Close ad

مجلس الأخلاقيات البيئية

2-1-2025 | 15:26

الأخلاق البيئية قيمة ضرورية لا تستقيم بدونها حياة الأفراد والمجتمعات، وترتقي هذه القيمة مع الاستثمار الرشيد للموارد الطبيعية، وتتناغم مع حفظ حقوق الأجيال المتجددة، والاستثمار الأخلاقي في مجال البيئة أصبح مطلبًا مهمًا اليوم استعدادًا للغد.

وعندما تذكر كلمة "الاستثمار"، غالبًا ماتستحضر معها القيم المادية، وما يصاحبها من حسابات الأرباح والمكسب والخسارة، واستغلال للموارد، وهي مفهوم ومؤشر عاكس لكل ما هو اقتصادي، معبرًا عن فعل الإنسان واجتهاده.

أما كلمة "الأخلاق"، فهي الأقرب الى الفطرة الإنسانية وإلى الطبيعة، والعلاقة بين البيئة الطبيعية والإنسان، ومجالها كافة الكائنات الحية، وتكاملها، قبل أن يتدخل في شأنها نشاط الإنسان، وهي الأكثر تعبيرًا عن علم البيئة "النظام الإيكولوجي" الذي أوجده الله، سبحانه، ويظل التوافق بين الكلمتين مترجمًا للسعي الدائم نحو البحث عن تطبيق معايير الاستدامة.

من سمات "الأخلاق البيئية"، مسئولية العمل والالتزام بالتركيز على تطبيق حلم الاقتصاد الأخضر؛ للوصول إلى حياة متوازنة بين كافة الأحياء على الكوكب، بين حاضر الإنسان ومستقبله، بين تفاعل الكائنات والطبيعة.

هل نحتاج إلى مجلس للأخلاقيات البيئية، لكي ينضم إلى كم المجالس المتخصصة الحالية؟ قد لا نحتاج إلى مجالس جديدة، إلا أن مجال البيئة قد يكون في حاجة إلى الاستثمار البيئي الأخلاقي المسئول.

قد يكون لدى الكيانات الاقتصادية معايير أخلاقية تضبطها مجالس أخلاقية قيمة لوضع المعايير السليمة، ومؤشرات لضبط الأداء وانضباط السلوكيات، إلا أن ذلك أكثر ضرورة في مجال البيئة، الذي دائمًا يستوعب المعايير المتجددة، وأولها تحولات المناخ، والأخلاقيات البيئية بمثابة العقيدة البيئية، ذات المفهوم الواسع متجاوزة الحدود التقليدية للأخلاقيات لتضم الإنسان وغير الإنسان.

وإذا كانت البيئة هي المكون الأساسي الذي قامت عليه الحضارات الإنسانية القديمة؛ سواء كانت عبر ما هو مادي أو أدبي، إلا أن الحضارة المصرية القديمة اهتمت بالجانب البيئي، ووضعته في صدارة لوحها المحفوظ، وفي الماضي يصنف المصريون القدماء البيئة باعتبارها الأساس للعلاقة مع العقيدة الدينية والدنيوية، فكانوا هم واضعي أسس حماية البيئة على الكوكب، فقد أمرت العقيدة الدينية بحظر القمامة، وتعمير الأرض، وعدم قطع الشجر المفيد لجمال البيئة، ويستفيد منه الناس والحيوان، وقال رسول الله ﷺ: «لا تَقْطَعُوا الشَّجَرَ، فَإِنَّهُ عِصْمَةٌ لِلْمَوَاشِي فِي الْجَدْبِ»، والمحافظة على المياه، ووصل الإسراف فيها إلى مستوى التحريم، لعظم فائدتها للإنسان والنبات والحيوان، وكذلك حرمت الصيد في توقيتات معينة، وفي وأماكن محددة، لاتاحة التوازن البيئي، والفرصة للحيوانات والطيور للتكاثر والتناسل.

ولعل مجلس الأخلاقيات البيئية "المقترح"، يشكل مظلة تجمع كافة الانشطة والقطاعات بلا استثناء، من البحث العلمي، للمياه والزراعة، والصناعة، والتعاون الدولي، وغيرها، لينظر ويدرس من زاوية مختلفة لمشكلات البيئة الحادة، التدوير والتخفيف والتكيف والتطوير، للوصول إلى نظام بيئي مستدام يرتكز على الاستخدام الرشيد للموارد الطبيعية.

لاشك أن ملف تغير المناخ يتصدر أولويات الحكومة، يصاحبه تشكيل المجلس الوطنى لتغير المناخ برئاسة رئيس الوزراء، فضلًا عن إعداد الإستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050، والإعداد لتطبيق مبادئ الحوكمة في كافة مجالات الشأن البيئي، والمقترح أن يعمل المجلس، على  تطبيق مبدأ الحوكمة في تغير المناخ، ودمج مفهوم تغير المناخ في "قانون البيئة الموحد"، الذي ما زال في مراحل التداول بين غرف التشريع.

نعلم أن وزيرة البيئة د.ياسمين فؤاد، بطموحاتها اللامحدودة، تعكف ومعها خبراء الوزارة، على إعداد الخريطة التفاعلية لتغير المناخ والتنبؤ بآثاره، وخطط المساهمات الوطنية المحددة للتخفيف من الانبعاثات للوصول إلى نسبة 42% طاقة متجددة بحلول 2030، وطموحات أخرى عديدة تسعى الوزراة للوصول إليها، ولعل المجلس المقترح، يضع مع الوزارة، المعايير الخاصة بالاستفادة من التدفقات التمويلية الدولية، مضاعفة التمويل المقدم للدول النامية بقيمة 3 أضعاف تصل إلى 300 مليار دولار بحلول 2035، وهي أحد قرارات مؤتمر المناخ الأخير "COP29".

ولعل المجلس، يستعرض المضار المتوقعة لفاتورة تغير المناخ، ففي أوروبا تجاوزت كلفة هذا التغير 600 مليار دولار 2024، كما أظهر تقرير جديد عن حملة "Insure Our Future"، وكشف أن تغير المناخ وراء أكثر من ثلث خسائر التأمين المرتبطة بالطقس على مدى السنوات العشرين الماضية، وتحقيق تنمية مستدامة متكاملة تعزز البعد البيئي في الزراعة والصناعة وإدارة المياه، بالتوسع في تنفيذ استخدام الطاقة المتجددة، والتكيف مع آثار تغير المناخ وتحقيق الأمن الغذائي وتطوير مشروعات التكيف عبر الزراعة الذكية، أما في الصناعة، فيتم عبر تعزيز مفهوم الاقتصاد الدائري والأخضر المحفز للابتكار، وإيجاد فرص عمل جديدة، والاستفادة من التجارب العالمية المحفزة على تطوير الصناعات المستدامة الوطنية.

من بين قيم الاستثمار البيئي الأخلاقي للمجلس، البحث عن سبل الاستفادة من الأراضي، حيث من غير المقبول ألا تزيد نسبة الأرض المستغلة في مصر على 7%، أي إن غير المستغل يتجاوز 90% من المساحة الكلية، والأخلاقيات البيئية للمجلس المقترح هنا، لن تتوقف حتى تحقق الطموحات، وكما ذكر المفكر عبدالرحمن الكواكبي: "ما بال الزمان يضن علينا برجال.. ينبهون الناس ويرفعون الالتباس.. ويفكرون بحزم ويعملون بعزم.. ولا ينفكون حتى ينالوا ما يقصدون".

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: