في ظل الظروف الراهنة والأجواء المحيطة يأبي هذا العام الجاري مع وداعه أن يمر بأحواله وظروفه الصعبة التي شهدناها - ومازلنا نعيشها -إلا وأن يترك لنا أخبارًا مبهجةً في خِضم آلامٍ وأحزانٍ ودماءٍ تُهدر ودولٍ تُهدم؛ مما يؤكد أن الله عز وجل رحيمٌ بعباده رءوفٌ، بهم يُخرج من قلب المحنة منحةً، ومن الابتلاء عطاءً، وأنه يعطي بلا نوال، ويزيد في العطاء لمن شمر وصبر واجتهد وبذل وقدم وسعى وعمّر..
أقول ذلك؛ لأن هناك جهودًا تُبذل وعملًا يتم على أرض الواقع وأن هناك رؤيةً استراتيجيةً وطنيةً بعيدة المدى بدأت تؤتِي ثمارها في أرض الكنانة.. فمن حسن الطالع أنه بالأمس القريب حصلت هيئة الدواء المصرية على اعتمادها لمستوى النضج الثالث في السلطات التنظيمية للأدوية واللقاحات من منظمة الصحة العالمية كأول دولةٍ على مستوى إفريقيا.
ولم يكن ذلك التميز يتحقق، وذلك الإنجاز، من وجهة نظري، ومن وجهة نظر الكثيرين، إلا بدعمٍ من الدولة ممثلةً في شخص الرئيس السيسي والحكومة المصرية للارتقاء بالقطاع الدوائي وتعزيز قدرة المؤسسات الوطنية على الحصول على الاعتمادات الدولية بما يعزز مكانة مصر التنافسية في صناعة الدواء على المستوى العالمي وهو ما أكد عليه الرئيس السيسي منذ سنواتٍ على أهمية الاكتفاء الذاتي من الدواء والتصدير بقيمة 100 مليار دولار خلال الــ 5 سنوات المقبلة بإذن الله تعالى..
وحيث إن حجم إنتاج سوق الدواء بمصر قد بلغ أكثر من 300 مليار جنيه سنويًا وأن ما يعادل 90% من صناعته هو في الأساس صناعةٌ محلية. وفي ظل التحديات التي شهدها سوق الدواء بمصر مؤخرًا كان لابد من حلول خارج الصندوق، لضمان إتاحة الدواء للمرضى خاصةً الأدوية الاستراتيجية والمهمة وذلك بالعمل على توطين المستحضرات الطبية الحديثة والمبتكرة وذات الأولوية المباشرة للمريض المصري.
ومما لاشك فيه أن الدولة المصرية قد شهدت خلال الفترة الماضية نقصًا كبيرًا في الأدوية وارتفاعًا في أسعار كثيرٍ من الأدوية بسبب ارتفاع أسعار المواد الخام ومستلزمات الإنتاج وزيادة تكلفة الشحن بعد تغيير سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار ومن هنا عملت الدولة على توفير المناخ المناسب الذي يدعم توطين صناعة الدواء كأحد الركائز للقضاء على نقص الدواء في السوق المصري وعدم تكرار حدوث أزمة في الدواء.
وربما يتساءل البعض وما فائدة هذا الاعتماد؟ وما العائد علينا كمواطنين وعلى الدولة؟ وللإجابة عن هذا السؤال، فإننا نؤكد أن هذا الاعتماد ليس الأول من نوعه، بل إنه في عام 2022 م حصلت مصر على الاعتماد (مستوى النضج الثالث في اللقاحات) باعتبارها دولةً مُصنِعةً للقاحات، وفي هذا العام الحالي 2024 م حصلت على (الاعتماد للأدوية والمستوى الثالث)؛ وهو ما يعني استيفاء جميع الشروط، واستيفاء أكثر من 260 مؤشرًا؛ وهي تلك المؤشرات التي وضعتها منظمة الصحة العالمية لكي تحصل على هذا المستوى للحصول على مستوى النضج الثالث في مجال المستحضرات الدوائية، وبذلك أصبحت مصر الأولى في إفريقيا التي تحصل على هذا المستوى كدولةٍ مصنعةٍ للأدوية واللقاحات.
