برز فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، في عالم يحتاج إلى نور الحكمة والهداية، كشخصية ملهمة تجمع بين العقل والقلب. منذ بداية مسيرته العلمية في قرية القرنة الصغيرة إلى قيادة الأزهر الشريف، أظهر فضيلته رؤية ثاقبة وقلبًا صافيًا.
موضوعات مقترحة
وفي ذكرى ميلاده، الدكتور أحمد الطيب، نستضيء بضوء شخصيته المُلهمة، التي تجمع بين الحكمة والفضيلة والعلم. رجل أدرك قيمة العلم فأحكمه، وأدرك قيمة الحكمة فطبقها، وأدرك قيمة الإيمان فعاشه.
ففي رحلته العلمية والدينية، جمع الشيخ الطيب، بين التقاليد والحداثة، بين الأصالة والانفتاح. كان أستاذا للعقيدة والفلسفة، ومفتيًا لمصر، ورئيسًا لجامعة الأزهر الشريف، وشيخًا للأزهر الشريف.
تمتع الشيخ الطيب، بشخصية تتميز بالحكمة والتوازن والاعتدال، وتعكس روح الإسلام الحقيقية، التي تدعو إلى الحب والسلام والتسامح. في زمن مليء بالتحديات والصعوبات.
ففي مثل هذا اليوم السادس من يناير عام 1946م، الموافق الثالث من صفر سنة 1365هـ- ولد الأستاذ الدكتور أحمد محمد أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، في قرية القرنة، إحدى قُرى الأقصر، التي كانت تتبع في ذلك الوقت محافظة قنا، قبل أن تصبح الأقصر محافظة.
نشأ فضيلته في بيت علم وصلاح، بين أسرة صوفية زاهدة، وكان جده الشيخ أحمد الطيب ووالده الشيخ محمد الطيب يتزعمان مجالس المصالحات والأحكام العرفية التي تُقام في ساحة الطيب، وقد كان فضيلة الإمام يحضر هذه المجالس، وعندما أصبح شابًا شارك في فض النزاعات مع والده وأشقائه، ولا يزال حتى الآن يشارك شقيقه الأكبر الشيخ محمد الطيب في هذه المهمة الجليلة.
تعهدَه والده بالعناية، فحفظ القرآن في سن مبكرة، وقرأ المُتون العلمية على الطريقة الأزهرية، والتحق بمعهد إسنا الديني الابتدائي، ثم معهد قنا الديني الثانوي، ليرحل بعد ذلك إلى القاهرة طالبًا بقسم العقيدة والفلسفة بكليّة أصول الدين حتى حصل على الإجازة العالية (الليسانس) عام 1969م.
عُيِّن فضيلته معيدًا فور تخرُّجه، وبعدها بسنتين حصل على درجة التخصص (الماجستير)، وفي عام 1977م حصل على الدكتوراه عن أطروحة، عنوانها: «موقف أبي البركات البغدادي من الفلسفة المشائية»، فرُقي مُدرّسًا بقسم العقيدة والفلسفة بكليّة أصول الدين.
وفور حصوله على الدكتوراه سافر فضيلة الإمام إلى فرنسا في مهمة علمية لدراسة مناهج العلوم وطرق البحث في جامعة باريس، وهناك أجاد اللغة الفرنسية، وحضر لكبار المستشرقين والمختصين في الفلسفة.
حصل فضيلته على الأستاذية عام 1988م، وبعدها بعامين أصبح عميدًا لكليّة الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بقنا، ثم عميدًا لكليّة الدراسات الإسلامية بأسوان عام 1995م، كما تولى عمادة كليّة أصول الدين بالجامعة الإسلامية العالمية لباكستان عام 2000م.
اختير الدكتور أحمد الطيب مفتيًا للديار المصرية عام 2002م، وأصدر حوالي (2835) فتوى، وظل في هذا المنصب عامًا واحدًا؛ حيث أصبح فضيلته رئيسًا لجامعة الأزهر لمدة سبع سنوات، إلى أن اختير فضيلته شيخًا للأزهر الشريف في التاسع عشر من مارس عام 2010م.
منذ أن تولى فضيلة الدكتور أحمد الطيب مشيخة الأزهر وهو يفكر في إعادة هيئة كبار العلماء مرة أخرى بعد أن تم حلها عام 1961م، وقد تكلل جهد فضيلته بالنجاح عام 2012م؛ حيث أسفرت جهود فضيلته عن تشكيل هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف برئاسة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، وأنيط بالهيئة كثير من الاختصاصات، ومنها: انتخاب شيخ الأزهر، وترشيح مفتي الديار المصرية، وتقديم الرأي الفقهي والشري فيما يستجد من قضايا تشغل المسلمين في جميع أنحاء العالم.
ولم تكن هيئة كبار العلماء المؤسسة الوحيدة التي استحدثها فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، فقد أنشأ وشارك في إنشاء عدة مؤسسات أخرى، ومنها: المنظمة العالمية لخريجي الأزهر، وبيت العائلة المصرية، وبيت الزكاة والصدقات المصرية، ومجلس حكماء المسلمين، ومركز الأزهر العالمي للرصد والفتوى الإلكترونية والترجمة، وشعبة العلوم الإسلامية، ولجنة المصالحات العليا، ومركز الأزهر لتعليم اللغات الأجنبية، ومركز الأزهر العالمي للحوار، وأكاديمية الأزهر الشريف لتأهيل وتدريب الأئمة والدعاة والوعاظ وباحثي وأمناء الفتوى، واللجنة العليا للأخوة الإنسانية، ومركز الأزهر للتراث والتجديد.
وعلى الرغم من كثرة مسؤوليات فضيلة الإمام الأكبر إلا أنه لم ينشغل عن الجانب العلمي، فقد أثرى المكتبة الإسلامية بكثير من المؤلفات، ومنها: «الجانب النقدي في فلسفة أبي البركات البغدادي» وهي رسالته في الدكتوراه، «مباحث الوجود والماهية من كتاب «المواقف»: عرض ودراسة»، «مباحث العلة والمعلول من كتاب «المواقف»: عرض ودراسة»، «مفهوم الحركة بين الفلسفة الإسلامية والماركسية»، «مدخل لدراسة المنطق القديم»، «تعليق على قسم الإلهيات من كتاب «تهذيب الكلام» للتفتازاني»، «نظرات في فكر الإمام أبي الحسن الأشعري»، «التراث والتجديد: مناقشات وردود»، «حديث في العلل والمقاصد».
كما حقق فضيلته رسالة: «صحيح أدلة النقل في ماهية العقل» لأبي البركات البغدادي، «المستصفى في علم الأصول» لأبي حامد الغزالي، «معيار النظر في علم الجدل» لأبي منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي.
كما ترجم فضيلة الإمام الأكبر عددًا من الكتب عن الفرنسية إلى العربية، ومنها: ترجمة المقدمات الفرنسية للمعجم المُفهرس لألفاظ الحديث النبوي، وترجمة كتاب: «مؤلفات ابن عربي: تاريخها وتصنيفها»، وترجمة كتاب: «الولاية والنبوة عند الشيخ محيي الدين بن عربي».
خلال مسيرة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب حصَدَ كثيرًا من الجوائز والأوسمة، ومنها: جائزة الشخصية الإسلامية التي حصلت عليها جامعة الأزهر عام 2003م، ووسام الاستقلال من الدرجة الأولى من جلالة الملك عبد الله الثاني ملك الأردن عام 2005م، وجائزة شخصية العام الإسلامية لخدمة القرآن الكريم من دبي عام 2013م، واختار فضيلته مهرجان «القرين الثقافي» بالكويت شخصية العام الثقافية عام 2016م، ووسام دولة الكويت ذو الوشاح من الدرجة الممتازة عام 2016م، ووسام السجل الأكبر من جامعة بولونيا الإيطالية عام 2018م، وجائزة الأخوة الإنسانية من دار زايد عام 2019م، كما منحت دولة أوزبكستان فضيلته صفة مواطن فخري لمدينة سمرقند.
كما تسابقت جامعات العالم الإسلامي في تتويج فضيلة الإمام الأكبر الدكتوراه الفخرية تعبيرًا عن تقديرهم لفضيلته، فقلدتها إياه جامعة الملايا بماليزيا عام 2012م، وجامعة مولانا مالك إبراهيم الإسلامية الحكومية بإندونيسيا عام 2016م، وجامعة بني سويف المصرية عام 2016م، وجامعة أمير سونجكلا التايلاندية عام 2017م، وأكاديمية أوزبكستان الإسلامية الدولية عام 2018م، وجامعة أوراسيا الوطنية في كازخستان عام 2018م، وجامعة العلوم الإسلامية الماليزية USIM عام 2024م.
تسعة وسبعون عامًا مضت، ولا يزال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف مدافعًا عن الدين الإسلامي الحنيف، دافعًا الإساءة عن نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم، محافظًا على المجتمع المسلم، مناصرًا لقضايا المسلمين أينما كانوا، فحفظ الله فضيلته، وبارك في عمره وعلمه، ونسأل الله تعالى أن يمد في عمره، ويرزقه الصحة والعافية والعمل الصالح.