Close ad

التسول والكسب غير المشروع وأثرهما في المجتمع

1-1-2025 | 18:37

بداية لابد أن نقدم تعريفًا للتسول في اللغة، والتسول كمصطلح، فالتسول لغة: تسول يتسول تسولًا فهو متسول، تسول فلان أي شحذ، سأل واستعطى أي أطلب العطية والإحسان.

التسول اصطلاحًا: إن مصطلح التسول بمدلوله المعاصر هو مصطلح حديث، وإن كان اللفظ موجودًا قديمًا، لكنه لم يطلق على ما يطلق عليه حديثًا.

والتسول هو الاستعطاء أو طلب الصدقة، الذي يقوم به الحدث، سواء له أو لغيره، متجولًا كان أو جالسًا في مكان عام متذرعًا إلى ذلك بعرض جروحه أو عاهة فيه أو أكثر، أو إلى وسيلة أخرى لهذه الغاية.

ليس ثمة شك أن هذه الظاهرة ليست مستحدثة ولا مستجدة، وإنما هي ظاهرة قديمة قدم تاريخ الإنسانية، وعلى مر العصور، ولكل عصر متسولوه، لا فرق في ذلك بين مجتمع متقدم يعج بسبل المقومات والتقنيات الحديثة، وينعم فيه أفراده برغد العيش، وبين مجتمع نام يعيش أفراده في ضيق من الرزق، وعدم توافر حتى المقومات الضرورية التي تقوم حياة أهله، فلا فرق بينهما، لماذا؟ 

لأن الإنسان هناك هو ذاته الإنسان هنا، وإنما هي طبيعة كونية متأصلة في من مُرِّدَ على ممارسة هذه الرذيلة، حتى أصبحت مكونًا أصيلًا من مكونات شخصية هذا المتسول، وحتى نحيده عنها فلابد من علاج نفسي واجتماعي لاستئصال شأفتها من داخله.

بل ولكل عصر وسائله وأدواته التي يستخدمها هذا المتسول، ولكل زمان ومكان تقنياته وفنياته التي يستخدمها، بل ولكل مكان سلوك يسلكه الذي يمارس هذا الفعل المرذول، فالأحياء الراقية لها وسيلة معينة للنصب على أهلها، وللأماكن الشعبية أيضًا وسيلتها، بل تكون تقنيات المتسول أدق وأقرب إلى الإقناع؛ لأن في الأحياء الراقية لن يلتفت قاطنوها إلى من أمامه، ولكن سيعطي، أما في الأحياء الشعبية فمعظم أهلها من طبقة واحدة ومن بيئة واحدة؛ بمعنى أن المتسول سيجد صعوبة في الوصول إلى هدفه، ومن ثم سيتفنن في ابتكار الحجج الإقناعية.

كثيرًا ما نشاهد في حياتنا اليومية المعيشة، ونحن في الشوارع والطرقات وعلى سلالم الكباري وحتى من داخل الأنفاق، وفي وسائل المواصلات بكافة أنواعها، كثيرًا ما نشاهد ونسمع، ونحن حتى في بيوتنا من يتسولون، مستخدمين وسائل مكبرات الصوت، كأن يدَّعون أنهم أو أولادهم أو أزواجهم مرضى، ولا يستطيعون حتى القدرة على توفير قوت اليوم، ونحن لا ندخل في النية، لكن نحن بطبيعتنا كشعوب عربية تغلب عليها العاطفة والتأثر بسرعة، ولا مندوحة من ذلك، ولكن لمن يستحق فعلا، وإلا سنكون مساعدين بطريق غير مباشر لهؤلاء على التمادي في هذه الرذيلة، وبدلا من أن نقومها ونحد منها، نساعد من غير قصد على تفشيها.

وسائل وأدوات المتسول كثيرة، كمن يعصب عينيه بمنديل، وآخر يمسك زجاجة دواء، وثالث يمسك بعصا واهمًا الناس أنه أعمى، هو حقًا أعمى يتخبط في ظلمات التسول؛ لأن العمى ليس عمى البصر، وإنما عمى البصيرة التي أعمت عينيه، فلم يستطع أن يرى أفعاله الشنعاء، ورابع يمسك بطفله في يده، أو روشتة علاج، وما أكثر هؤلاء أمام المساجد الكبرى كالسيدة زينب والسيدة نفيسة والإمام الحسين وهؤلاء الأطهار بريئون من أعمال وأفعال هؤلاء، فالمؤمن الحق لا يتسول ولا يسأل الناس إلحافًا، لكن هؤلاء وأمثالهم كل الأديان منهم براء.

