راح يغني وهو يبتسم لطفل وهو يخيط له جراحه بدون تخدير، ويحاول إشغاله عن الألم بالغناء والكلام معه؛ هذا ما فعله طبيب في غزة ورأيناه في فيديو انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي..
ما فعله الطبيب الغزاوي يتكرر يوميًا في غزة؛ حيث ينتشر الوجع بأنواعه بلا أي مسكنات أو تخفيف للألم!! ولا شك أن هذا الطبيب مثل غالبية أهل غزة قد نزح عدة مرات، وربما تهدم بيته ولديه شهداء في أسرته وجرحى "ومفقودون"، ولكنه يواصل أداء واجبه ودوره، حتى يأتي الفرج وتزول الغمة!!
وكما قال شاب غزواي: لا نملك "رفاهية" الانهيار؛ ففي كل يوم نواجه تحديات جديدة، وزادت بالطبع مع قدوم الشتاء، وتزايد وفيات الأطفال وكبار السن من شدة البرد وقلة الأغطية وقسوة الحياة في الخيام المصنوعة من أقمشة لا تقي من البرد، وتنعدم فيها أي خصوصية لتلاصقها وتكدس الأسر فيها!!
في الصيف كان الناس "يهربون" منها إلى الشوارع لقضاء النهار فيها، ثم يعودون للخيام للنوم، ومع حلول الشتاء أصبحوا "مسجونين" في الخيام لمحاولة التقليل ما استطاعوا من التعرض للبرد القارس.
"بدي أسند جسمي على حائط يا أمي، اشتقت لجدران بيتنا"؛ هذا ما قاله طفل لأمه متألمًا من العيش في الخيام، والذي طال بأكثر مما توقع أي أحد، وتزداد المعاناة والأوجاع مع التنقل من مكان لآخر، وفقا لتزايد القصف الصهيوني الوحشي، ومطالبة الاحتلال لهم بالنزوح مجددًا؛ وكأنه يريد حرمانهم من أي "استقرار"، ولو كان بالخيام؛ ليضاعف معاناتهم ويزيد مشقة الحياة اليومية عليهم؛ أملًا في أن يراهم يرفعون الراية البيضاء ويستسلمون ويطلبون التهجير إلى أي مكان بعيدًا عن هذا الجحيم المتجدد، ولكنهم لم يفعلوا ولن يفعلوا أيضًا؛ فالجميع يرددون سنعيش فوق أرضنا أو نُدفن فيها، ولن نغادرها أبدًا!!
وكيف يفكرون في الابتعاد عنها؟ والمقاومون "يتفننون" في أساليب مقاومة الاحتلال؛ فتتعدد الكمائن لجنود الاحتلال وسط صمود أسطوري لفصائل المقاومة رغم طول مدة العدوان، واغتيال قادة بارزون مثل إسماعيل هنية ويحيى السنوار وغيرهم!!
منذ أيام قام مقاتل من القسام "بقنص" قناص صهيوني ومساعده، وأخذ أسلحتهما "وتنكر" في زي جندي صهيوني واقتحم تجمعًا لجنود الصهاينة، وهو مرتديًا حزامًا ناسفًا وفجر نفسه فيهم، ووقعوا بين قتلى وجرحى!!
ومقاتل آخر اقتحم بيتًا تحصن فيه جنود العدو، وراح يهاجمهم بالسكين وقتل بعضهم وجرح آخرين في شجاعة أسطورية، وتكرر ذلك مع مقاتلين آخرين، بمثل هذه الروح "الفدائية"، وبقوة "أصحاب" الأرض يتجدد الأمل في قرب الانتصار، وتتنامى الروح المعنوية في غزة وفلسطين كلها، ويتحمل الناس كل ما يواجهونه من "فظائع" في حرب الإبادة؛ والتي يمنع فيها الصهاينة الأهل من أخذ جثث الشهداء "لدفنها"، ويطلقون النار على من يحاول ذلك ويتركونها للكلاب "لتنهش" فيها، وكأنهم يريدون قتلهم عدة مرات ولا غرابة في ذلك؛ فهم يتنفسون كراهية كل ما هو فلسطيني، ويريدون الانتقام منهم حتى بعد استشهادهم، مما يجسد الغل والتوحش ومخاصمة كل ما يمت للبشر، وما لا تفعله حتى الوحوش والحيوانات المفترسة.
رأينا الأطفال والنساء والرجال وكبار السن جميعهم يرفعون علامة النصر رغم بشاعة التدمير ومرارة التجويع، فغزة صامدة وعصية على السقوط، وصبر أهلها "يرفض" التآكل، وإن تضاعف الوجع وازدادت "مرارة" الشعور بخذلان العالم لهم، ومتابعتهم لما يحدث من إبادة لم يعرفها التاريخ المعاصر، وكأنهم يشاهدون فيلمًا وليس حياة "بشر" يتعرضون لكل فظائع التجويع والحرمان من العلاج وتعمد قصف ما "تبقى" من المستشفيات وقتل الأطباء والمسعفين، وتدمير كل ما يبقي الغزاويين على قيد الحياة؛ استخدام الاحتلال لمواطنين عزل كدروع بشرية عند اقتحام ما "تبقى" من منازل في غزة!!
في غزة عائلات تم محوها من السجلات بعد استشهاد كل أفرادها، وأخرى لم يتبق منها إلا إنسان واحد تصعب عليه الحياة بعد فقدان كل عائلته، وأطفال فقدوا الأب والأم وأمهات فقدوا كل الأبناء وآباء فقدوا الأبناء والزوجات.
في كل أسرة أوجاع، وفي كل خيمة ألم يتجدد ومعاناة يومية في الحصول على الطعام والشراب والأمان من القصف الصهيوني الذي لا يتوقف وتزداد وحشيته كلما كثر الحديث عن قرب الوصول إلى اتفاق لوقف الحرب المجنونة، أو لإحداث المزيد من المجازر التي تستهدف المدنيين العزل لإرضاء جمهورهم "المتعطش" لدماء الفلسطينيين دومًا!!
أكد المفوض العام للأنروا أن لكل الحروب قواعد، إلا أنه تم انتهاك جميع هذه القواعد في غزة، وهناك طفل يُقتَلُ كل ساعة في غزة، ولا يمكن تبرير قتل الأطفال، والهجمات على المدارس والمستشفيات أصبحت أمرًا شائعًا "ولا" ينبغي للعالم التعود على ذلك!!
من المشاهد المتكررة في غزة، رؤية طفل يحمل كيسًا بلاستيكيًا به "أشلاء" أحد أفراد أسرته، وشاهد الكثيرون، من الجنسين وفي كل الأعمار، استشهاد أفراد من أسرهم أمام أعينهم، ومنعهم الاحتلال من دفنهم، ورأوا اقتحام الصهاينة لخيام وأسر بعض من فيها، وانعدام الشعور بالأمان!!
قالت شابة من غزة: الموت كأنه عايش معنا، ونحس أن الموت سيأتي إلينا في أي وقت، لما اقتحموا المخيم وأخذوا الأسرى، شعرنا أن هذه اللحظة الأخيرة لنا، وصرنا كلنا نجري وأمي تصرخ، وأصيبت بشظية في ظهرها، وأنا أصبت بشظية في رجلي، وجدتي وجدتها ملقاة على الأرض ومغطاة بالدم، وجدي أصيب في رأسه!!
قالت طفلة: في كل مكان قلق "موش عيشة" نفسي تخلص الحرب، بدنا نرجع لدورنا نروح على مدارسنا ونأكل أكلًا نظيفًا.