دون شك يمكننا القول أن العام شبه الحالي، والذي سوف ينتهي بنهاية هذا اليوم، هو عام الأزمات وأن رحيله لم يكن أبدًا مأسوفًا عليه، بل إن الجميع كانوا يتمنون رحيله بكل عثراته وأزماته، وانتكاساته على كافة المستويات -آملين في أوضاع أفضل في العام الجديد- خاصة ما شهدته منطقتنا من تطورات وأحداث متلاحقة غيرت كثيرًا من المشهد المألوف بها، بل حولت المنطقة إلي بؤرة صراع ونزاع دولي، لا يعلم أحد متى ستكتب فصول نهايته ولصالح من؟!
ولذا فإن أحداث هذا العام، التي كان لنا في الشرق الأوسط نصيب الأسد منها، سوف تترك بصماتها علينا لفترات طويلة، خاصة ما حدث في سوريا وانهيار الجيش الوطني، واستيلاء قائد "هيئة تحرير الشام" أحمد الشرع الملقب بـ"الجولاني" على مقاليد الحكم، بدعم مادي وعسكري واضح من دول وأجهزة استخبارات إقليمية ودولية؛ للحفاظ على مصالحها في سوريا، دون النظر لمصالح الشعب السوري نفسه، ووحدة الأراضي السورية، بل إن عددًا من تلك الدول سارعت إلي مباركة تولي الجولاني وجماعته السلطة، وبدأت تلك الدول في التنسيق فيما بينها لتقسيم "تورتة إعادة الإعمار" في سوريا، التي دمرتها سنوات الحرب والصراع منذ ٢٠١٣.
بل إن تلك الدول سعت أيضًا، وبمباركة أمريكية – إسرائيلية، لتقليم أظافر إيران إقليميًا، وحصار الجماعات المدعومة منها؛ سواء حزب الله في لبنان أو حماس في غزة، وأخيرًا الجماعات الموالية لها في سوريا، وبالتالي خروج إيران من المشهد الإقليمي بصورة كبيرة لصالح التمدد التركي والإسرائيلي في المنطقة، وهو ما سيغير من معادلات القوى الموجودة على الأراضي السورية، وسوف يؤثر أيضًا على الأوضاع في سوريا وباقي دول المنطقة، التي تسعى للتعامل مع الأزمات بطريقة تحافظ على أمنها القومي واستقرارها، في ظل موجة التوتر واللايقين، التي تضرب الكثير من دول المنطقة.
وبالطبع لم تتوقف أزمات عام ٢٠٢٤ عند سوريا، بل شهد أيضًا تراجعًا كبيرًا لنفوذ حزب الله في لبنان واغتيال عدد من قياداته؛ في مقدمتهم حسن نصر الله، وتدمير إسرائيل لجانب كبير من جنوب لبنان، وإحكام سيطرتها وتمركزها داخل الجنوب، في الوقت الذي تستمر فيه قوات الاحتلال الإسرائيلي في تدمير ما تبقى من قطاع غزة، وقتل واغتيال آلاف الفلسطينيين من الأطفال والنساء والرجال المدنيين، وقصف المستشفيات والملاجئ والمخيمات بصورة وحشية لم تشهد أي حرب سابقة في العالم تلك الممارسات الوحشية وغير الأخلاقية، التي قامت وتقوم بها حكومة نتنياهو –مجرم الحرب– في غزة التي أسفرت –حتى الآن– عن سقوط أكثر من ٤٣ ألف شهيد وأكثر من مائة ألف مصاب، إضافة إلى آلاف الفلسطينيين مازالوا تحت الأنقاض.
وأعتقد أن استمرار تدهور الأوضاع بصورة كبيرة في السودان واستمرار الاشتباكات والمعارك بين الجيش الوطني وقوات الانتشار السريع، المدعومة من بعض الدول والجهات، أدى إلى تعميق مأساة الشعب السوداني الشقيق، خاصة في العاصمة الخرطوم، التي تشهد شوارعها الاشتباكات الرئيسية بين الجانبين، دون النظر إلى أهمية عودة السلام والاستقرار لشعب السودان، وعودة النازحين -سواء داخليًا أو خارجيًا- إلي ديارهم، بالإضافة إلى الأوضاع المتردية سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا في ليبيا واليمن والصومال.
والمؤسف حقًا هو الموقف المتخاذل من المنظمات الدولية والإقليمية في العالم تجاه تلك الأزمات، خاصة تجاه الممارسات الإسرائيلية الإجرامية في غزة ولبنان وعدم قدرة الذراع القوية للأمم المتحدة –مجلس الأمن– في اتخاذ أي قرارات، في ظل الحماية الأمريكية القوية لإسرائيل، بل إن شعوب العالم فقدت الثقة تمامًا في تلك المنظمات ودورها على كافة المستويات، وبات واضحًا أنها تعمل بلا رؤية أو قدرة أو إرادة لإنقاذ العالم من الأزمات التي يتعرض لها، خاصة في منطقة الشرق الأوسط.. ولا عزاء للأمم المتحدة.. ولا أسف أو ندم على رحيل عام ٢٠٢٤.
[email protected]