مولد حزب جديد يعني نافذة للحرية.. ومنبرًا للتعبير.. وفكرًا مختلفًا في التعاطي مع قضايا العمل الوطني.. ويعني أيضًا رؤية جديدة في العمل الحزبي.. ربما يقول البعض وعن حق إن الحياة الحزبية في مصر تعاني رغم كثرة الأحزاب التي يقترب عددها من 100 حزب، من ضعف وغياب عن التعايش مع قضايا المواطنين إلا ما ندر..
لكن حين يخرج إلى النور حزب جديد علينا أن نتفاءل عسى أن يعوض ما شاب الحياة الحزبية من قصور خلال العقود الماضية، شهدت فيها الأحزاب تراجعًا كبيرًا عن دورها، ولعل أولئك الذين يحملون راية الحزب الجديد يكون لديهم من الفكر والرؤى ما ينهض بالبلاد وبقضايا الأمة، في ظل تحديات جسام تتطلب كل تحرك وطني مخلص يقدم الحلول ويتصدى بفكر مختلف للمشكلات.
ولعل الإعلان عن تأسيس حزب "الجبهة الوطنية" قبل أيام ربما يحمل من الفكر الجديد ما يوفر البديل الحزبي أمام ملايين المواطنين الذين يتوقون إلى حزب يتبنى قضاياهم ويتعايش مع همومهم ويتفاعل مع مشكلاتهم، ويسعى للنهوض بهم والارتقاء بحياتهم..
القراءة الأولية لبيان التأسيس، وما خرج من تصريحات من رموز وقادة هذا الحزب وحتى اختيار اسم الحزب، وطريقة وشكل الإعلان عنه وتركيبته، تشير إلى أننا أمام تجربة استثنائية في العمل الحزبي، فقد اتخذ الحزب الجديد من اسمه ما يوحي أنه لا يضم تيارًا بعينه، ولا تحكمه أيدلوجية بعينها، بل هو حزب متعدد التوجهات والأفكار والأيديولوجيات؛ ليجمع من كل ذلك جبهة وطنية في العمل الحزبي، وهو ما بدا واضحًا من تشكيلة الأعضاء الذين تميزوا بالتنوع السياسي والفكري والأيديولوجي، وتلك حالة استثنائية لم نرها من قبل في الحياة الحزبية المصرية على مر العصور.
الحزب الوليد، كتجربة استثنائية أيضًا، ضم خبراء ووزراء سابقين ومفكرين وسياسيين وقياديين في مختلف المجالات والأطياف، وهو ما يجعل منه مؤسسة حزبية تصنع الأفكار وتضع الحلول، وقد أعجبني وصف الدكتور عاصم الجزار، وكيل المؤسسين، حين وصف الحزب الجديد، وما يجمعه من خبراء مصرية وأسماء لها وزنها، بإنه "بيت خبرة".
استئنائية التجربة أيضًا في إعلان الحزب الجديد أنه لن يكون من الموالاة ولا من المعارضة، وتلك مهمة وطنية تعد جديدة في العمل الحزبي بمصر؛ وهي تجربة جديدة ربما تنجح ويكون حزب الجبهة رائد هذا التوجه الحزبي الجديد، وفي تقديري أنها تجربة تستحق الدعم والمساندة؛ إذ إن تحرر الحزب من الموالاة والمعارضة توفر له فرصة ومرونة كبيرة في التحرك بحرية تجاه القضايا الوطنية؛ بمعنى أن الحزب إذا رأى في موقف ما للحكومة يستحق الدعم بادر بتأييده، وهنا بات في موقف "الموالاة"، وحين يرى من الحكومة ما لا يحقق صالح المواطنين -من وجهة نظره- بادر بمعارضته، وهنا أصبح في موقف "المعارضة"؛ بمعنى أوضح أن الحزب كما أعلن أنه يتحرك وفق المصلحة الوطنية، ويقدم الحلول والأفكار في جميع الأحوال تجاه قضايا العمل الوطني.
كما أن استثنائية التجربة في حزب الجبهة، إعلانه أيضًا أنه لا يسعى حاليًا للحكم؛ بمعنى أنه لا يسعى للحصول على أغلبية تمكنه من تشكيل حكومة، ولعل ذلك من النادر أن تجد حزبًا يعلن أن الحكم ليس من بين أهدافه، ولا حتى أيضًا الحصول على الأغلبية في البرلمان من بين أهدافه، ويقينًا أن الحزب يضع محددات ومستهدفات واقعية على الأقل في المراحل الأولى من نشأته، وتلك رؤية وفلسفة منطقية تستحق التقدير، إذا ما أخذنا في الاعتبار أن النشاط الحزبي هو عمل تراكمي دؤوب وشاق لا يمكن أن يأتي بين ليلة وضحاها.
يقينًا أن حزب الجبهة الجديد لا يملك عصا سحرية؛ لتخليص مصر من كل الأزمات والمشكلات التي هي نتاج عقود، لكنه يملك، كما أعلن، رؤى جديدة وأفكارًا للتعامل مع هذه المشكلات، والسعي إلى حلها، والمؤكد أن أمامه عملًا حزبيًا شاقًا، ونشاطًا على الأرض، وتحرك بين الناس يحتاج إلى جهود مضنية وخطط حزبية ولقاءات جماهيرية؛ حتى يثبت أقدامه ويكون الحزب المفضل أو "البديل" للمواطن المصري، حينها يمكن القول إن هذه التجربة قد نجحت، وتحقق حلم المواطنين في حزب يتبنى قضاياهم، ويدافع عن مصالحهم، ولا يهم أن يكون من الموالاة أو المعارضة.
[email protected]