وهذا الأمر لم يأتِ من فراغ، ولكنه جاء جرّاء جهودٍ كبيرةٍ بُذلت من هيئة الدواء المصرية والعاملين بها خاصةً، أن هذا الاعتماد يأتي بناءً على دراسةٍ من جانب فريقٍ كبيرٍ من منظمة الصحة العالمية لتقييم الأداء الرقابي، والتأكد من تكامل النظام الرقابي واستمراريته وقدرته على أداء مَهامه في توفير الأدوية واللقاحات الآمنة.
وبهذا الاعتماد الذي يضع مصر في مكانةٍ عاليةٍ خفاقةٍ، ويفتح لها مجالًا من الاستثمار، ويقوم على تشجيع الشركات المُصنِعة للدواء واللقاحات العالمية؛ لتوطين الصناعات بمصر، وزيادة مُعدل التصدير للمنتج المحلي المُسجَل في مصر لاعتماد جميع المعايير العالمية، وليس هذا فحسب، ولكن في ظل الترويج لزيادة الاستثمارات الدولية في مجال الدواء، وتوقيع بروتوكولات التعاون فضلًا على ما يضيفه هذا الاعتماد من حسنِ وطيبِ سمعة الأدوية المصرية والثقة العالية بجودتها وفاعليتها، وبما يزيد من الطلب عليها ويعزز من فرص التصدير منها، وفتح المجال أمام تدفق المستحضرات الطبية المصرية إلى كافة ربوع القارة الإفريقية والوطن العربي وإقليم الشرق الأوسط.
علاوةً على فتح المجال أمام الأدوية واللقاحات المُصنَعة محليًا للحصول على موافقة التأهيل المُسبَق، بالإضافة إلى أن هذا الاعتماد يتيح شراء الأدوية واللقاحات المُصنَعة محليًا في مصر من الجهات المانحة؛ مثل منظمة الصحة العالمية، ومؤسسة جافي واليونسيف، وتوزيعها للدول التي هي بحاجة إليها.
إننا نقول: إن هذا الاعتماد يُعد إنجازًا بمعنى الكلمة، وكما نحن حريصون على أن ننتقد الأخطاء والسلبيات لتصحيحها، فعلينا أن نحرص أيضًا على تسليط الضوء على الإيجابيات، وأن نفتخر بما حققناه بما يعكس من كفاءة النظام الرقابي المصري، وقدرته على ضمان جودة وأمان المستحضرات الطبية، وفقًا للمعايير العالمية فضلًا على أن الحصول على هذا الاعتماد في وقتٍ قياسي وبمجهوداتٍ متميزةٍ لم تشهدها المنظمة من قبل في المنطقة؛ بما يُؤكد ثقة المجتمع الدولي في نظام الرقابة الدوائية المصرية، الذي أثبت قوته وتكامله على المستوى الإقليمي والدولي.
وحقيقةً، وبلا مبالغةٍ، فإن هذا الاعتماد يُعد من أرفع الاعتمادات الدولية؛ لذا علينا أن نستغل ذلك الإنجاز، خاصةً أننا نمتلك قدراتٍ تصنيعيةً وكوادرَ ومهاراتٍ بشريةً ذات كفاءةٍ بمجال الصناعة الدوائية، ولقد استطعنا خلال الفترة الماضية القضاء على (فيروس c)، وتوفير الدواء اللازم، وأحسنا إدارة أزمة كورونا بنجاح.
وفي ظل ما يواجهه العالم، والمنطقة تحديدًا، من أزماتٍ ومتغيراتٍ ومؤامراتٍ تُحاك لنا بليلٍ، كان لزامًا علينا أن نعمل على امتلاك الغذاء والدواء وتوفير المواد الخام وإنتاجها في مصر؛ لمواجهة الأزمات، وتعزيز قدرتنا التنافسية، والوصول إلى حلولٍ مُبتكرة تعزز من قدرات التطوير والابتكار، ومن تقدمٍ لتقدمٍ، ومن نجاحٍ إلى نجاح، ومن ريادة إلى ريادة لكل مؤسسات مصرنا الحبيبة؛ للرد على الأصوات التي تشكك في حجم الجهود المبذولة للارتقاء بالدولة المصرية، ولاعزاء للمحبطين والحاقدين.. وتحيا مصر.