تكبد العالم الكثير من المشاق، وعانى الكثير من العثرات والآلام خلال عام 2024، الذي سيودعه غير آسف ولا نادم على رحيله، فقد كان الانقسام والتشرذم سمته الغالبة والطاغية، منذ بدايته وحتى نهايته، وأصبحت مبادئ العدل والإنصاف ونصرة المظلوم محل شك، وخير شاهد ماثل أمام أعين الجميع، هو غزة وما يجري فيها من مجازر ومذابح فاقت في وحشيتها وبشاعتها ما ارتكبه النازيون من جرائم قبل وفي أثناء الحرب العالمية الثانية.
تزامن مع هذا الانقسام تنامي المد اليميني المتطرف في دول عدة على كوكب الأرض، رافعًا راية العنصرية والطائفية وعدم قبول الآخر، بدلًا من الدعوة للتعايش والتسامح والوئام، ووجدنا حاكم البيت الأبيض الجديد دونالد ترامب، يبني حملته الانتخابية، التي أوصلته ثانية لسدة الرئاسة، على حتمية تنقية المجتمع الأمريكي من جنسيات وأعراق يعتبرها تزاحم أهل البلد الأصليين في قوتهم وأرزاقهم، على الرغم من أن بلاده تأسست ونمت ونهضت بسواعد مهاجرين وفدوا إليها من كل حدب وصوب، وباتوا دعائم وركائز قادت الولايات المتحدة إلى احتلال اقتصادها المرتبة الأولى عالميًا، وتأثيره غير المحدود على الاقتصادات الأخرى، وبالتبعية أضحت صاحبة نفوذ دولي طاغٍ حتى الآن.
في الوقت نفسه، بدت المنظمات والهيئات الدولية في 2024 منهكة وعاجزة، إن لم تكن مشلولة، وهي تتابع ما يفعله الإسرائيليون بوقاحة متناهية، غير عابئين بالقوانين والأعراف الدولية، بذريعة حق إسرائيل في الدفاع عن النفس، وتتصرف تحت العباءة الأمريكية، التي توفر لها الحماية وتبرر لها أفعالها وجرائمها المشينة بحق المدنيين والمنشآت المدنية، وأولها المستشفيات، والتهجير القسري للفلسطينيين من منازلهم، وتعمد تدمير البنية التحتية بصورة كاملة.
في حين تعمقت أكثر فأكثر الآثار السلبية الناتجة عن استشراء واستفحال ظاهرة التغير المناخي، التي لم تجد حلًا ناجعًا لها، على الرغم من عقد مئات المؤتمرات والمشاورات الرامية لإنهاء هذه الأزمة المستعصية، وما يتبعها من تأثيرات على اقتصادات البلدان النامية على وجه الخصوص، التي تئن تحت وطأة متاعبها وأزماتها المتكاثرة.
ما سبق ليس سوى شذرات ونماذج مما عاناه عالمنا في 2024، والمجال لا يتسع للاستفاضة فيها، ولذلك فإنه يتوق لطي صفحته واستقبال 2025 بصدر رحب، تحدوه آمال عريضة في أن يكون عام لم الشمل، وأن تتوقف آلة الحرب الدائرة في مناطق متفرقة، سواء في الشرق الأوسط المشتعل على أكثر من جبهة تتصدرها غزة ولبنان واليمن، وكذلك الحرب الروسية الأوكرانية، وتنامي المخاوف المثارة في القارة الأوروبية من اندلاع حرب عالمية ثالثة، إذا استخدمت كييف ما حصلت عليه من صواريخ باليستية متقدمة ضد روسيا، التي هددت باستخدام أسلحتها النووية للرد عليها، وعلى أي مصدر آخر يهدد أمنها القومي وسلامة أراضيها، وأن تعاود الجماعات الإرهابية أنشطتها الشيطانية.
يصبو العالم في 2025 إلى أن تخمد وتختفي الأصوات الزاعقة الداعية للعنصرية والفُرقة، وتصنيف البشر على أساس لون بشرتهم ودياناتهم، وأن يصدح صوت الإنسانية عاليًا، وأن يُعاقب كل من ارتكب جرائم ضد الإنسانية بسوط القانون، ليكون عبرة لمَن يُقدم على ارتكابها لاحقًا، ظنًا بأنه سيفلت من العقاب الأليم، كما يتمنى أيضًا أن تحافظ الدول على تماسكها وصلابتها في وجه محاولات التقسيم والتجزئة، التي يسعى إلى تنفيذها البعض، مثلما نرى حاليًا في سوريا المقسمة للأسف بين العديد من الفُرقاء.
ختامًا نقول وداعًا 2024، ودعونا نأمل ونستبشر بأن يحمل 2025 الخير والنماء لشعوب عالمنا المأزوم، وأن يحفظ الله مصر وشعبها ومؤسساتها الوطنية، وكل عام والجميع بخير.