في إحدى بلاد الدنيا الواسعة، أسرع الجراح الشهير، الدكتور إيشان، على عجل إلى المطار، للحاق بالطائرة، حيث يشارك في المؤتمر العلمي الدولي، الذي سيتم فيه تكريمه، على إنجازاته الکبيرة، في علم الطب والجراحة.
وفجأة، وبعد ساعة واحدة من الطيران، أُعلنَ أن الطائرة أصابها عطل كبير، بسبب صاعقة، وستهبط اضطراريًا، في أقرب مطار.
وفي المطار، توجه الطبيب إلى الاستعلامات مخاطبًا: أنا طبيب عالمي، كل دقيقة عندي تساوي أرواح أناس، وأنتم تريدون مني أن أبقى ستَ عشرةَ ساعة، بانتظار طائرة أُخرى؟! أجابه الموظف: يادكتور، إذا كُنتَ على عجلة من أمرك، يمكنك استئجار سيارة، فرحلتك ليست بالطويلة، تقطعها السيارة في ثلاث ساعات فقط.
وافقَ الطبيب على العرض، واستحسنه، وأخذ السيارة، وسار بها، وفجأةً! انقلب الطقس مُخيفًا، وهبت الرياح عاصفةً، وهطل المطر مدرارًا، وأُظلمتِ الدنيا أمام عينيه، وصار من العسير، بل من المستحيل، أن يرى شيئًا أمامه.
واصل السير، وبعد ساعتين، استشعر التعب الشديد، وأيقن أنه قد ضل طريقه.
رأى أمامهُ بيتًا صغيرًا، فاطمأن قلبه قليلًا، وهدأت نبضاته المتسارعة، وأحس أنه الملاذ الآمن، وطوق النجاة، فتوقف عنده، وطرق الباب، فسمع صوت امرأة عجوز تقول:
تفضل بالدخول، كائنًا مَنْ كُنتَ، فالباب مفتوح.
دخل الطبيب، وطلب من العجوز المُقعدة، أن يستعمل تليفونها!
ضحكت العجوز، وقالت: أي تليفون ياولدي؟ ألا ترى أينَ أنتَ؟!
هُنا، لا كهرباء، ولا تليفونات، هُنا مساكين فقراء، ولكن تفضل واسترح، وخذ لنفسك كوب شاي ساخنٍ، وهناك بعض الطعام، كي تسترد عافيتك.
شكر الطبيب المرأة، وأخذ يأكل، وتحسنت حالته كثيرًا، بينما كانت العجوز تصلي، وتدعو ربها.
وتنبه الطبيب فجأةً، إلى طفل صغير، نائم بلا حراك، على سرير، قرب العجوز، وهي تهزه بين كل صلاةٍ وصلاة.
واصلت العجوز الصلاة والدعاء طويلًا، وبصوت متضرع هامس، تتقطع معه أنياط القلوب، فتوجه نحوها حزينًا مهمومًا، قائلًا:
واللهِ، لقد اخجلني كرمك، وأبهرني خُلُقُك، وأبكاني دعاؤك، الذي لم أفهمه، وعسى الله أن يستجيبه.
قالت العجوز: ياولدي، أنت ابن سبيل، أوصى بك الله، وأما دعواتي فقد أجابها الله سبحانه وتعالى كلها، إلا واحدة!
فقال: وماهي تلك الدعوة؟!
قالت: هذا الطفل الذي تراه، حفيدي، يتيم الأبوين، أصابهُ مرضٌ عضال، عجز عنه كل الأطباء عندنا، وقيل ليِّ إن جراحًا كبيرًا يستطيعُ علاجه يقال له، الدكتور إيشان، ولكنه يعيش بعيدًا من هنا، ولا طاقة لي بأخذ هذا الطفل إلى هناك، وأخشى أن يشقى هذا المسكين، في وجودي، ومن بعدي، فدعوتُ الله أن يُيسر أمري!
بكى الدكتور إيشان، وقال: واللهِ، يا أُماه! إن دعاءك هذا، قد عطل الطائرات، وضرب الصواعق، وحرك الرياح، وأمطر السماء، كي يسوقني إليك سوقًا.
واللهِ، ما أيقنتُ أن الله تعالي، يُدبرُ الأمور هكذا، بهذه الدقة، وتلك البراعة، وذاك الإعجاز، لعباده المؤمنين، بالدعاء إليه، والتذلل بين يديه، حين تنقطع بهم الأسباب!
قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا..
فعلًا (لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ) فلا تتوقفوا عن الدعاء!!