موضوعات مقترحة
د.عـمـر البستنجي: فكرة قديمة وليس مشروعاً أمريكيا خالصا والصين سعت لتحويله إلى واقع
د.جيـهان عبدالسلام: الصراعات بين القوى الكبرى ستكون عائقًا أمام تحقيق أهداف المشروع
في خطوة تعكس تغير موازين النفوذ في إفريقيا، أطلق الرئيس الأمريكي جو بايدن مشروع ممر لوبيتو الحديدي بالتعاون مع زعماء أفارقة، يمتد الخط على طول 1300 كيلومتر مبدئياً، حيث هناك مساعي ليربط بين المحيطين الأطلسي والهندي حال موافقة دول أخرى، وذلك عبر ميناء لوبيتو في أنجولا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا، المشروع الذي يهدف لتحسين نقل الموارد والمعادن الاستراتيجية، ربما يواجه منافسة شديدة من مبادرات صينية مماثلة، حيث يُعد الممر، الذي يتوسط حزام المعادن الإفريقي، حجر زاوية في التنافس بين الولايات المتحدة والصين، لتأمين الإمدادات الحيوية اللازمة للتكنولوجيا المستقبلية.
يشكل ممر لوبيتو ركيزة لنقل معادن مثل الكوبالت والنحاس، والتي تمثل مواد أساسية في الصناعات المستقبلية كالبطاريات والسيارات الكهربائية، الطلب العالمي المتزايد على هذه الموارد يجعل إفريقيا ساحة تنافس رئيسية بين القوى الكبرى، تعد زيارة بايدن محاولة لتعزيز النفوذ الأمريكي في إفريقيا وسط مبادرات صينية ضخمة بدأت منذ عام 2013، هذه المنافسة الاقتصادية تحمل أبعادًا سياسية أيضًا، مع سعي الدول الكبرى لتأمين حضورها في إفريقيا لضمان مواردها الاستراتيجية، وتأتي الزيارة ضمن توجه أوسع لتعزيز الوجود الأمريكي في إفريقيا، من خلال الاستثمار في البنية التحتية وتنمية القدرات المحلية، وهي نقطة تُطرح كبديل للديون الثقيلة المرتبطة بالمبادرات الصينية.
يأتي المشروع في وقت تتزايد فيه المنافسة بين الولايات المتحدة والصين على النفوذ الاقتصادي في إفريقيا، حيث استثمرت الصين مليارات الدولارات في مشاريع مشابهة، مثل مبادرة الحزام والطريق، وعلى الرغم من أهمية زيارة بايدن، يرى محللون أنها جاءت متأخرة في ظل وجود تحديات كبيرة تتعلق بضعف البنية التحتية في بعض الدول الإفريقية.
زيارة بايدن للقارة تفتح صفحة جديدة في العلاقات الأمريكية-الإفريقية، ولكن نجاح هذه الخطوة يعتمد على مدى القدرة على تقديم بدائل حقيقية ومستدامة تلبي طموحات القارة، فهل الزيارة تُمثل بداية لحوار مستدام بين الولايات المتحدة وأفريقيا؟ وهل ستنجح الولايات المتحدة في تعزيز وجودها الاقتصادي والتجاري في مواجهة الصين وروسيا؟ وكيف ستترجم الوعود التي تم إعلانها في إطار هذه الزيارة إلى نتائج ملموسة، خاصة في مجالات مثل التنمية المستدامة والاستثمار في الطاقة؟.
رؤيـة استراتيجية
في البداية، قال الدكتور عمر أحمد البستنجي، الباحث في الاقتصاد السياسي الدولي، إن زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى إفريقيا في الأشهر الأخيرة من ولايته تأتي في إطار تعزيز أمن الولايات المتحدة القومي، موضحًا أن هذه الزيارة لا يمكن اعتبارها مجرد نوع من المناكفات السياسية بين الديمقراطيين والجمهوريين كما قد يراها البعض، بل هي خطوة استراتيجية تهدف إلى تحقيق أهداف أمنية واقتصادية لأمريكا، مشيراً إلى أن البعض يرى أن هذه الزيارة قد تكون محاولة استباقية من الرئيس بايدن لإحراج الرئيس المنتخب دونالد ترامب، الذي شهدت ولايته الأولى نوعًا من الفتور في العلاقات مع القارة الإفريقية، موضحاً أنه أمر غير صحيح، حيث أن ملفات الأمن القومي الأمريكي تُعد من القضايا الحاسمة التي لا يُسمح باستخدامها في المعارك السياسية أو الأغراض الانتخابية.
