من يدقق في مشهد الأحداث والتطورات الدراماتيكية التي تعصف بالمنطقة، والتي بدأت بسقوط غير متوقع لنظام بشار الأسد في سوريا سيكتشف دون عناء في البحث ولا مشقة في التحليل نذر مشروع جديد يطل برأسه القبيح، وأذناب مخطط شيطاني يتسلل بليل ليضرب هذه المنطقة التي تعاني منذ أكثر من عقد من ويلات الحروب والنزاعات والفوضى التي زرعها أصحاب الأطماع والمصالح.
رأس هذا المخطط يظهر في عمليات غسيل وتجميل ممنهجة لقوى وجماعات الإرهاب والعنف في محاولة مفضوحة لتقديمها على أنها صاحبة رسالة وتحمل السمن والعسل للشعوب في هذه المنطقة.
هذا المشهد الشيطاني الخطير بدا واضحًا في حجم الابتهاج والاحتفاء من جانب الجماعات الإرهابية المتطرفة، وفي طليعتها جماعة الإخوان التي وجدت في هذا المشروع وتلك التطورات فرصة لتستعيد طرح مشروعها وبث سمومها عبر منصاتها الإعلامية ولجانها الإلكترونية؛ لتسويق هذا المشروع الأسود؛ إذ إن خطابها الإعلامي المضلل يعتبر ما حدث في سوريا بداية جديدة لجلب الاستقرار والتنمية والحرية، مع استمرارها في التحريض وتدشين حملات التشكيك وبث روح الإحباط واليأس بين الشعوب، ولا شك أن هذا المخطط، القديم الحديث، يستهدف إسقاط الدول وتدمير الجيوش وضرب مقدرات الشعوب، وهو ما يؤدي بالطبع إلى تقسيم الأوطان لحساب قوى إقليمية ودول أجنبية تسعى إلى توسيع نفوذها ونهب مقدرات وثروات دول المنطقة.
أدلة هذا المشروع واضحة وضوح الشمس، وخيوطه تتقاطع وتتلاقى في عواصم دول غربية وإقليمية متحالفة ومستفيدة ومتآمرة أيضًا ما بين آلة إعلامية تعمل على مدار الساعة لتغييب الوعي الجمعي العربي؛ عبر تقديم ما يحدث في سوريا على أنه نموذج جديد يحمل الخير والمستقبل الباهر للشعوب، بالتوازي رأينا مشهد هرولة الدول الغربية، وفي مقدمتها أمريكا والدول الأوروبية التي سارعت بإرسال الوفود، وفتح قنوات الاتصال والدعم مع القادة الجدد في سوريا، ودعم هذا المشروع وترسيخ أقدامه، ومباركة تسريح الجيش السوري، وتشكيل جيش آخر من الفصائل المسلحة، وإلغاء التجنيد الإجباري للمواطنين، وقصره على هذه الفصائل، في إشارة تعكس سوء نوايا أنصار وداعمو هذا المشروع.
وعلى نفس منوال الهرولة، جاء موقف إسرائيل ليؤكد أيضًا هذا التوجه؛ إذ إنه من المثير للريبة والسخرية أن يخرج بنيامين نتيناهو رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي سارع بتدمير أسلحة الجيش السوري واحتلال مساحات قدرت بنحو 9 كيلو مترات في الأرض السورية بالدعوة إلى مساندة ودعم الإدارة الجديدة في سوريا، في إشارة واضحة إلى أن إسرائيل تدعم هذا المشروع الذي لا يحقق سوى مصالح هذا الكيان على حساب الدول العربية في المنطقة.
لم تتوقف مشاهد وأدلة هذا المشروع الشيطاني عند هذا الحد؛ بل إن ما تداولته قنوات وصحف عالمية من صور تجمع قيادات إرهابية متورطة في قضايا اغتيالات مع القيادة الجديدة في سوريا يطرح علامات استفهام كبيرة حول التحالفات التي بدت تتشكل على وقع الأحداث في سوريا، وتؤكد في ذات الوقت صحة المآلات والأهداف الخبيثة لهذا المشروع.
المؤكد أن نظام بشار الأسد لم يكن ملائكيًا، بل إن ما ارتكبه في حق شعبه من قتل وتدمير وتشريد وتجويع يضعه محل مساءلة ومحاكمة لا يجب أن يفلت منها حتى وإن كان قد هرب إلى روسيا، لكن المؤكد أيضًا أن سقوط النظام لا يجب أن يكون إسقاطًا للدولة السورية، وإسقاطا للمنطقة في براثن الجماعات الإرهابية التي تحركها دول وأجهزة لها مصالح وأطماع في مقدرات شعوب المنطقة، وأولها أمريكا وإسرائيل.
هذا المخطط الشيطاني يتم من خلاله إعادة إنتاج التنظيمات الإرهابية المتطرفة وتقديمها على أنها صاحبة رسالة خير للشعوب، بينما الحقيقة أنها جسر للتدمير والتقسيم وأداة في يد قوى الاستعمار الجديد.
لا أحد يكره الخير والنماء والسلام للشعب السوري، ويقينًا أن تحقيق الاستقرار والتنمية في هذا البلد سوف يسعد كل مواطن عربي؛ لأن سوريا تستحق الأفضل، وشعبها يستحق الكثير بعد سنوات وعقود من المعاناة التي عاشها في ظل نظام بشار الأسد، لكن لا بد أن يعي الجميع ما يحاك للمنطقة عبر سوريا والذي يستهدف بالدرجة الأولى تأمين وتوسيع حدود الكيان الإسرائيلي المحتل على حساب مقدرات الشعوب العربية، وتحويل المنطقة العربية إلى دويلات وكيانات وفصائل متناحرة لا تقوم لها قائمة.
قدر هذه المنطقة أن تظل فريسة للقوى الكبرى تتقاذفها فيما بينها؛ فسوريا سقطت قبل ما يزيد على عقد في براثن تنظيم "داعش" الذي زرعته دول غربية وبدعم إسرائيلي، وقد نتج عن هذا الوضع سقوط الدولة السورية ضحية مشروعات روسية وأمريكية وتركية وإيرانية، واليوم ها هي تشهد مخاض سقوط جديد في أيدي قوى أخرى زرعتها ومولتها وسلحتها دول طامعة وأنظمة طامحة تحركها نوازع الاحتلال ودوافع الاستعمار.
يقينًا أن هذا المشروع سيفشل وسيسقط تحت أقدام الشعوب العربية التي ذاقت مرارة الإرهاب وتجرعت كأس الفوضى، وأصبحت تدرك وتعي ما وراء هذه الخطابات الإعلامية والحملات المسعورة والمخططات السوداء التي تعمل على تجميل وجه هذه التنظيمات الإرهابية المأجورة وغسل أيديها من دماء الأبرياء وتبرئتها من التآمر على الأوطان وإسقاط الدول..
[email protected]