غمضة عين قد لا تطول عن بضع دقائق أو بضع ساعات أو بضعة أيام على الأكثر، ذلك كل ما قد يحتاجه أى عقل خبيث ليُحدث أثره الخبيث على ما يدور حولنا، فلنتأمل أحداث الحادى عشر من سبتمبر، الربيع العربى، الكوفيد، حرب أوكرانيا، غزة، الحوثيين، والآن سوريا .تلك نقاط فاصلة دست مخالبها فى ليلة وضحاها، فى ظل عطب أصاب ما سمى لعقود بالنظام العالمى الجديد، أصبح اليوم النظام بلا نظام، بعد أن أصابته الفوضى وفقد الكثير من عمقه وتأثيره، فلم يعد لا منظمًا ولا جديدًا.
موضوعات مقترحة
مجلتي البيت ونصف الدنيا
نعم، غمضة عين لا أكثر، هذا الفاصل الزمنى القصير أصبح كافيًا لصنع تحول فى مسار الحياة، ليغير هيئتها وطلتها ووطأتها! فما نعيشه من تحول قسرى للأفكار والأحداث أصاب قيمة الزمن فى مقتل، فأصبح يمر سريعًا دونما اكتراث حقيقى منا بأن كل ثانية ودقيقة ويوم هو لا شك فارق ومؤثر ولا ولن يعوض، والأدهى أن ذلك قد يلقى اهتمامًا أكبر وأعمق إن كان الحديث يخص مقاومة علامات التقدم فى العمر، حتى يبدو أحيانًا كثيرة أن علاج التجاعيد أصبح هاجسًا ذا أهمية قصوى تفوق أى قضية أخرى.
مجلتي البيت ونصف الدنيا
أما عن متزامنة التكرار فحدث ولا حرج، فليس من المنطقى أو من باب الصدفة توارد الخاطر أو الهاجس بأن ما يحدث حولنا قد سبق وشهدنا مثله شبيهًا من قبل، وكأن الزمن يعيد نفسه، أو كأنما هو سيناريو لفيلم محبك تتقارب فيه نفس الفكرة والحبكة والخدعة على اختلاف الوجوه والأسماء والأفعال والانتماءات ويقوده مؤلف أو مخرج عظيم.
مجلتي البيت ونصف الدنيا
إذن، لنتصارح بأن العالم قد فقد البوصلة، ولم يعد الفارق جليًا بين النفيس والبخس، وقد تشوشت وتشوهت دلالات القيمة لدى الكثيرين، فغمضة العين الفارقة على مستوى الأحداث الكبرى، يقابلها إهدار مذهل للوقت يقارب الساعتين على الأقل يوميًا، بما يوازى ٧٥٠ ساعة سنويًا فى مرور «التصفح» أو بالأصح «التسكع» على السوشيال ميديا، بدافع الفضول أولًا ثم التعود، حتى صُنّف المتصفحون إلى خمس فئات، السائح، السابح، النائح، الرابح، الناصح، وأزيد عليهم المتربص والمتلصص.. وما أكثر هؤلاء.
مجلتي البيت ونصف الدنيا
وفى سياق آخر تظهر دراسات تُثبت أن دفع أفكار شخص غير متوازن نفسيًا أو أخلاقيًا ليتحول إلى التطرف أو الداعشية قد لا يستغرق أكثر من ثمانى ساعات لا غير، بل وأحيانًا قد يكفى الاستماع إلى أغنية متقنة الصنع لتحمل بين طياتها الأثر المطلوب.
ففنون التسويق أصبحت لا تفرق بين البطاطس المحمرة والأفكار الخبيثة المدمرة، بل تلجأ لنفس الاستراتيجية المتبعة لتسويق أى منتج بسيط، والتى عادة لن تخرج عن أربعة عناصر، أولها صياغة كلمات رنانة تجذب الانتباه، صخب عالى النبرة، أغنية تعلق بالذهن ويصعب التخلص منها، ووجه مألوف يتسق مع الدور المكتوب ويتقن أداءه.. تلك خلطة مضمونة لترويج شعارات يتغلغل بها الشر والتطرف والهدم فى غلاف جذاب يكمن فيه سحر الإقناع، لنفاجأ بأن الأفكار تتساوى مع البطاطس فى غمضة عين لا أكثر.
عدد ديسمبر 2024