مسرح الصالات قدم عروضا ضد الاحتلال وعالج مشاكل اجتماعية مثل البطالة والإدمان
موضوعات مقترحة
لهذا السبب ظهر جيل عظيم من مسرحيى القطاع الخاص فى الستينيات
جيل السبعينيات حرق نفسه بسبب المسرحيات المعلبة وكان أبرز نجومه يونس شلبى وسعيد صالح
قضى معظم عمره فى رحاب «أبو الفنون»، يبحث وينقب فى تاريخه، يدون ويؤرخ، فكانت موسوعة المسرح المصري، من أبرز إنجازاته، التى أصبحت مرجعا لكل مهتم بهذا الفن سواء المتخصصين فى دراسته أم عشاقه ومتذوقيه، علاوة على كتب أخرى عديدة تعد إضافة حقيقية فى عالم المسرح ، إنه الدكتور عمرو دوارة صاحب المواهب والملكات المتعددة، فهو الناقد والمؤرخ والمخرج، والذى يحظى أيضا بالعديد من الألقاب لعل من أشهرها، جبرتى المسرح وحارس ذاكرة المسرح المصري، وأن كان يفضل اللقب الأخير.
عن هذه الموسوعة وعن عالمه المسرحى كان لـ «الأهرام العربي» هذا اللقاء معه.
ما الذى جعلك تقدم على كتابة هذا الموسوعة التى تحوى 18 جزءا؟
إحساسى بالمسئولية، الذى لازمنى لسنوات طويلة حتى أنجزتها، فرغم تخرجى فى كلية الهندسة 1978 ثم حصولى على الدكتوراه فى هندسة نظم المعلومات1986، واضطرارى للعمل فى عالم التوثيق بالمكتبات، الذى بسببه حصلت على دورات فى مركز الأهرام للمعلومات، وجعلنى أعمل فى عدة أماكن منها وزارة الصحة والأدلة الجنائية بوزارة الداخلية،فطوال هذه الفترة كنت أشعر بالحزن الشديد، لأنها أبعدتنى عن فن المسرح الذى أعشقه، علاوة على أننى كنت فى نفس الوقت أجد موسوعات كثيرة فى السينما، برغم أن بيانات أى فيلم مسجلة فى التترات الخاصة به، وهو ما لم يكن متوافرا للمسرح، خصوصا أن أغلب المسرحيات لم يتم تصويرها، بالتالى ليس بين أيدينا بيانات كافية ولا موسوعات، فقلت لماذا لا أقدم هذه الخدمة لبلدي؟ والحمد لله قد فعلت .
لاشك أنه خلال عملك بالموسوعة اكتشفت الكثير مما لا يعرفه الناس عن عالم المسرح ؟
بالطبع، فموسوعة المسرح التى تتكون من 18 جزءا، تحوى مناطق لم يقترب أحد منها من قبل، مثل مسرح الصالات، وهو ليس كما يتصور الكثيرون مسرح الكباريه، لكنه مسرح وطنى، كان يقدم عروضا ضد الاحتلال ومشاكل اجتماعية مثل البطالة والإدمان، ولم يكن المسرح قاصرا وقتها - كما يعتقد الكثيرون- على صالة بديعة مصابني، بل كان هناك أيضا صالات ببا عز الدين ومارى منصور ورتيبة وإنصاف رشدى وفتحية أحمد، وبالتالى كان لدينا تاريخ، طويل من المسرح الذى قادته فرق القطاع الخاص، وشهد قامات مسرحية خالدة فى تاريخنا، مثل عزيز عيد الذى كان يخرج لمسرح الصالات ويؤلف له بديع خيرى وأبو السعود الإبياري.
بجانب فرق القطاع الخاص، تولت الدولة مسئولية المسرح و لا تزال، فكيف كانت البداية؟
أول فرقة مسرحية حكومية أنشئت فى الشرق الأوسط والوطن العربى، كانت فرقة «المسرح القومي» سنة 1935، ثم فرقة «مسرح الجيب» فى أوائل الستينيات، وكان أول عرض لها «لعبة النهاية»تأليف صمويل بيكيت وأخرجه مديرها سعد أردش، وكانت هويتها تعتمد على تقديم عروض أجنبية من المسرح العالمي، لكن عندما قام المخرج سعد أردش بترشيح الفنان كرم مطاوع لقيادة هذه الفرقة، غير هويتها فجعل منها مسرحا شعبيا، شهد تقديم العروض من المسرحيات منها» ياسين وبهية» لنجيب سرور و»شفيقة ومتولى» بجانب استمرارها فى تقديم النصوص العالمية، بعد ذلك بدأت تجربة مسرح التليفزيون التى بدأت بثلاث فرق هى «السلام، النهضة، الحرية»، وفى العام التالى تم إنشاء فرقة «المسرح الحديث» بقيادة محمد توفيق، والمسرح الكوميدى بقيادة محمود السباع،والمسرح العالمى بقيادة حمدى غيث، كما تم إنشاء فرقة مسرح «الحكيم» بقيادة رشاد رشدي،إلا أنه فى عام 1966 تحولت تبعية هذه الفرق من مسرح التليفزيون إلى مؤسسة المسرح والسينما والموسيقى.