ليس هذا فحسب؛ بل يمتد خطر ذلك إلى بعض المدارس والمؤسسات التعليمية تسول بصورة مقنعة، فبعضهم يجبر التلاميذ على شراء ملازم تعليمية، بما يسمى تلخيص للمقررات في منتصف الفصل الدراسي، ثم يفرض عليهم شراء تلخيص للتلخيص قبيل نهاية التيرم، ثم يبيع ملازم مراجعة ليلة الامتحان؛ فبأي حق يستبيحون ذلك، وكيف يقبلون أن يدخلوا على بيوتهم ويطعموا أولادهم حرامًا، وكل لحم نبت من حرام فالنار أولى به.

لكن العيب ليس في هؤلاء، بل في من يشجعهم، ولا أعفي أولياء الأمور من ذلك؛ الذين رهنوا أنفسهم وأصبحوا فريسة للخوف، الخوف من هذا أو هذه أن ينكلوا بأبنائهم.

إذا لم نتصدَ بكل حزم لهؤلاء وهؤلاء فسيتمادون في أفعالهم التي قد تودي بالمجتمعات إلى الهاوية، بل وسنشجع على اللامبالاة وعلى التواكل، طالما أن هذا الكسب غير المشروع تمت إباحته وغض الطرف عنه، فسنكون مشجعين على التواكل وترك أعمالنا وأشغالنا طالما هناك سهولة في الكسب والتربح، ومن ثم بات جليًا التصدي بكل ما أوتينا من قوة لهذه الظاهرة التي استشرى خطرها.

التسول والتربح غير المشروع رفضته كل الأديان، فجميع الأنبياء كانت لهم حرف يقتاتون منها فمنهم الراعي، ومنهم التاجر، ومنهم النجار.

وها هو النبي محمد "صلى الله عليه وسلم"، يأتيه رجل يطلب منه مالًا، فيرفض النبي أن يعطيه؛ لأنه بكامل قوته وصحته، ولكن أعطاه درسًا في كيفية الكسب المشروع؛ أقرضه مالًا، وقال له اذهب واشترِ قدومًا واحتطب، وبع واشترِ طعامًا لأهل بيتك، هل هذا أفضل أم التسول والشحاذة؟!

لابد أن تتضافر كل الجهود للقضاء على هذه الظاهرة البشعة ونحن مقدمون على جمهورية جديدة، فهل من المعقول أن نبني دولة قوية ويوجد لدينا متسولون يمارسون هذه الرذيلة؟! هل يعقل هذا ونحن مقدمون على بناء دولة مدنية حديثة تواكب ركب التقدم الحضاري؟!

نعم لابد أن تتضافر كل الجهود وتلتف حول هؤلاء المتسولين لتضييق الخناق عليهم، بالكلمة، جهاد الكلمة عن طريق عقد الندوات التوعوية لتوضيح خطورة هذه الظاهرة على الفرد أولًا، لأنها تهدر كرامته التي كرمها الله تعالى، وكذلك المجتمع الذي سيشيع فيه الفوضى والعبث واللامبالاة، وهذا دور علماء الاجتماع وعلماء النفس، وعلماء الدين، المؤسسات الدينية ، الأزهر، الأوقاف، الإفتاء، الكنيسة، كل هؤلاء عليهم معول رئيس في دحر هذه الظاهرة الخبيثة، وكذلك الشرطة المدنية عليها دور لا يقل في الأهمية عن جهاد الكلمة؛ مستخدمة عصا القانون وتطبيق القانون بحذافيره دون هوادة مع كل من تسول له نفسه ممارسة هذه الخطيئة، نعم التصدي بكل ما أوتينا من قوة لأمثال هؤلاء الذين يعيثون فى الأرض فسادًا.

وإن جاز لي أن أوصي، فهذه وصاياي:

الوصية الأولى:
فكما أن هناك يومًا عالميًا لمكافحة الإرهاب والإدمان والمخدرات، فخطر التسول لا يقل عن هؤلاء، فلماذا لا يكون هناك يوم عالمي لمكافحة التسول والتصدي له؟!

الوصية الثانية:
كذلك أوصى بسن تشريعات جديدة وقوانين رادعة تطبق على هؤلاء بمحاكمات ناجزة عاجلة وتطبق أقصى العقوبات على من يضبط متلبسًا بالتسول.

الوصية الثالثة:
عقد ندوات فكرية في كل المنتديات والمؤسسات المهتمة بالثقافة، فوزارة الثقافة لها دور، ووزارة الإعلام لها دور خطير، ووزارة التعليم العالي والتربية والتعليم لها دور مهم، وجامعة الأزهر والأزهر الشريف والأوقاف لهم دور.

الوصية الرابعة:
عفوًا، لا أحد يعلق ويبيح ويشجع التسول، على شماعة الفاقة والفقر وظروف الحياة والمعيشة وضيق الرزق، ليس هذا مبررًا أن يكون شابًا يافعًا لو ضرب الأرض بقدمه لخرقها، ونقول ظروفه صعبة، لا يجد عملًا، أو نقول دعه عنده أطفال، يا سادة لو وضع عربة خضار أو فاكهة وباع واشترى لكان خيرًا له من التسول والتشرد في الشوارع.

* أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة