Close ad
23-12-2024 | 17:42

"حين ينتهي كل شيء، لن نتذكر كلمات أعدائنا.. بل سنتذكر صمت أصدقائنا".. على عزت بيجوفيتش..

باعتبارها ركنًا من أركان التنوع الثقافي للبشرية، خصصت الأمم المتحدة، يوم الثامن عشر من ديسمبر، من كل عام، يومًا عالميًا للاحتفال باللغة العربية، واعتمدتها إحدى أكثر اللغات انتشارًا واستخدامًا، في العالم، حيث ينطق بها ما يقرب من نصف مليار إنسان.

مر هذا اليوم، "الأربعاء" الماضي، كالمعتاد، مرور الكرام، دون اهتمام يذكر وسط الأعاصير الأمنية والاقتصادية والسلوكية التي تجتاح الإقليم اليوم ومعه كثير من دول العالم، لتظل "العربية" التي كرمها الله وجعلها لغة كتابه الكريم، واحتفى بها الأقدمون في حياتهم، شرفًا وشعرًا، مدحًا وهجاءً، أهم مكون لقيم الشخصية العربية والإسلامية والإنسانية.

ومن أشهر ما أعطاها بعض من حقها، المتنبي:
لا تلمني في هواها أنا لا أهوى سواها لست وحدي افتديها كلنا اليوم فداها
نزلت في كل نفس وتمشت في دماها .. فبها الأم تغنت وبها الوالد فاها
وبها الفن تجلى وبها العلم تباهى .. كلما مر زمان زادها مدحًا وجاها  
لغة الأجداد هذي رفع الله لواها .. فأعيدوها يا بنيها نهضة تحيي رجاها
 لم يمت شعب تفانى في هواها واصطفاها.

وتعد العربية من أكثر اللغات امتلاكًا لرمزية في الحروف، حيث تختصر المعاني وتختزل المضمون، وتطورت بتأثير القرآن الكريم والدين الإسلامي، حيث شكل الدين الطاقة الكامنة لثرائها وقوة تأثيرها، فضلا عن سلاستها وتناغم حروفها مع معانيها، وتحمل في جوهرها سمات التميز والتفرد، وميزة الاشتقاق، مقارنة باللغات العالمية الأخرى.

إلا أن التلوث الذي أصاب الحياة والطبيعة، مثل التلوث في التربة والمياه، إضافة إلى التلوث الهوائي، والغذائي، والسمعي والبصري، لم تنجُ منه العربية، لتكتمل منظومة هذا التلوث، بالتلوث اللغوي الذي ينمو ويسود حياتنا الشخصية والاجتماعية، وكافة أنشطة الحياة ومجالاتها.

من مظاهر هذا التلوث اللغوي، ما تحمله لغة التخاطب الجديدة، نسبيًا، بين الأجيال الحديثة، وهي لغة لا اسم لها إلا أنها مجاز مبتسر يطلق عليها "فرانكو"، وهي ليست لغة، ولكنها وسيلة للتخاطب، أشباه كلمات ومعان عربية تكتب بحروف اللغة الإنحليزية، مثل حرف (ع) تكتب برقم (3) في اللغة الإنجليزية، والخاء (خ) رقم (5)، والحاء (ح) (7).. وهذا ما يحدث اليوم، أما غدًا، فإن للعربية كتابًا كريمًا يحميها.

أما في المرحلة الراهنة، وهي الذكاء الاصطناعي، فإن هذا الذكاء المصطنع وليس الطبيعي، سيعتمد على اللغة العربية، أكثر من اعتمادها عليه، بسبب تنوع وثراء محتواها، فالمتوقع أن يحقق الذكاء الاصطناعي مزايا، تفوق ما تحقق العربية من مزايا عبر الذكاء الاصطناعي، فهي أصل اللغات، إلا أنها تشكو غياب آلية تعليم معتمدة لتعلُّم اللغة.

