دائرة اللهب تتسع، تحيط بحواف الإقليم العربى، تقضمها ببطء وهدوء.
يعتقد مشعلو اللهب أن الفرصة مواتية لتقسيم ميراث آسيا العربية.
فرصة تم ترتيبها على مدى عقود، وجدت ضالتها في انخراط قوى إقليمية، أرادت أن ترث الإقليم العربى، اعتقادًا بأنه منطقة رخوة، قابلة للتهشيم والتكسير.
الآلة العسكرية الإسرائيلية في الظاهر، الغربية في العمق، قامت بتمهيد الطريق، راحت تفرغ القوس العربي المحيط بها من قوته: العسكرية، والمادية، والإنسانية، وصولا إلى تدمير مفهوم الدولة بالمعنى الشامل، والمثال يتحقق في فلسطين، ولبنان، وسوريا، والعراق، واليمن، ومن قبل ساعدت إسرائيل في استشراء التدمير المنظم للشعوب العربية من خلال تدبيرها السري للثورات الملونة، فلم تكن أيديها بعيدة عن الفرنسي، برنارد هنري ليفي، محرك الفوضى الغامض.
أما القوى الإقليمية المجاورة للعرب، ولديها ميراث طويل من الانقضاض على المصالح الإستراتيجية العربية، فاندفعت بذريعة حماية وتحرير فلسطين إلى التصادم مع إسرائيل على أراضي العرب، ومن مفارقات القدر أن هذه القوى كانت شريكة أصيلة فيما عرف بالربيع أيضًا، واعترف قادتها بأنهم أصحاب هذا الربيع المغدور.
الشراكة قديمة، عندما ساعد الطرفان، الإسرائيلى والمجاور للعرب في غزو العراق، ولعبا أدوارًا رئيسية في طمس العراق كدولة قومية من خريطة القوى العربية، وتكرر الأمر الآن عندما قامت إسرائيل بتدمير أسلحة الدولة العربية السورية تدميرًا شاملًا، وأعادت احتلال الأرض السورية التي حررها الجنود السوريون بالدماء في حرب عام 1973.
يعتقد مشعلو اللهب أنه يمكن أن يصل من حافة الإقليم إلى قلبه، وأن اللحظة مواتية، من خلال بث الشائعات، والتلاعب بالعقول والقلوب، ونشر الخوف، كمرض معدِ بين الناس، لكنهم لا يعرفون أن القلب هو كيان حضاري ممتد، غير قابل للتهشيم، يعلم أن الخوف مفردة لا تعرف طريقها إلى قاموس هذا الكيان الحضارى الممتد رأسيا وأفقيا.
يظن مشعلو اللهب أن استنساخ التجارب قابلة للتحقيق، وأن استعادة الحنين المفقود من زمن مطمور يمكن أن يكون عنوانًا للمستقبل، فراحوا عبر وسائل الإعلام يقدمون صورة سينمائية مبهرة، في وقت تسيل فيه دماء الناس بعيدًا عن الكاميرات وشاشات القنوات الملونة، والمزينة بالأفراح.
يختلط الحابل بالنابل في المنطقة العربية، قوى تغيب وقوى تعود، هذه القوى غير عربية، تعتقد أن الإقليم العربى مكان قابل للتمدد الإمبراطوري، وأنهم لن يعودوا أباطرة إلا باحتلالهم هذا المكان الثري بالحضارة والثقافة والثروات والأديان والأفكار.
أليس غريبًا أن تعتقد الأمم المختلقة والمستعارة أنه يمكنها القفز إلى القلب، ألا تعرف أنه تكوّن على مهل كما يريد، وأنه انبثق من ذاته كما يقول جمال حمدان؟
دوائر اللهب التى أشعلوها سترتد إليهم في لحظة مواتية، وسيكتشف المتصارعون على ميراث آسيا العربية، تمهيدًا للعبور إلى إفريقيا العربية، أنهم سيغرقون في رمال ناعمة، قوامها حضارة لا تغيب، مهما علاها الصمت والصبر، ومهما علا جبينها غبار الأمم المستعارة والعابرة، فاللهب الذى أشعلتموه لهب منطفئ.