Close ad

البحث عن لوتس عبدالكريم

31-12-2024 | 11:36

أتلمس حاليًا خبرًا عن د.لوتس عبدالكريم، بعد أن اتصلت بها لتهنئتها بالعام الجديد، كعادتي، فوجدت الموبايل لم يعد موجودًا في الخدمة، وكنت أحرص على الاتصال بها في المناسبات، ربما كل بضعة أسابيع وأحيانًا أشهر. 

خروج موبايلها من الخدمة، سبب لي القلق على المثقفة المصرية الكبيرة، والتي كان موبايلها لا يتوقف عن الرنين، كما أنها لم تكن ترفض الرد على أي مكالمة، فجربت الاتصال برقم منزلها على نيل المعادي، الرقم المسجل باسم حفيدها زياد سالم، ولم يعد موجودًا هو الآخر، كما أن صفحتها على الواتس لا تعرف منشورات جديدة.

قادني تعطل الرقمين إلى القلق بشأن الصديقة التي كنت من آخر الموجات من أصدقائها، كنت أعرفها كمثقفة وكاتبة وناشرة، وبحثت عن أصدقائها السابقين، ولم أجد أحدًا التقاها منذ ستة أشهر على الأقل، كما أنه لا يُعرف أي شيء عنها، والكل رجح أنها ربما تكون مريضة، ولا تحتاج إزعاج، أو في ظل رعاية عائلية شديدة الاهتمام بها، وبعدم إزعاجها؛ لأنه لا تفسير آخر.
 
ونبهني البعض إلى مقال الزميل محمد أمين في جريدة "المصري اليوم"، والذي سبق أو واكب أو التفت إلى اختفاء الدكتورة لوتس فجأة من حياتنا في الفترة الأخيرة، وكتب تحت عنوان "أخبار دكتورة لوتس" عن دعوة أحد أصدقائها، وهو اللواء مجدي دياب، إلى إنقاذ لوتس عبدالكريم، وطالب اتحاد الكتاب بالتدخل.

والدعوة هكذا تفتح القوس على آخره لمزيد من القلق، كما لاحظ أمين، وعلى تفاسير عدة للاختفاء المفاجئ، والذي إجابته عند أسرتها بالتأكيد، والتي من واجبها إصدار بيان حول صحتها؛ لأنها شخصية عامة.

لقد عرف من هم حول د.لوتس كل ما يخص الثقافي والسياسي والإبداعي عنها، ونشرت هي في "رحلة البحث عني.. رواية حياة"، والذي أعده أجمل سيرة نسائية عربية، تفاصيل عن حياتها مع أسرتها ودراستها في قسم الفلسفة بجامعة الإسكندرية، ثم في جامعات لندن وباريس، وعن تجوالها في العالم، وزواجها، وعن وحيدها الذي غاب وأوجع القلب. 

لكن لم يعرف المحيطون بها، وكانوا كثر، وحضرتهم في صالونها أكثر من مرة، وهم من النخب السياسية والثقافية والاعلامية في البلد، أي شيء عن العائلة السكندرية.

تأخرت في التعرف عليها، وقادني إلى المعرفة الرائعة صديقنا المشترك الشاعر الكبير أحمد الشهاوي، الذي قدم كتاب سيرتها الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية بدراسة عميقة ومؤثرة، حضرت حفل التوقيع الذي أقامه لها الناشر الكبير الأستاذ محمد رشاد، في معرض القاهرة الدولي للكتاب في يناير عام 2014، وحصلت على نسخة بإهدائها، وشدتني السيرة النادرة في ذاتيات المرأة العربية، وكتبت عنها في جريدة الحياة اللندنية مقالًا بعنوان: "الأنثى حين تبحث عن نفسها"، ومن فرط دهشة رئيس التحرير جهاد الخازن مما كتبت، قرر التعرف إليها والاقتراب من هذا النموذج النسائي الفذ، كما تحدثت عن الكتاب والمرأة المقاتلة و"مصارحة الحياة" أمام المجلس المصري للسياسة الخارجية في المعادي.
 
شقة لوتس على نيل المعادي هي تجسيد حي لمثقفة كبيرة قبلت الحياة كما هي، لكنها تمردت وقررت أن تكون نفسها، وأن تحقق ذاتها، وما تيسر من أحلامها، واتسم أثاث هذه الشقة الدافئة بالذوق والحس الكلاسيكي، هي التي أبدعت في إحساسها بالفن التشكيلي، وعلى الجدران لوحات مهمة تشي بتوجهاتها، وهي التي ساندت الفنانة التشكيلية الملكة فريدة سابقًا، وأعطتها مساحة للرسم، كما أنها دعمت الثقافة الرفيعة بإصدارها "الشموع". 

وفي كتب تالية لها أو سابقة، المهم أنها أهدتها لي، يتنفس محمد عبدالوهاب ومصطفى محمود وأحمد بهاء الدين ويوسف وهبي وصلاح طاهر وأنيس منصور، وكل العالم الذي عاشته في قاهرة النصف الثاني من القرن العشرين. 

كانت د. لوتس عبدالكريم وزارة ثقافة موازية تجمع وتشيد الجسور بين أجيال مختلفة، ميلادًا وفكرًا، وكان الحضور لديها متميزين، ويستطيعون هناك أن يكونوا أحرارًا؛ فيما يطرحونه من أفكار ومن آراء في القضايا والأحوال، من دون خوف من تهميش أو ملاحظات فجة، هي الحضور الثقافي العميق المتزن والمتسامح الذي أرادته.

ليس اختفاء لوتس الأمر المحزن الوحيد في حياتها، وربما الأخير، لأن كتاب سيرتها المهم كشف عن حياة تناوبت فيها الأفراح والأحزان، لكنها كانت قادرة على التجاوز، في كل مرحلة. 

أذكر أنني كتبت في جريدة "الحياة" اللندنية أن "أجمل ما في الدكتورة لوتس عبدالكريم أنها كتبت أو عاشت لتروي كما أخبرنا الروائي الكولومبي جابرييل جارسيا ماركيز، وهي اخترقت بحرية عريضة سواتر نسائية متراكمة، وتجرأت بعد أن انتهت بأصابع فارغة، رغم ما امتلكته هذه الأصابع لعقود طويلة من حياة صاخبة".

فهل ينظر أصدقاؤها ليجدوا أصابعهم فارغة منها أيضًا؟ وكيف يمكن ألا يعرف أحد أين هي أو يعرف أي شيء عن أحوالها الصحية والإنسانية؟ 

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: