Close ad

الحفاظ على مقدرات الشعوب وتفعيل قدرات الدولة الشاملة

26-12-2024 | 13:55

يعد الحفاظ على مقدرات الشعوب من التدمير والخراب أمرًا مرتبطًا بالرؤية الإستراتيجية والقرارات السياسية الضرورية التي تتخذها القيادة السياسية لأي دولة من أجل الحفاظ على الدولة (شعبًا وأرضًا ومؤسسات) من الحروب، وهو لذلك موضوع بالغ الأهمية ويتطلب إستراتيجيات متعددة تشمل الجوانب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاجتماعية. 

فيما يلي مجموعة من التدابير التي يمكن اتخاذها للحفاظ على الدولة من الحروب وضمان استقرارها:

1. الدبلوماسية والوقاية من الصراعات: 
 • تعزيز العلاقات الدولية: بناء علاقات قوية ومتوازنة مع الدول الأخرى على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة. 
 • التفاوض وحل النزاعات: استخدام الدبلوماسية كأداة لتجنب التصعيد مع الدول أو الأطراف المتنازعة، وتوظيف كل الأدوات الممكنة للوصول لتسويات سياسية تتناسب وأطراف النزاعات. 
 • المشاركة في التحالفات الدولية: الانضمام إلى منظمات إقليمية أو دولية بهدف تعزيز التعاون وحفظ السلام، فمما لا شك فيه أن ترابطات المصالح باتت مكونًا مهمًا لخلق أهداف مشتركة تعزز من مكانة وقدرة كل دولة على تحقيق إستراتيجياتها.

 2. تقوية الدفاعات الوطنية: 
 • تطوير وتحديث الجيش: وجود جيش قوي ومجهز بشكل جيد وحديث، يمثل مما لا شك فيه خطوطًا حمراء لكل الأطراف المعادية (دول وتنظيمات وميليشيات) عن التفكير في شن حرب، وهذا الأمر ينبغي أن يشمل كافة الأفرع في الجيوش الوطنية، وبصورة متوازنة بما يجعلها على أتم الجاهزية للصراعات المتفجرة في مختلف مناطق العالم المشتعلة بالأزمات والصراعات. 
 • التكنولوجيا: الاستثمار في التكنولوجيا المتقدمة لضمان التفوق والقدرة على مواجهة الحروب الحديثة، والتي قد تكون الحروب والهجمات السيبرانية إحدى أشكالها. 
 • البنية التحتية والدفاع المدني: مما لا شك فيه أن بناء بنية تحتية قوية لحماية المدنيين في حالات الطوارئ، بات أمرًا مهمًا في إطار التخطيط المستقبلي والرؤية الإستراتيجية لعالم يشتعل بجنون وغطرسة القوة. 

3 . الحفاظ على الاستقرار الداخلي: 
 • تعزيز وحدة وتماسك البنية المجتمعية: حيث تعد المعالجة الرشيدة المتزنة للاختلافات الداخلية والتحديات الاجتماعية أمرًا رئيسًا لمنع ضعف الدولة أمام التهديدات الخارجية، بما يوفر التماسك المجتمعي والوقوف بكل صلابة خلف ما تتخذه القيادة السياسية من قرارات في توقيتات حاسمة ومفصلية في مستقبل الشعوب. 
 • مكافحة الفساد: الحد من الفساد لتعزيز الثقة بين الحكومة والشعب، وهو أمر يتطلب تضافر الجهود المجتمعية وتغيير الأنماط السلوكية مع ما يتم وضعه من إستراتيجيات وخطط تنفيذية. 
 • العدالة الاجتماعية: ضمان توزيع عادل للثروات والخدمات لتجنب الاضطرابات الداخلية، وهو أمر شائك في ظل ما فرضته الحروب والأزمات الدولية والإقليمية من تحديات أمام قادة الدول وسلطاتها ومؤسساتها. 
• دعم التحول الديمقراطي وحقوق الإنسان: وهما المدخلان اللذان تهدف المخططات الخارجية من خلالهما استهداف المجتمعات الآمنة والمستقرة، عبر استخدام وسائل التكنولوجيا والاتصال الحديثة ونشر قيم نبيلة بآليات خبيثة لتأليب الشعوب على أنظمتها، وذلك من خلال شيطنتها وتصويرها ووسمها بكل ما يشوهها لدى شعوبها.

4. الاستعداد الاقتصادي:  
• الاستقلال الاقتصادي: ويكون ذلك من خلال وضع إستراتيجيات وتطبيق سياسات تقلل من الاعتماد على الدول الأخرى في الموارد الحيوية الرئيسية التي تضررت بفعل الأزمات والصراعات الدولية والإقليمية، بما جعلها تتسم بالندرة والشح؛ نتيجة أزمات سلاسل الإمداد والتوريد وما أدى إليه ذلك من ارتفاع أسعارها لحدود مجنونة، وأبرز أمثلة ذلك الغذاء والطاقة. 
 • الاحتياطيات الإستراتيجية: وهو أمر يتطلب بناء مخزون من السلع الأساسية لمواجهة أي أزمات قد تنشأ بسبب الحروب، وذلك من خلال توفير البنية التي تسمح بتحقيق ذلك، على سبيل المثال إنشاء الصوامع والمخازن وتوزيعها بصورة لا تسمح باستهدافها حال نشوب أي نزاع يقود لصراع وقد ينتهي إلى حرب. 
 • الاستثمار في الاقتصاد الوطني: ويكون ذلك من خلال توطين الصناعة، وزيادة الموارد من الأراضي الزراعية، وتأسيس المناطق اللوجيستية الصناعية، واستغلال كافة قدرات الدولة؛ خاصة الدول ذات المواقع الإستراتيجية المتحكمة في الممرات المائية، وذات الامتدادات الشاطئية الكبيرة لتحويل الدولة إلى قاعدة لوجيستية رئيسية في مجال النقل البحري، وكذلك استغلال البنية التحتية التي تم توفيرها، وزيادة مشروعات النقل البري وعبر السكك الحديدية الحديثة؛ لتحويل الدول إلى منطقة لوجستية في هذين المجالين، كل ذلك مع أهمية الربط مع محيطها الإقليمي بمشروعات مشتركة، وذلك بهدف نهائي يحقق الاكتفاء الذاتي.

 5. التعليم والوعي:  
• التثقيف عن مخاطر الحروب: وذلك من خلال رفع مستوى الوعي العام حول تكلفة الانقسامات الداخلية؛ خاصة في أوقات الأزمات والصراعات والحروب، والتأكيد على الخيارات الدبلوماسية للدولة كأدواتها الرئيسية لتبريد وتجميد الأزمات والصراعات، وأن خيار الحرب هو خيار أخير، فقط يتطلب تماسكًا مجتمعيًا داخليًا خلف قادة الدول ومؤسساتها. 
• تعليم وبناء السلام: تعزيز قيم الحوار والتعايش السلمي في المناهج التعليمية، وتعميم ذلك على كل المجتمع لخلق حالة من السعي لإيجاد مساحات مشتركة حول ترتيب الأولويات على أچندة تحصين المجتمع، وخلق مستقبل أفضل وحياة كريمة للشعوب.

6. السيطرة على الحدود والأمن:  
• مراقبة الحدود: وذلك من خلال منع تسلل العناصر المتطرفة؛ المنتمية لتنظيمات إرهابية أو ميليشيات إجرامية، سواء داعمة للإرهاب، أو تلك التي تمارس الجريمة المنظمة التقليدية، ومن الأهمية في هذا الإطار القدرة على التنبؤ، ومن ثم منع النشاطات التي قد تؤدي إلى تهديدات أمنية. 
• مكافحة الإرهاب: ويتطلب ذلك العمل على منع الجماعات المتطرفة من استغلال الأراضي الوطنية كقاعدة لعملياتها، وكذلك التحصين المستمر للوعي من الأفكار الفوضوية التي تهدف لزعزعة الاستقرار، ومن ثم تمكين التنظيمات الإرهابية من تحقيق أهدافها.

7. المرونة الإستراتيجية:  
• الحفاظ على التوازن الإستراتيجي في العلاقات الدولية: ويتحقق ذلك بتجنب الانحياز المطلق لأي طرف في النزاعات الإقليمية والدولية الكبرى، من خلال الالتزام بتعزيز الشرعية الدولية، وكذلك الالتزام بالقوانين والمعاهدات الدولية التي تعزز السلم والأمن الإقليمي والدولي. 
• التعامل بحكمة ورشادة مع التهديدات: دراسة الظروف المحيطة بكل تهديد، وتجنب الردود المتسرعة التي قد تؤدي إلى التصعيد، ويتعزز ذلك بلعب دور إيجابي في تعزيز الحوار الإقليمي والدولي، وممارسة الأدوار الدبلوماسية؛ كالوساطة استغلالًا لمكانة الدولة وخبرات مؤسساتها وأجهزتها بهدف حلحلة الأزمات. 
• تجنب التورط: وذلك من خلال تطوير إستراتيجيات دفاعية قائمة على الابتكار لتجنب التورط في الحروب طويلة الأمد، بما يقود إلى استباق التهديدات من خلال إستراتيجيات مستقبلية بناءة (دون التورط في صراعات غير ضرورية).  

ختامّا، علينا جميعًا أن ندرك أن الحفاظ على الدولة من الحروب يتطلب مزيجًا من القوة الناعمة (الدبلوماسية، الوحدة الوطنية، التنمية)، والقوة الصلبة (الجيش، التكنولوجيا، الأمن)، وأن بناء الدولة الوطنية الحديثة والقوية والمستقرة داخليًا وخارجيًا يجعلها أقل عرضة للحروب، وأكثر قدرة على مواجهة التحديات، وهو أمر لو أدركناه لأدركنا قيمة دولتنا وقائدها ومؤسساتها وأجهزتها.

حفظ الله الوطن.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
عمرو الشوبكي.. شوكة في كل العصور

لكي تتكون الشبكة، أخذت سنين كثيرة، كانت البداية بالتقاط عيون نابهة من نوابغ المصريين الذين يدرسون في الخارج بدأ استقطابها، ومن ثم العمل على غسل أدمغتها

الاتجاهات الحاكمة للسياسة الخارجية المصرية في ست سنوات

للمرة الأولي في التاريخ، نجد أن الاتجاهات والدوائر الرئيسية الأربع للأمن القومي المصري باتت تواجه تحديات، ومخاطر، وتهديدات، تنذر بالعديد من الأزمات، كان

نظرية الإعلام الدوار

تعتمد على بناء شبكة تهدف إلى إدارة والسيطرة على العقول في الدول المستهدفة (أ) من قبل الدول الأكثر قوة وتقدم ونمو (ب).. وهذه الدول (ب) لا تلجأ للحرب العسكرية

في تبرير الإرهاب من منظور الفضيلة

المصري اليوم تواصل بث السم في العسل.. ود.عمرو الشوبكي يكتب اليوم عامودًا بعنوان مواجهة الإرهاب.. ودعوني أقترح عليه أن يسميه "تبرير الإرهاب".. نظرًا للاعتبارات التالية:

دور الشبكات في تغييب مجتمعاتها

الشبكات لها دور مهم في تغيير الأفكار والثوابت قبل النقلة الكبرى للثورة على النظام السياسي القائم.. هكذا يقول تاريخ كل الثورات المصنعة.

محاكمة نيوتن

في يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من أبريل الجاري، عقد المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام جلسة تحقيق مع مالك المصري اليوم، ورئيس مجلس الأمناء، ورئيس التحرير، والممثل

تعمير سيناء .. والمتلونون العابرون للأنظمة

يبدأ اختراق العقول المسئولة عن تشكيل وصناعة الوعي، من اختراق المجتمع الثقافي والعلمي والإعلامي، وذلك من خلال قيام أفراد رئيسيين بتشكيل شبكة من المصالح

"نيوتن".. المبني للمجهول

فيما جهود الدولة بكافة مؤسساتها وأجهزتها مسخرة لمواجهة تحدي تفشي فيروس كورونا المستجد، وهو الأمر الذي لم يجعلها تغفل عن مواجهة التحديات والمخاطر الرئيسية،

الأكثر قراءة