الزمان.. قبل دقائق من منتصف ليل 31 ديسمبر، المكان.. وسط مدينة الإسكندرية، سار الرجل الأربعيني بهدوء في شوارع عروس البحر المتوسط؛ مستمتعًا بأجواء شتوية بديعة؛ حيث الأمطار الغزيرة التي أظهرت جمال مباني الإسكندرية العتيقة، ولامست الرياح الباردة وجه الرجل ويديه فتلحف معطفه الصوف.
موضوعات مقترحة
أجواء أوروبية يسير في رحابها الأربعيني، تلمع عيناه من كثرة ما انعكس عليها من أضواء بددت ظلام الشتاء، وبينما يسير في هذه الأجواء، ينصحه أحد الجالسين على المقهى بالاحتماء، ربما قصد الاختباء.
لم يفهم الرجل سبب النصيحة، ولم يعيرها اهتمامًا؛ إلا بعد أن لاحظ أن زحام الشوارع يتبدد من حوله، وجرى بعض المارة إلى داخل مداخل العمارات، وأسفل شرفات المنازل، وإلى داخل المقاهي.
بدأ الخوف يتسلل إلى قلب الرجل الزائر، الذي وصل إلى المدينة للاحتفال برأس السنة؛ فقرر الرجل سؤال أحدهم عن السر وراء تلك النصيحة، فأجابه: «للنجاة من عادة السكندريين الغريبة في ليلة رأس السنة.. والتي ستبدأ مع دقات منتصف ليل يوم 31 ديسمبر».
وما أن اختار الرجل أول مقهى صادفها للاحتماء بها، بدأ في سماع أصوات تكسير، وتحطيم تتوالى من هنا وهناك، ووجد الشوارع وقد امتلأت بالزجاج المكسور، ليبدد أحد السكندريين استغراب الأربعيني الزائر مبتسما: «أنها عادة سكندرية أصيلة تتعلق بإلقاء المواطنين للزجاج من النوافذ والشرفات في الطريق العام؛ لتوديع عام مضى واستقبال أخر جديد».
أصل عادة السكندريين في رأس السنة
وعن السبب التاريخي لتلك العادة الغريبة، أكد الدكتور إبراهيم عناني، عضو اتحاد المؤرخين العرب، أن هذه العادة تعود إلى فترة تواجد الجاليات الأجنبية في الإسكندرية، إبان منتصف القرن التاسع عشر، وحتى رحيلهم في منتصف القرن العشرين.
وأوضح «عناني» في دراسته التي أعدها عن تلك العادة السكندرية، أنه كان من بين احتفالات الجاليات الأجنبية وخاصة الجاليات اليونانية والإيطالية أن يلقوا مع دقات الساعة الثانية عشر منتصف ليل 31 ديسمبر من كل عام - يوم رأس السنة - زجاجات الخمور الفارغة على أرضية المقاهي وعلى طريق الكورنيش؛ احتفالا بانقضاء عام، وبداية أخر جديد، اكتسب الشباب السكندري تلك العادة.
وأضاف عضو اتحاد المؤرخين العرب، أن السكندريين يعتقدون أنه بتحطيم الزجاج القديم مع نهاية عام، فإنهم يودعون أحزانهم خلال هذا العام بشكل رمزي.
تحذير من عادة السكندريين في رأس السنة
وفي السياق، حذرت هيئة تنشيط السياحة بالإسكندرية من عادة إلقاء الزجاج، مع احتفالات رأس السنة الميلادية.
وأوضحت الهيئة، أن شوارع الإسكندرية تظهر قبيل منتصف ليل اليوم الأخير في العام خالية من المارة والسيارات؛ خشية سقوط الزجاج والأشياء القديمة عليهم؛ ما يجعله طقسا وعادة سيئة، قد تلحق الأذى بالمواطنين.
عمال النظافة أكثر المتضررين من عادة السكندريين في رأس السنة
وناشدت الهيئة المواطنين؛ البعد عن تلك العادة «الغريبة»، مؤكدة أنه ليس لها علاقة بالاحتفال بقدر ما تؤذي البشر؛ حيث يعاني عمال النظافة أثناء إزالة حطام الزجاج من الشوارع والميادين وكثيرًا ما يصابون أثناء عمليات جمعها والتخلص منها.