Close ad

امرأة متميزة بين الرجال.. "أم كلثوم" نقلت النساء إلى عصر جديد

8-1-2025 | 01:17
امرأة متميزة بين الرجال  أم كلثوم  نقلت النساء إلى عصر جديدأم كلثوم
د. فيروز كراوية
الأهرام العربي نقلاً عن

عرفنا الكثير عن النشأة الريفيّة لفتاة، بدأت علاقتها بالغناء من سن الثالثة عشرة فى أسرة توسمت لابنها الأكبر  مستقبلا فى مجال التلاوة والإنشاد الدينى، لكن اكتشاف الأب لصوت ابنته الجميل أجبره أن يضمها إلى جولاته وابنه فى أنحاء ريف مصر  والوجه البحرى، وسرعان ما تفوّقت على أخيها لتصبح المنشدة الرئيسية للقصائد والتواشيح الدينية، ومن خلفها الأب والأخ كبطانة،  لتصبح كذلك مصدر النجاح والدخل لأسرتها، وتغدو منشدة ذاع صيتها وزاد الطلب عليها فى قرى ومراكز الدلتا لسنوات قبل أن تنتقل إلى الاستقرار فى العاصمة فى عام 1923.

موضوعات مقترحة

تخيّلُ هذه البداية، التى تجمع ما بين النشأة فى مناخ ريفى محافظ، وبين النبوغ الذى يفوق التوقّع من فتاة يضىء على طبيعة الدراما الشخصية فى حياة أم كلثوم، التى كانت حياتها بين هذين القوسين، كما كان امتيازها كظاهرة فنية واجتماعية، يتجلى فى فصول حياتها الدرامية، إذ تمتّعت هذه الفتاة بذكاء شديد، واكتسبت حاسة قراءة المجتمع الذى تخطو فيه وفهم حدوده من سن صغيرة جداً، بحكم عملها بكثافة فى سنّ مبكّرة وسط ظروف صعبة، وتحت حراسة دؤوبة من أب لديه هاجس دائم بسبب عمل ابنته بالغناء، الذى يرغب دائماً فى حصره داخل مجال الإنشاد الدينيّ.
أصعب ما يمكن أن يواجه فتاة ريفيّة عالية الموهبة، متقّدة الذكاء، كان ذلك العذاب الكامن بين القوسين: من ناحية مجتمع الرجال المحافظ الذى عليها أن تعمل بينه ومعه، ومن الأخرى طموحها الفنى والإنسانى نحو ارتقاء المكان اللائق بموهبتها.
استقرت أم كلثوم وأسرتها فى القاهرة فى فترة تاريخيّة محوريّة، وواعدة، نخبة مصريّة تجدّد شبابها بحثاً عن خطاب استقلال وهويّة وطنية بعد ثورة 1919، تظهر بينها الأصوات التى تطالب بتحرير المرأة وخروجها للحياة العامة، ويشتد جدل صاخب حول معانى التحرير والمساحة المتاحة للنساء، واصطدام تلك المعانى بالقيم الاجتماعية الراسخة والثقافة الدينية التقليدية. هنا، بدأت قراءة الفلّاحة القادمة للعاصمة لدورها، وبحثها عن اتجاه فني، ومخاطبتها لجمهورها المتسع، تقودها نحو فصول من التحولات تجاوزت بها محددات نوعها الاجتماعى كامرأة فى ذلك الوقت. لعبت أم كلثوم فى تلك الفترة دورًا رائدًا وأيقونيًا فى صياغة عبور النساء المصريات مرحلة ما قبل ثورة 1919 نحو ما بعدها؛ صياغة رمزية وفنية وجندرية أيضًا.

الطبيعة المحافظة
فى بداية وصولها للقاهرة، كان الأب حريصا على الاحتفاظ لابنته بصورة المنشدة/ المقرئة، خوفا من أن تتلوث بما شاع عن الوسط الفنى وعن غناء العوالم/المطربات، خلال عامى 1923 و1924 كانت البطانة الرجالية تظهر بالعمّة والجبة والقفطان حول المنشدة التى ترتدى معطفًا وعقالًا بدويًا، وتجلس على كرسى، ولا تقف للغناء أبدًا. كان المظهر غريبًا على الوقت الذى يلبس فيه الرجال على المسرح البدل والطرابيش، وتلبس الفنانات السافرات الفساتين، وكانت حفلاتها نظرا لطابعها المتقشف وملابسها البدوية، تحظى بسخرية من الأوساط الفنية المتحررة نسبيًا والمجلات المحسوبة على التيارات الليبرالية مثل روز اليوسف.
لكن الابنة خلال أعوام قليلة نجحت فى تكوين تخت من أهم العازفين المحترفين (محمد القصبجى على العود، سامى الشوا على الكمان، ومحمد العقاد على القانون)، وفى استبعاد البطانة المشايخية. وبحلول العام 1927، خلعت المعطف والعقال نحو ملابس أحدث مع بونيه يغطى شعرها، كما أمسكت بالمنديل، الذى صار علامة تاريخية فى مسيرتها. وظهر لقب “الآنسة” ليسبق اسمها بعدما كانت تسبقه بلفظ “الست” حتى نبهها المحيطون إلى ما تتضمنه الكلمة من معان سلبية بشأن عذريتها. 
الطبيعة المحافظة لأم كلثوم كانت جزءًا من تمييزها عن معاصراتها، بالإضافة إلى قدرتها الباهرة على أداء القصائد والتواشيح الدينية بالعربية الفصحى نظرا لنشأتها فى بيت يحفّظها القرآن منذ الصغر، لذلك استثمر مكتشفها وراعيها الشيخ أبو العلا محمد، فى تحفيظها القصائد، وتدريبها على الغناء المتقن بصورة احترافية، لاحقًا أصبح أحمد رامى شخصية محورية فى اطلاعها على كتب كبار الأدباء والشعراء، ويقال إنه نبهها للتوقف عن تقديم الطقطوقة الخفيفة التى رآها مبتذلة، ليلعب فى حياتها دورًا مهمًا من حيث التثقيف اللغوى والمعرفى.
فى مسيرة أم كلثوم ورامى، يبدأ الاقتران بين القيمة الأخلاقية والقيمة الفنية وصورة المؤدية. تتخلى “الآنسة” عن التقاليد التحررية للطقطوقة والأغنية المسرحية التى سادت فى العهد السابق على صدارتها، وهو تخلٍ واعٍ باحتياج الأوساط الثقافية لتأسيس صورة تناسب جماهير أوسع، صارت أكثر حضورًا واختلاطًا بين نسائها ورجالها فى الحفلات العامة ودور السينما، كما كان افتتاح الإذاعة الرسمية فى 1934 تمهيدًا للهيمنة الثقافية للوسيط الجماهيرى الجديد على الأسماع، ومن ثم الأذهان. 
لن يكتفى أحمد رامى باستخدام التورية بدلا عن التصريح بالمشاعر الحسية، لكنه سيفتح عالما رمزيًا وباطنيًا للتعبير، تتخفى وراءه الذاتية النسائية وتجلياتها الجنسانية بين الرموز والعلامات وأساليب الأداء، داخل قوالب جديدة من الأغانى القصيرة والسينمائية والطويلة. يستفيد رامى فى صناعة عالمه الغنائى من مدرسة الإحياء والبعث الشعرية ورموزها الشاعر محمود سامى البارودى والشاعر أحمد شوقي، ويستوحى تأثيرات الرومانطيقية الأوروبية والشعر العذرى العربى ليؤسس تخيلًا جديدًا للغرام.
أم كلثوم إذن لا تنتمى للعالم الذى سبقتها إليه معاصراتها، ولا للمسرح الغنائى الذى شكّل مسارًا لبداية العديد من الفنانات والفنانين فى ذلك الوقت، ولا لأداء العوالم للطقاطيق الخفيفة مع ما حمله من دلالات اجتماعية وصورة ملتبسة عن النساء المؤديات. لذا كانت تبحث فى بداياتها عن الاتجاه الذى تتحقق من خلاله بكل ملامحها، أن تكون مطربة وفلاحة ومحترمة، أى أن ينظر إليها على خلاف معاصراتها من حيث إنها تقدّم فنًّا جديدًا بالنسبة لنوعها كامرأة. وأنها تحتفظ لموهبتها بالمكانة اللائقة وتحرسها ضد النظرة السلبية المحيطة بالفنانات.
 كان مدخلها للمنافسة هو توطيد مكانها بين نخبة رجال عصرها وغناء رجال عصرها. تقدم نفسها كفنانة مصممة، عزمت على الالتحاق بتيّار مجدّد فى الفن والسياسة والمجتمع وسط بيئة محافظة هى نفسها قد لا تستحب الخروج عليها، أو دفع ثمن ذلك، فهى مثلاً لم تختر أبدا أن تتحرّر من علاقتها الأساسيّة بالأب إلا حينما تعارضت رؤيته مع طموحها. وهو ما ظهر فى تحولها المتدرّج للغناء الدنيوى (العاطفي)، وفى امتناعها عن دخول عالم السينما إلا بعد وفاة الأب الذى كان معارضا لتلك الخطوة.

رمزا للتجديد
من هنا كانت أم كلثوم رمزًا واعيًا بمتطلبات المرحلة التى تخرج فيها النساء إلى الحياة العامة بعد ثورة 1919، وفق شروط كان لا بد أن تختلف عما سبقها، انتخاب «الست» التى تنوب عن جنسها مهمٌ لتعيين الصورة المطلوبة للنساء، فى عملية متداخلة مع التفاوض على خروج المرأة التدريجى من الحرملك  إلى المجال العام، فى وقت الاستقطاب تسللت صورة أم كلثوم المحتشمة والقديرة لتعلن عصراً غنائياً جديداً، تذود فيه الست عن شرف الأخريات وتتمثّله، وتطهّر ما علق بثوب المطربات من “خلاعة” انحطت بصورتهن، كما انكتب فى السردية اللاحقة عن عصر العوالم، وكما وصف غناؤهن بالجملة، ظلمًا دون تمييز. 
كانت أم كلثوم تحتاج دائماً إلى تدعيم صور مقبولة لدى المجتمع مقابل احتفاظها بحقّها المتفرّد كأيقونة استثنائية، لذا كانت تفرض سورًا حديديًا حول علاقتها بالرجال: الصورة الناقصة التى تثير الفضول والتساؤل حول امرأة تحيا فى عالم يسيطر الرجال على مفاتيحه، وبهذا المعنى كانت تريد أن تكون بنت المجتمع التى تشبه هذا المجتمع ولا تتخلى عن تقاليده، لكنها أيضًا النجمة المختارة التى يحتضنها تيّار جديد فى السياسة والفن، احتفاءً بموهبتها وتمهيدًا لتحويلها لأيقونة وطنية.
فى أفلامها كانت أم كلثوم واجهة لمشروع طلعت حرب الاقتصادى الذى قصد منه إرساء دعائم اقتصادية مصرية عبر إنشاء شركات حديثة ومنها شركات الإنتاج الفني. وكان طموح محمد القصبجي، الذى قدّم تجارب مع التوزيع الموسيقى والهارمونية واستخدام آلات غربية إلى جانب التخت، يقف متوازياً مع صعود النجمة سينمائيا ومع تدعيم صورتها الجديدة بالملابس المتفرنجة المحتشمة. 
كانت أم كلثوم مسئولة فى تلك الحقبة القصيرة عن تمثيل صورة المرأة التى خرجت للمجال العام تدريجيًا وفق مساومات جسدتها شخصياتها السينمائية ولجم الجنسانية فى أشعار رامي، ثم عبر عنها مظهرها المحافظ؛ فكانت تلك شروط الخروج، وبهذه الصورة عمّدت المسار المصرى المنقسم للتحديث، بين المحلى والغربى، أو بين الرأسمالية الاستعمارية والرأسمالية الوطنية خلال العشرينيات والثلاثينيات. هذه الانقسامات توفرت أسبابها فى تاريخها الشخصى كامرأة وابنة وفية لبيئتها الريفية، وفى التاريخ الذى يتشكل فى التجربة المصرية الوليدة، الذى يمكن أن نقرأ من خلاله دور نجومية أم كلثوم فى تلك اللحظة الزمنية، إذ وجدت نفسها فى المركز بين تلك التقاطعات.  
وكانت رؤية رامى من حيث الشكل و المضمون نهجًا سينجح فى تحقيق ما تمنته أم كلثوم، ويصوغ لها صورة المطربة التى تتكلم لغة جديدة عن الحب والعواطف. وبرغم ما يأخذه البعض عليه من إصراره على تناقض بين شخصية أم كلثوم الواقعية، الفتاة القوية التى تبوأت مكانتها كنجمة الشرق الأولى خلال عقد على الأكثر من سكنها فى العاصمة، وبين شخصيتها الغنائية؛ محبوبة تبذل نفسها من أجل محبوب وتتعذّب فى حبها وتعانى من الهجر والأسية، لكنها فى لحظتها التاريخية كانت توسّع الهامش الممنوح للنساء، إذ تخلق مساحة غنائية يصبح التعاطى فيها مع علاقات الحب ممكنًا؛ حب تكون المرأة فيه طرفًا أكثر ندية ومساواة، ولو أنها يشار إليها، كمصدر مستمر للبعد والألم المتجدد. 
سينجح هذا النهج فى إزاحة قاموس الألفاظ أو المعانى التى تلمّح للجنسانية والتواصل الجسدى كجزء من العلاقات بين الجنسين، ناحيا نحو التجريد الكامل للخيال العاطفى، إذ يخلق رامى للمحب والمحبوب صورة أثيرية تبتعد عمّا تقاربه الحواس من رؤية ولمس وتذوق، وينفصل فيها الوجدانى عن الحسى بمسافة واسعة، بل يزداد أثره الوجدانى كلما تعمقت صوره فى وصف صعوبة التئامهما: سهران لوحدى أناجى طيفك الساري.
لغة رامى هنا تضع مدخلًا يتلاقى مع أشواق مكبوتة بدأت تغزو مجتمعًا محافظًا، يجد لها مسارب جمالية متخفية بينما يحافظ على أفلاطونيتها وبقائها تحت أسر التقاليد، بهذا المعنى، كانت أم كلثوم تخطو خطوة أبعد فى التوازى مع حالة اجتماعية مترددة بين التلميح والتصريح، يشترط فيها للخروج إلى المجال العام إغلاق الجنسانية أمام التعبير الفني.
بين أم كلثوم ومستمعيها خيط سحرى يصلها بالمكبوت ولا يقرّبها لدرجة البوح بالممنوع. تقدّم احالات رمزية تعكس كوامن الحوار الداخلى فى مجتمع الطبقة الوسطى المأزوم والمتطلع، وتنفذ كذلك للطبقات الشعبية بأسلوبها الأدائى المحلى والمطوّر، يقول غناؤها بلغة مفهومة ومحسوسة ما لا يباح به، ويقف على لغة خيالية خاصة، لا تصنّف فى قاموس العامية الدارجة، ولا فى تلك اللغة الاجتماعية التى يتداولها الناس، فى بعدها عن التمثّلات اليومية المباشرة أصبحت تحاكى حياة واقع متردد دون أن تناقش صراحة أو تعرض  صور هذا التردد.
مواجهة النمط السائد
تبدو أم كلثوم وفق تلك الصيغة، وكأنّها صوت القدر الذى لا جنس له، تدخل إليه الكلمات والألحان فلا تحتاج لتمييز الأنثى فيه عن الذكر. يدفعها صراعها للتكيّف داخل عالم الموسيقى، والتكيّف مع التقاليد الاجتماعيّة المحافظة، فى لحظة تاريخية محورية، لأن تسعى باختياراتها أو بأدائها الغنائى لتجاوز شروط نوعها الاجتماعى، وهو ما جعلها أيضا تكسر المتوقع منها كأنثى من ترقيق ألفاظ أو اختيار ملابس. تجاوزت أم كلثوم كل هذا، واحتضنت بعضاً من أداءات الرجال فى أدائها، مبدية عنفواناً وثقةً يحيطان الغنج والدلع، وكان اختلاط هذه العناصر مفتاح الغواية الجنسيّة فى صوتها وأدائها.
