عالمك الخاص بعيدا عن كوكب الشرق؟
عمرى حاليا 17 سنة، ومازلت وسأظل أعتبر أم كلثوم أول وأهم عامل فى تغيير مجرى حياتى، لكن هذا لا يعنى ألا يكون لى شخصيتى الخاصة، بدليل أننى بدأت بالفعل فى عمل أغان خاصة بى تسير على نهج أم كلثوم فى دنيا الطرب، لكنها بالطبع ستكون بإيقاع سريع يتناسب مع إيقاع العصر الذى نعيش فيه، وفى كل الأحوال سيبقى ولائى لأول مدرسة حببتنى فى الغناء .
> كيف ترين مشاركاتك فى حفلات كلثوميات؟
أحبها جدا، وأحب النوعية التى تحضرها من الجمهور، لأنها تشعرنى بقيمة الطرب الحقيقى، وهذا يشعرنى بأننى أفعل ما يسعدنى ويسعد الجمهور فى نفس الوقت.
> ماذا عن أحلامك لنفسك؟
الحمد لله استطعت أن أجمع بين دراسة الموسيقى الغربية فى الكونسرفتوار، الذى قضيت فيه أربع سنوات والموسيقى الشرقية من خلال الموسيقى العربية، أنا حاليا فى الصف الثانى الثانوى وأسعى بعد الحصول على الثانوية العامة للالتحاق بكلية الاقتصاد أو الآثار .
مطربة الأوبرا حنان الخولى
حنان الخولى: قدوتى وملهمتى
تربطها بكوكب الشرق علاقة خاصة جدا، ليس الغناء وحده فقط الذى يربط بينهما، أو لأنها وقعت فى غرام المغنى من خلالها، لكن أيضا ظروف النشأة والمعاناة من أجل تحقيق الذات فى عالم الطرب، كل ذلك دفعها للسباحة فى بحرها، لتكتشف أنها كلما غاصت أكثر عثرت على النفيس والغالى فى شخصيتها وعالمها الموسيقى، فأصبح كل أمانيها أن تكون مثلها وتسير على دربها حتى تصل إلى ما وصلت إليه، إنها حنان الخولى ومعها كان هذا الحوار:
> ماذا تمثل أم كلثوم بالنسبة لك؟
قدوتى وملهمتى، يكفى أنها كانت سببا أساسيا فى عشقى للغناء منذ طفولتى، عندما لفت نظرى إليها حالة التجاوب والانبهار الشديدين من جمهور حفلاتها التى كنت أشاهدها فى التليفزيون، وحديث أمى عنها وحرصها الدائم على سماع شرائط الكاسيت الخاصة بها، ودندنتها لأغانيها فى البيت، لأنها كانت رحمها الله تملك صوتا جميلا، وأذكر أنها قصت على قصة كان لها تأثيرها الشديد، عندما كانت تلميذة وطلب المدرس من التلاميذ أن يفصح من لديه موهبة عن موهبته، فقالت إن لديها موهبة الغناء وغنت جزءا من «الأطلال» لأم كلثوم ، فإذا بالمدرس والفصل كله يصفقون لها بشدة، فأبهرنى طريقة وصفها لرد الفعل على غنائها، فتخيلت نفسى فى موقفها، وقتها شعرت أنه سيكون شيئا ممتعا لو أصبح لديك ميزة عن غيرك، كل ذلك جعلنى أنجذب إليها وأرتبط بصوتها وأدندن بعض أغانيها دون وعى بكلماتها،ثم وجدت شيئا بداخلى يدفعنى للبحث عنها وعن حياتها، فاكتشفت أنها لم تكن فقط مجرد صوت طربى جميل لا يوجد مثيل له، لكنها أيضا شخصية استثنائية سخرت فنها لخدمة مصر والمجهود الحربي، وكلما زاد بحثى عنها شعرت كأنى أسبح فى بحر لا نهاية له، وكلما تعمقت أكثر فى صوتها يزداد انبهارى وأشعر كأنها تحقق المعجزات، أيضا كانت كوكب الشرق القدوة لى فى المعافرة.
> كيف ذلك؟
نشأتى تشبه نشأتها إلى حد كبير، فأنا من أرياف البحيرة، بدأت من الصفر مثلها، من أجل الغناء وتعلم فنونه كنت أخرج بصحبة والدى رحمة الله عليه، من القرية للمدينة، وكان أقرب مكان لنا وهو قصر ثقافة دمنهور، الذى كان يستغرق منا ساعتين فى الذهاب ومثلهما فى الإياب، فكنا نعانى بشدة فى الشتاء من البرد القارس فى وقت عودتنا المتأخر ليلا،كل ذلك من أجل أن أتعلم كيف أغنى، لأن ذلك لم يكن متاحا فى الأرياف، وصبرت وتحملت كثيرا مثلها، وأخذتها كما يقولون «من القاع»، حتى أصبحت الآن صوليست فى دار الأوبرا المصرية مرة واحدة، وزميلة لكبار المطربين الذين كنت أشاهدهم من قبل كمتفرجة لا تملك سوى أحلامها، الحمد لله أصبحت الآن أشاركهم حفلاتهم، لذلك لا أبالغ عندما أقول بأن قصة كوكب الشرق كانت ولا تزال بالنسبة لى مهلمة جدا، تعلمت منها أن من يتعب ويجتهد، سوف يجنى ثمار ذلك فيما بعد.