وأوضح البستنجي أن السؤال الأكثر إلحاحًا هو "ما سبب الانفتاح الأمريكي المفاجئ على إفريقيا؟"، حيث يرى أن الإجابة تبدأ من حقيقة أن مشروع ممر لوبيتو الذي تروج له الولايات المتحدة ليس مشروعًا أمريكيًا خالصًا، بل هو مشروع قديم بدأته الصين في عام 2015، حيث خصصت الصين ملياري دولار لتطوير المشروع، الذي يهدف إلى ربط ميناء لوبيتو في أنجولا بمناجم التعدين في جمهورية الكونغو الديمقراطية، لكن مع تعرض المشروع للعديد من الأعطال التقنية التي أجلت إنجازه، قررت الدول الإفريقية المعنية في النهاية تعليق المشروع، هذا ما أتاح للولايات المتحدة فرصة للاستثمار في المشروع لتحقيق أهداف سياسية اقتصادية، أبرزها مكافحة النفوذ الصيني المتزايد في القارة.
وأضاف البستنجي أن الجغرافيا كانت العامل الحاسم وراء اهتمام الولايات المتحدة بمشروع ممر لوبيتو، مشيرًا إلى أنه إذا نجحت الولايات المتحدة في إقناع دول مثل تنزانيا وغيرها بالانضمام إلى المشروع، فإنه سيُحدث تحولًا كبيرًا في توازن القوى في القارة، المشروع سيربط بين المحيط الهندي والمحيط الأطلسي، ما سيعيق توسيع النفوذ الصيني في القارة الإفريقية، كما أن هذا الممر سيقسم إفريقيا إلى جزئين، وهو ما سيساهم في تقليل سيطرة الصين على المنافذ البحرية الاستراتيجية التي تطل على المحيطات الثلاثة: الأطلسي، الهندي، والجنوبي.
وأوضح البستنجي أن الولايات المتحدة تسعى أيضًا إلى السيطرة على المعادن الاستراتيجية مثل الكوبالت والليثيوم، التي تستخدم بشكل رئيسي في صناعة البطاريات للسيارات الكهربائية، حيث تسيطر الصين حاليًا على 85% من احتياطات الكوبالت في الكونغو، وتتحكم في صناعة البطاريات التي تعتبر أساسية في تحولات الطاقة الصديقة للبيئة، موضحًا أن واشنطن، من خلال مشروع ممر لوبيتو، تهدف إلى تقليل اعتمادها على بكين في الحصول على المعادن الحيوية.
وأشار إلى أن أمريكا تأمل في أن يؤدي هذا المشروع إلى تقليص القوة الاقتصادية الصينية في صناعة السيارات الكهربائية، التي تعتمد بشكل كبير على المعادن التي تستخرجها الصين من إفريقيا، وبيّن البستنجي أن سيطرة أمريكا على هذه المعادن في المستقبل سيشكل ضغطًا اقتصاديًا على الصين، وبالتالي ستمتلك الولايات المتحدة أداة ضغط قوية على الصين للتخفيف من تشددها في العديد من الملفات، مثل قضايا الأمن الدولي.
وفيما يخص موقف الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، من الملف الإفريقي، أضاف البستنجي أن ترامب سيبني على الاجتماع الأخير الذي عقده بايدن مع دول مشروع ممر لوبيتو، لكن ترامب، الذي يُعرف بأنه رجل الصفقات، سيكون أكثر وضوحًا في تعامله مع إفريقيا مقارنةً بسياسة بايدن، موضحاً أن ترامب من المحتمل أن يضع مطالب التنمية الاقتصادية التي تحتاجها هذه الدول مقابل تقديم امتيازات للولايات المتحدة للوصول إلى هذه الثروات، الأمر الذي سيؤدي إلى تقويض التوسع الصيني في النصف الجنوبي للقارة الإفريقية، ورغم أن زيارة بايدن تبدو اقتصادية وتشاركية، إلا أن ترامب ربما يسارع إلى زيارة إفريقيا شخصيًا أو يرسل وفدًا رفيعًا، لتطوير هذا المشروع وتحويله إلى اتفاق سياسي يضمن مكاسب اقتصادية مشروطة للولايات المتحدة.
وختم البستنجي بالقول أن الكرة ستكون في ملعب القادة الإفريقيين خلال الفترة المقبلة، حيث سيكون عليهم التفاوض على اتفاقيات تحقق التنمية الاقتصادية الحقيقية دون الوقوع في فخ الصراعات الجيوسياسية بين القوى الكبرى، وأكد أن هذه الدول تعرف تمامًا أنها تمتلك بدائل يمكن أن تساعدها في رفض أي اتفاق قد يعرقل مسيرتها التنموية، مشيرًا إلى أن عليهم الاستفادة من تجارب الماضي لتفادي الوقوع في الأخطاء نفسها التي أدت إلى عدم تحقيق التنمية المستدامة في بعض الحالات السابقة.