هذه التبعية هل كانت الشرارة لظهور فرق مسرحية خاصة جديدة؟
بالفعل كانت كذلك، رغبة من نجوم المسرح فى التمرد على الروتين الحكومي، فكان من نتيجة ذلك ظهور جيل عظيم من المسرحيين منهم فؤاد المهندس، محمد عوض، أمين الهنيدي، سمير خفاجي، يوسف عوف، خيرية أحمد، شويكار، عقيلة راتب، نجوى سالم، أبو بكر عزت، حسن مصطفى، جمال إسماعيل، وغيرهم، فكانت قفزة كبيرة فى عالم فرق القطاع الخاص، جعلتنا نرى فرقا جديدة مثل الفنانين المتحدين ومسرح مدبولى وغيرهما، خصوصا أنه قبل ذلك لم يكن هناك سوى عدد محدود منها مثلا الكسار، الريحاني، إسماعيل ياسين.
ما الذى اكتشفته أيضا من خلال بحثك لإعداد هذه الموسوعة ؟
إن جيل السبعينيات حرق نفسه بسبب اتجاهه للعمل فى المسرحيات المعلبة، وهى مسرحيات سريعة جدا، تم تصويرها من أجل العرض فقط على المحطات التليفزيونية، لدرجة أنه كان أحيانا يتم تقديم مسرحيتين أو ثلاث فى اليوم الواحد، وعدد كبير من هذه المسرحيات كان من إخراج عبد الغنى زكي، كما كانت تسند البطولة النسائية لفنانات من الدرجة الثانية أو الثالثة، مثل فريدة سيف النصر وفادية عكاشة وغيرهما، وقد سجلت فى الموسوعة نحو 470 مسرحية من هذا النوع.
من أشهر الفنانين الذين حرقوا أنفسهم فى هذا النوع من المسرحيات؟
كثيرون، أذكر منهم يونس شلبي، سعيد صالح، مظهر أبو النجا، أحمد بدير، أحمد راتب، محمد أبو الحسن، وغيرهم الكثير ممن فقدوا بريقهم بسبب هذه النوعية، لأنها فقدت مصداقيتها لدى الجمهور بسبب سوء اختياراتهم، فكانت أعمالا غير جيدة فى مجملها، وهى فترة كانت مختلفة تماما عن حالة المسرح فى الستينيات، التى قدمت فيها أعمالا رائعة لا يمكن أن يمل المشاهد منها، حتى لو شاهدها عشرات المرات مثل: «سيدتى الجميلة، لوكاندة الفردوس، أصل وصورة»، وغيرها من المسرحيات التى لا تزال تعيش بيننا حتى اليوم، لذلك أرى فترة السبعينيات كانت بداية الانحدار فى الفن المسرحى وتقديم النمط الاستهلاكي.
كم الوقت الذى استغرقته فى إعداد الموسوعة؟
استغرقت 27 سنة، ولم يقتصر الأمر على ما أنفقته فيها من سنوات عمرى، لكنى أيضا أنفقت عليها الكثير من أموالى التى ذهبت فى جمع مادتها، وكذلك صورها التى أنفقت عليها المزيد من أجل ترميمها لكى تصبح عالية الجودة، خصوصا أن ما حصلت عليه من صور لم يكن بالأمر الهين، فمثلا عندما كنت أقوم بجمع المعلومات عن مسرحيات الفنان عبد المنعم مدبولي، اضطررت لأن أذهب إلى ابنته التى تسكن فى مدينة السلمانية على طريق مصر الصحراوى، لأكتشف بعد هذا المشوار الطويل والمرهق، أنه ليس لديها الصور التى كنت أبحث عنها، علاوة على مشاوير لمحافظات أخرى بعيدة عن القاهرة مثل الإسماعيلية وغيرها، من أجل الحصول على صورة أو معلومة، لذلك أرى أن هذه الموسوعة، كان الأولى بعملها هو المركز القومى للمسرح الذى تأسس فى الستينيات، وشهد تعيين الكثير من الموظفين منذ بداياته حتى اليوم، والذين لم يبذلوا ربع الجهد الذى قمت به، فما لديهم لا يمثل 10 % مما لدي.
بعيدا عن موسوعة المسرح ماذا عن كتبك الأخرى؟
لى عشرات الكتب فى مختلف المجالات المتعلقة بالمسرح منها، كتاب عن المسرح القومى بعنوان «المسرح القومى منارة الفكر والإبداع»وكتاب آخر عن مسيرة المسرح الكوميدى وقد صدر عن المركز القومى للمسرح، علاوة على كتب أخرى كثيرة توثيقية عن المسرح وأيضا عن كبار الفنانين والمخرجين مثل حسين رياض وسميحة أيوب ويوسف وهبى وأمينة رزق وعبد الله غيث وغيرهم.
ماذا عن أمنياتك المقبلة؟
أنا حاليا لدى 70 سنة، كل أملى أن يهتم الإعلام بالموسوعة، ويسلط عليها الضوء، ويكشف ما توصلت إليه من أشياء بمثابة الكنوز التى يجب أن نتعرف عليها الأجيال الحالية والقادمة.