كان وقوع أم كلثوم فى هذا الموقع الأدائى المتجاوز للثنائية الذكرية/ النسائية يقربها للاستحالة على التنميط التى تدفع لنوع من التعلق الفيتيشى يجذب إليه الرجال والنساء على حد سواء، بما تمثله من اقتراب وابتعاد عن الصور النمطية للنوعين فى مجتمعها، وبرغم سعيها لتكريس التقاليد المطلوبة لعصرها، كان وعيها أو لا وعيها، مدركًا لمقامها الفنى كمؤدية تغازل تطلعات مخفية بقدر ما تتماثل مع صور اجتماعية نمطية. وكان مدخلها للجنسانية متسترًا خلف مظهرها واختياراتها الشعرية، كامنًا بالتحديد فى استثارة تلك الاستحالة التى تتمدد فى مساحة بين الجنسين الواضحين، بحيث تستحث فى كل منهما توقًا إلى  تمثل الآخر والعبور نحوه بدرجة من الدرجات، وهو ما يلمحه جمهورها فى تصرفاتها الغنائية؛ من الانسجام المتهتك مع فقرة لحنية راقصة لآهة ملتاعة تنتهى فى قفلة محكمة منتصرة، أو سخريتها الكامنة فى ابتسامة الحروف التى تنطلق من ثغر نصف مفتوح بينما تغنى عن تذلل مبالغ فيه. هنا يدخل استلهام طبيعة جمهورها الذى تدرك تردده فى تعبيرها، تعرف أن العادات والتقاليد لا تتيح للحب أن يمارَس بحريّة كافية، وهى حقيقة تستحق الألم، ولكنها أيضاً يمكن أن تكون موضع للسخرية بكل ما يتيحه ذلك من تدلل وتلاعب، الحب المنقوص بفعل العادات الاجتماعيّة يتحوّل على يديها إلى معين للتطريب.
هذا العبور يعد بمثابة الانتقال الذى حقّقته صورة “الست” الجامعة، بين ذكر وأنثى، ليس بوصفهما نوعين اجتماعيّين لكل منهما شكل ودور متوقّع، لكن بصفتهما شقين إنسانيين تحتويهما امرأة واحدة. تحقّق بهما هذا الانتشاء بالغناء، كما تعيش الألم الذى يتوافق مع هذا العذاب الداخلى الذى طبع رحلة هذه الفتاة الفلاحة من بدايتها، والذى يطبع حالة الحب الكامل غير المتحققة.كأنّها توحى بأن كل الثنائيات التى تبدو لنا أضداداً تتشكل من متجاورين : السخرية من الحب والشفقة على الذات، صلابة الذكر ورقة الأنثى، الإحساس الكامل بالسيطرة والتحكم والإحساس بالهوان والمذلة.
ادراك أم كلثوم لأوضاع النساء فى مجتمعها من نافذة وضعها الشخصي، وتركيزها على صوتها ومشروعها الغنائى كمكان وحيد لممارسة تحرّرها، دفعها لمحاكاة الرجال أيضاً، دفعها لأن تريهم مشاعرهم وآلامهم، وربما تشعرهم بمدى النّقص الذى تفرضه القوانين التى يتمسكون بها، فى تكنيك يسميه دارسو الظواهر الثقافيّة المشابهة “محاكاة المحاكاة”،  أى محاكاة صورة رمزية لاستعارة رمزيتها نفسها. من هنا يقع الرجال تحت تأثير هذا الأداء الذى يستخدم صوتهم، كائنات ضعيفة مسحورة ومتألمة، ضحايا لنفس الحب المنقوص المستحيل، بعيدين عن أن يكونوا متحكمين كما يسعون لتصوير نفسهم فى الحياة الواقعيّة.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة