فى سياق النمو القوى للأحزاب اليمينية المتطرفة، مع الانتخابات الأخيرة التى شهدتها القارة الأوروبية، لم يستغرق الأمر 48 ساعة، قبل أن يعود النقاش حول اللاجئين السوريين، الذين لجأوا إلى أوروبا للعودة إلى طاولة المفاوضات، وعلى الرغم من أن المرحلة الانتقالية فى سوريا لا تزال جارية وأن البلاد غارقة فى المجهول وتواجه تحديات لا حصر لها، فإن العديد من الدول الأوروبية، التى تستقبل عددا كبيرا من اللاجئين أعلنت عن تجميد إجراءات طلب اللجوء فى هذا المجال.
موضوعات مقترحة
رد فعل سياسى مشترك فى القارة القديمة، تجاه هذا البلد الذى مزقته الحرب، والذى تسببت الحرب الأهلية فيه إلى فرار نحو سبعة ملايين شخص من البلاد، فبالإضافة إلى ألمانيا أصدرت النمسا والسويد والدانمارك وبلجيكا والنرويج، وإنجلترا وسويسرا وهولندا، إعلانًا بهذا المعنى يوم الاثنين 9 ديسمبر، السقوط التاريخى لبشار الأسد فى سوريا يمثل تمزقا سياسيا كبيرا، وستكون له تداعيات تتجاوز منطقة الشرق الأوسط.
فى أوروبا، سرعان ما أفسحت احتفالات اللاجئين السوريين المجال، أمام التصريحات السياسية حول إدارة الهجرة، حيث قامت عدة حكومات بسبب حالة عدم اليقين الحالية فى سوريا، بتعليق طلبات اللجوء المقدمة من السوريين، ففى يوم الأحد 8 ديسمبر، تجمع آلاف السوريين فى عدة مدن أوروبية، للاحتفال بسقوط الأسد، وفى برلين لوح نحو 5000 متظاهر بأعلام الجمهورية السورية، ورددوا شعارات "سوريا حرة"، وفى فيينا وباريس، استقبلت الشوارع أيضًا سقوط الأسد بأغانى النصر، ما جعل التداعيات السياسية، لا تقتصر فقط على القرارات الحكومية، إذ سارع اليمين المتطرف، إلى استغلال الفرصة لتكثيف خطابه المناهض للمهاجرين، خصوصا فى ألمانيا والنمسا، لنجد زعيمة حزب البديل من أجل ألمانيا اليمينى المتطرف، تقول إن أى شخص يريد الاحتفال بسوريا الحرة، يجب عليه أن يعود إلى سوريا على الفور، لأنه لم يعد هناك أى سبب للفرار.
وفى اليوم نفسه، أعلنت أنه يتعين على ألمانيا الآن، أن ترسل إشارة واضحة أن الحدود مغلقة، وأنهم لن يقبلوا أحداً بعد الآن، وأن ألمانيا على استعداد لتحقيق ذلك! بينما اقترح أحد النواب المحافظين، استئجار طائرات، وتخصيص مكافأة قدرها ألف يورو، لكل من يريد العودة إلى سوريا، فى حين أعلن وزير الداخلية النمساوى، جيرهارد كارنر، برنامجا لإعادة اللاجئين بشكل جماعى إلى سوريا، فيما اعتبر أنه بمثابة طرد للسوريين الذين تم رفض حقهم فى اللجوء، باعتبار أن الوضع السياسى تغير بشكل جذرى، وذلك بهدف تخفيف العبء عن النظام الاجتماعى النمساوى، كما أن إعادة المهاجرين سيتيح للمتخصصين السوريين فى كل المجالات، فرصًا جديدة للتنمية فى وطنهم الأصلى، ومن المتوقع أن يتأثر بهذا القرار نحو 7300 حالة، من بين ما يقرب من 100 ألف سورى يعيشون فى النمسا، وهى إحدى الدول التى استقبلت أكبر عدد من اللاجئين فى أوروبا.
وزارة الداخلية البريطانية، أوقفت مؤقتا فحص طلبات اللجوء المقدمة من السوريين فى المملكة المتحدة، فى الوقت الذى تقوم فيه بتقييم الوضع الحالى، وكذلك فعلت سويسرا، حيث أوضحت أمانة الدولة السويسرية للهجرة، أنها فى الوقت الحالى ليست فى وضع يسمح لها بفحص ما إذا كانت هناك أسباب للجوء أم لا.
السويد والدانمارك والنرويج، أعلنت بدورها تعليق فحص طلبات اللجوء السورية، متعللين بأنه ليس من الممكن ببساطة تقييم أسباب الحماية فى الوقت الحالى، نظرا للوضع القائم، ونظرا للوضع السياسى فى سوريا الذى تغير بشكل جذرى مع التسارع المفاجئ للأحداث فى الأيام الأخيرة.
وفى الدانمارك، قرر مجلس طعون اللاجئين، تأجيل الموعد النهائى لمغادرة الأشخاص المؤهلين للترحيل إلى سوريا، وأصبحت هى أول دولة فى الاتحاد الأوروبى، تعيد النظر فى مئات ملفات اللاجئين السوريين، باعتبار أن الوضع الحالى فى دمشق، لم يعد يبرر على الأرجح تصريح الإقامة أو تمديده.
النرويج سلطت الضوء على الوضع الغامض للغاية، وغير المحسوم فى البلاد لتبرير قرارها، ويعنى تعليق النظر فى الحالات، أن إدارة الهجرة لن ترفض أو توافق على طلبات اللجوء المقدمة لها فى الوقت الحالى، حيث تلقت النرويج 1933 طلب لجوء من سوريين، منذ بداية العام.
منظمة العفو الدولية، انتقدت كل ما سبق، باعتبار أن إعادة تقييم الوضع فى دمشق، لا ينبغى أن يدفعه أولئك الذين يحاولون منذ سنوات بناء حياة جديدة، بينما دعت الأمم المتحدة إلى "الصبر واليقظة"، بشأن مسألة عودة اللاجئين، لأن الوضع فى سوريا بعيد عن الاستقرار.
اليمين المتطرف
أعطى سقوط النظام فى دمشق، نسمة أمل للشعب، الذى جرحته 13 عاما من الحرب، لكن بسرعة كبيرة ذهبت بعض البلدان إلى أبعد من ذلك، عندما أرادت الحكومات إرسال رسالة، لإظهار أنها غير مستعدة لاستقبال اللاجئين السوريين الجدد، وعندما أطلقت برنامج العودة والطرد، وأعادت النظر فى أوضاع اللاجئين، وتعليق لم شمل العائلات، ففى النمسا، زاد وزير الداخلية المحافظ جيرهارد كارنر، عدد التصريحات المطالبة بضرورة التكيف مع "الوضع السياسى" فى سوريا، ومن جهته تحدث اليمين المتطرف السويدى، عن "إلغاء" تصاريح إقامة اللاجئين السوريين.
لكن هذه المراجعة لسياسات الاستقبال تجاه السوريين، ليست جديدة فهذه هى الحال بالفعل منذ عدة أشهر، وقد ضغطت نحو عشر دول أعضاء، من أجل اعتبار المناطق السورية آمنة، من أجل عودة اللاجئين فمنذ بداية العام، شجعت رئيسة المجلس الإيطالى جيورجيا ميلونى، الحوار مع نظام بشار الأسد، وفى يوليو وقعت النمسا واليونان، وجمهورية التشيك رسالة مشتركة مع روما، تطلب من الاتحاد الأوروبى "مراجعة إستراتيجيته"، لتسهيل العودة الطوعية إلى سوريا، كما كانت الدانمارك أول دولة فى الاتحاد الأوروبى، تعيد تقييم وضع بعض اللاجئين عام 2020، معتبرة أن الوضع الحالى فى دمشق، لم يعد يبرر على الأرجح تصريح الإقامة أو تمديدها، ولقد ارتبطت الكثير من التصريحات بصعود خطابات اليمين المتطرف، والمعادية للأجانب فى أوروبا، ومع اقتراب الانتخابات، دعا المحافظون إلى عودة اللاجئين إلى بلادهم، مثل حزب البديل من أجل ألمانيا، حيث يعتقد السياسيون أنهم سيحصلون على أصوات أكثر، إذا ألقوا خطاباً يراد منه أن يكون صارماً، خطاباً لا يأخذ فى الاعتبار الواقع فى سوريا اليوم.
وإذا كانت هذه هى حال الدول الأوروبية، تجاه اللاجئين إبان اشتعال الوضع فى سوريا، فما بالنا الآن والجميع يريد التخلص منهم، ترى الدول الأوروبية أن مستقبل سوريا ملىء بالأمل لكنه لا يزال غامضا، وبرغم ذلك، فسرعان ما تحدثت الأطراف الإقليمية، مثل الأمريكيين والأوروبيين مع السلطة الجديدة، وحاولوا تأطير عملية الانتقال السياسى التى بدأت، وتضاعفت المبادرات الدبلوماسية فى الساعات الأخيرة، لمحاولة فهم الوضع المتغير والعملية الانتقالية، التى يجرى تنظيمها بشكل أفضل، وأعلن أنتونى بلينكن وزير الخارجية الأمريكى، عن إجراء اتصالات مع هيئة تحرير الشام، التى يتزعمها محمد الجولانى، وناقش الدبلوماسيون عملية الانتقال السياسى التى تقودها "السلطة المؤقتة"، وضرورة ضمان احترام الأقليات، والحفاظ على "الخدمات الأساسية" للدولة، وفى المقام الأول من الأهمية، ويريدون أن تعمل السلطة الجديدة على تجنب عودة الجماعات الإرهابية. والسيطرة بشكل جدى على الأسلحة، كل ذلك من أجل السماح بعودة اللاجئين.
وينبغى على الاتحاد الأوروبى، أن يتصل "قريباً"، بالسلطات الجديدة فى سوريا، حيث يريد إرسال رسائل لها وعمل اتصالات، لكن ليس على المستوى السياسى، بل على مستوى كبار المسئولين، ويشعر الأوروبيون بالقلق بشكل خاص، إزاء المصير الذى سيكون للأقليات فى بلد يعيش فيه السنة، والعلويون والمسيحيون، وحتى الأكراد معاً بصعوبة. وبرغم أن قادة هيئة تحرير الشام، تعتبر منظمة إرهابية من قبل الدول الغربية، وقد فرض الاتحاد الأوروبى عقوبات عليها، وعلى قادتها، فإن هذا القرار لا يمنع الاتصالات.