المحور الاقتصادي
من جانب آخر، أكدت د. جيهان عبد السلام عباس، أستاذ الاقتصاد المساعد بكلية الدراسات الإفريقية العليا – جامعة القاهرة، أن زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى أنجولا تُعد الأولى لرئيس أمريكي في منصبه منذ عام 2015- منذ عهد الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما-، موضحة أن الزيارة تأتي بهدف إطلاق مشروع "ممر لوبيتو"، وهو مشروع يمتد على طول 1300 كيلومتر (800 ميل) من السكك الحديدية ويربط ميناء لوبيتو الأنجولي على المحيط الأطلسي مع مدينة كولويزي في جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا، مشيرة إلى أن هذه المنطقة تحتوي على واحدة من أكبر رواسب التعدين في العالم، ما يجعل المشروع ذا أهمية استراتيجية كبرى.
وأوضحت د. جيهان عبدالسلام أن أهمية الزيارة ترتكز على محورين رئيسيين، مشيرة إلى أن المحور الأول يتمثل في تعزيز النفوذ الأمريكي في القارة الإفريقية، خاصة بعد أن شهد النفوذ الأمريكي تراجعًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة. وأضافت أن واشنطن فقدت خلال تلك الفترة قاعدة عسكرية في منطقة الساحل، مما زاد من أهمية بناء شراكات اقتصادية قوية مع الدول الإفريقية.
وأضافت أن الولايات المتحدة تسعى، من خلال هذا المشروع، إلى تأمين المعادن الحيوية الضرورية لصناعاتها التكنولوجية والدفاعية، مثل النحاس والكوبالت، ومضيفة أن هذه الخطوة تأتي في إطار استراتيجية أمريكية لتقليل الاعتماد على الصين، التي تهيمن على نحو 80% من مناجم النحاس في جمهورية الكونغو الديمقراطية، كما تسيطر على 85% من المعادن الأرضية النادرة، بما في ذلك 76% من إنتاج الكوبالت.
وأشارت د. جيهان إلى أن الصين أصبحت اللاعب الرئيسي في قطاع التعدين في إفريقيا، خاصة منذ إطلاق مبادرة الحزام والطريق عام 2013، موضحة أن الصين قدمت قروضًا بنحو 679 مليار دولار لتمويل مشاريع البنية التحتية عالميًا بين عامي 2013 و2021، بينما قدمت الولايات المتحدة خلال نفس الفترة قروضًا بقيمة 76 مليار دولار فقط، وأضافت أن بكين وقّعت اتفاقيات مع 49 حكومة إفريقية وسبع مؤسسات إقليمية، مما يجعلها الداعم الرئيسي للتنمية في القارة.
واستطردت أن المشروع يحمل أهمية اقتصادية كبيرة للدول الإفريقية المعنية، مشيرة إلى أن ممر لوبيتو سيخفض تكاليف النقل، ويدعم التجارة الإقليمية والدولية، وأضافت أن المشروع سيعزز القيمة المضافة للقطاع الزراعي من خلال ربط مناطق الإنتاج في أنجولا وزامبيا بالأسواق الإقليمية والدولية، مما يعزز التكامل الاقتصادي ويدعم النمو المستدام المقاوم للتغير المناخي.
وتابعت قائلة إن المشروع يساهم في تحسين النقل السريع للمعادن مثل النحاس والكوبالت والليثيوم، التي تُعتبر من المعادن الأساسية للصناعات العالمية الحديثة مثل السيارات الكهربائية، وأضافت أن المشروع يُعزز فرص العمل، ويُقلل الفقر، ويزيد من قدرة الدول الإفريقية على التنافس في الأسواق العالمية، مما يُعد خطوة هامة نحو تحقيق التنمية المستدامة.
ومع ذلك، أوضحت أن المشروع يواجه تحديات كبيرة، مشيرة إلى أن الصراعات بين القوى الكبرى على النفوذ في إفريقيا قد تكون عائقًا أمام تحقيق أهداف المشروع، وأضافت أن تقلبات أسعار المعادن تمثل ضغطًا على قطاع التعدين، إلى جانب الحاجة إلى شراكات قوية بين الدول الثلاث لضمان نجاح المشروع.
واختتمت د.جيهان عبدالسلام تصريحاتها بالتأكيد على أن ممر لوبيتو يجب أن يُثبت جدواه الاقتصادية والتنموية للقارة الإفريقية، موضحة أن تحقيق النجاح يتطلب استثمارات مستدامة ليس فقط في قطاع التعدين ولكن أيضًا في مجالات مثل الطاقة والزراعة والاتصالات، ومضيفة أنه إذا لم تُسهم الدول الإفريقية في توجيه المشروع نحو تحقيق مصالحها التنموية، فإن ممر لوبيتو قد يصبح أداة لتحقيق المصالح الأمريكية في مواجهة النفوذ الصيني والروسي المتنامي.