> ألم تصبك الرهبة عندما وقفت لأول مرة تغنين إحدى أغنياتها أمام الجمهور؟
الشىء الغريب، أنه لم تكن لدى أى رهبة فى أن أغنى أمام الناس حتى الغرباء، لأنى تعودت منذ صغرى على أن أغنى فى أى مكان أوجد فيه، حتى أصبح صوتى بطاقة التعارف بينى وبين من حولى، لأنهم بمجرد سماعهم لصوتى أجدهم يبدأون فى الحديث معى والثناء على صوتى وتشجيعى على الاستمرارية، فانعكس ذلك على شخصيتى فزادت ثقتى بنفسى، فأصبحت عنصرا أساسيا فى الإذاعة المدرسية والمقرر الفنى للمدرسة، والطريف أن بسبب صوتى كانت رحلات المدرسة تمنح لى مجانا حتى أغنى فيها لأم كلثوم وصباح وشادية ووردة وفايزة أحمد وغيرهن، لكن تظل كوكب الشرق بالنسبة لى هى الملهمة.
> هل يختلف استعدادك لأغانى أم كلثوم عن غيرها من المطربات؟
منذ أن وقفت لأغنى على مسرح الموسيقى العربية وعمرى 17 سنة، وأنا أتعامل مع أغانى أم كلثوم بشكل مختلف وخاص جدا، رغم أنى منذ ذلك الوقت غنيت لها ألحانا كثيرة، لأن أغانيها تحتاج إلى تركيز شديد، كما أن لكل أغنية «قفلات» معينة، لابد أن أسير على نهجها وإلا سوف يشعر الناس بوجود خطأ ما، وهذا يختلف عن الغناء لغيرها، إذ يمكن للمطرب أن يغنى إى أغنية أخرى بطريقته الخاصة، لكن مع كوكب الشرق لابد أن يلتزم بنهجها فى الأداء، لذلك يعد التركيز شيئا أساسيا، علاوة على أنها كشخصية لها رهبة ووقار تفرضان على من تقدم أغانيها أن تعيش فى هذه الحالة، وهذا لا يعنى أننا لا نستعد لأغانى باقى المطربات، فلابد من الاستعداد، لكن أم كلثوم تختلف عنهن فى رهبتها ووضعها المختلف.
> ماذا تعلمت من كوكب الشرق؟
أم كلثوم تمثل لى ولغيرى مواهب لا نهائية، ولو استطاعت كل موهبة من مواهب الأوبرا أن تأخذ منها صفة واحدة فقط، تصبح «شاطرة» جدا، سواء تمثل ذلك فى حضورها، إحساسها، أسلوبها فى الغناء، تعبيراتها، حتى فى ارتجالها، أما فيما يتعلق بالشكل، فإننى مثلها بحكم تربيتى وسط فلاحين أغنى بملابس محتشمة لكنها شيك فى نفس الوقت، كذلك تعلمت منها، وبحكم تربيتى، أن تكون هناك حدود وجادة فى كل معاملاتى.
> هل لا تزال أغانيها صالحة رغم سيطرة أغانى المهرجانات على الأجيال الجديدة ؟
المهرجانات ليست بالأغانى ولا يجب أن نتعامل معها على أنها كذلك، لأنها لا تمثل سوى من يغنيها، وأشعر بأنها حرب هدفها تدمير الذوق العام، بينما أم كلثوم وجيل الزمن الجميل، يمثلون الإحساس والسلطنة والأدب والأخلاق، لذلك كانت أغنياتهم تنعكس على طباع من يعيشون فى نفس جيلهم، حيث المشاعر الجميلة والذوق الرفيع، فالإنسان المتذوق للفن يستحيل أن يكون شخصا سيئا، فالأشرار كما يقال «لا يغنون»، لذلك ستظل أغانيها صالحة لكل زمن ومعها باقى مطربى الزمن الجميل.
> هل تعتبرين نفسك تلميذة فى مدرسة أم كلثوم؟
أتمنى أن أحصل منها على صفة واحدة، فما زلت حتى يومنا هذا كلما غنيت لها أغنية أتعلم منها شيئا جديدا، الغريب أنى كلما ذاكرت أغنيها لها قدمتها مرارا من قبل، أكتشف فيها أشياء جديدة، فأنا أتعلم منها طول الوقت، علاوة على أنى فى كل مرة أغنيها بمشاعر مختلفة ومتجددة عن المرة السابقة عليها بصوت وإحساس مختلفين، لكن دون تغيير فى عرب اللحن.
> ما أقرب أغانيها إلى قلبك؟
عودت عينى، أغنيها عندما أشعر بأنى فى قمة السعادة والاستمتاع والسلطنة، ونفس الشيء بالنسبة لأغنية «بعيد عنك»، حتى فى حفلاتى عندما اختار أى أغنية للست لكى أغنيها لابد أن يسبقها أحساس كبير منى برغبتى فى تقديمها فى هذا الوقت تحديدا، فعندما غنيت «دليلى احتار» كنت بالفعل فى حاجة لها ، نفس الشىء بالنسبة لأغنية «الحب كده»، فحسب مزاجى وحالتى النفسية اختار ما أغنيه لها، لأن لكل أغنية إحساسها وشكلها وطريقة غنائها ومقاماتها، وفى المجمل أحب كل أغانيها.
> أخيرا .. ماذا عن أحلامك؟
أحلم أن يزداد نجاحى ويصل صوتى مثلها لكل الناس.