والحديث أو المقارنة بين الفصحى والعامية، يُنشئ تساؤلاً يقول: ماذا لو كتب الشاعر الباكستاني "محمد إقبال" قصيدته الشهيرة "حديث الروح" على سبيل المثال، والتي شدت بها "أم كلثوم"، بنغمات "رياض السنباطي"، باللغة العامية الدارجة، وليس بالعربية الفصحى، هل ستصل وتخلد معانيها كما انتشرت بالفصحى؟!

والاهتمام بالعربية يُنشئ نوعًا من القوة والتأثير والوجاهة الثقافية والحضارية لكل من يهتم باللغة الخالدة، وما أكثر الكيانات والمؤسسات التي تُعنى، بالعربية كما تفعل جامعة الدول العربية ومنظمة اليونسكو، ومجمعات اللغة العربية في مصر، والعديد من الدول العربية، وهناك جهود واهتمامات جادة بالعربية، إلا أن الكثير من هذه الاهتمامات هو اهتمام بالشكل دون الجوهر، حتى الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين، أنشأ مجمعًا للغة العربية عام 2007 في مدينة حيفا المحتلة.

وبالرغم من اعتمادها كلغة رسمية لنحو 25 دولة، وتحتل المرتبة الرابعة بعد اللغة الصينية، والإنجليزية، والإسبانية، من حيث عدد المتحدثين بها، إلا أن المحتوى المتاح على شبكة المعلومات الدولية "الإنترنت"، باللغة العربية لا يتجاوز نسبة 3%.

ومن يبحث عن الاستقامة والرقي، فلن يتمكن منها إلا باهتمامه الحقيقي باللغة، فهي مدار الفكر وكنز الأخلاق، حيث لن تستقيم أمور أمة، إلا عندما يستقيم اهتمامهم بلغتها.

وخير الكلام، ما قاله شاعرنا حافظ إبراهيم في وصفها قائلا:
رَجَعتُ لِنَفسي فَاتَّهَمتُ حَصاتي وَنادَيتُ قَومي فَاحتَسَبتُ حَياتي    
رَمَوني بِعُقمٍ في الشَبابِ وَلَيتَني عَقِمتُ فَلَم أَجزَع لِقَولِ عُداتي   
وَسِعتُ كِتابَ اللهِ لَفظًا وَغايَةً وَما ضِقتُ عَن آيٍ بِهِ وَعِظاتِ
فَكَيفَ أَضيقُ اليَومَ عَن وَصفِ آلَةٍ وَتَنسيقِ أَسماءٍ لِمُختَرَعاتِ    
أَنا البَحرُ في أَحشائِهِ الدُرُّ كامِنٌ فَهَل سَأَلوا الغَوّاصَ عَن صَدَفاتي  
أَرى لِرِجالِ الغَربِ عِزًّا وَمَنعَةً وَكَم عَزَّ أَقوامٌ بِعِزِّ لُغاتِ     
أَتَوا أَهلَهُم بِالمُعجِزاتِ تَفَنُّنًا فَيا لَيتَكُم تَأتونَ بِالكَلِماتِ    
سَقى اللَهُ في بَطنِ الجَزيرَةِ أَعظُمًا يَعِزُّ عَلَيها أَن تَلينَ قَناتي   
حَفِظنَ وِدادي في البِلى وَحَفِظتُهُ لَهُنَّ بِقَلبٍ دائِمِ الحَسَراتِ       
وَأَسمَعُ لِلكُتّابِ في مِصرَ ضَجَّةً فَأَعلَمُ أَنَّ الصائِحينَ نُعاتي   
أَيَهجُرُني قَومي عَفا اللَهُ عَنهُمُ إلى لُغَةٍ لَم تَتَّصِلِ بِرُواة    
إِلي مَعشَرِ الكُتّابِ وَالجَمعُ حافِلٌ بَسَطتُ رَجائي بَعدَ بَسطِ شَكاتي    
فَإِمّا حَياةٌ تَبعَثُ المَيتَ في البِلى وَتُنبِتُ في تِلكَ الرُموسِ رُفاتي

وتظل العربية خالدة بخلود كلمات الله عز وجل في سورة الحجر- الآية 9:
"إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ".          

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة