"الثروة الحقيقية هي ثروة الرجال وليس المال والنفط، ولا فائدة في المال، إذا لم يسخر لخدمة الشعب".. تلك هي إحدى مقولات المغفور له -بإذن الله- الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، التي يحفظها شعبه العربي الإماراتي، عن ظهر قلب، وجرى نقشها -كأيقونة خالدة- على مجموعة غنية من المحتويات والقاعات بقصر الحكم.
بالأمس القريب، أتيحت لي الفرصة -ضمن جمهور عريض من الزائرين- لتفقد معالم مقر الحكم بعاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة، أبوظبي، ويسمى قصر الوطن، وهو -بحق- أحد أبرز المعالم الحضارية بالدولة، ويعد رمزًا للتطور والابتكار في التصميم المعماري، كما أنه نافذة -معتبرة- تظهر ثراء التراث العربي الإماراتي، بالإضافة إلى ما يضمه من نقوش وزخارف مطلية بأوراق الذهب عيار 23 قيراطًا.
ضمن مشواري المهني الممتد لنحو نصف قرن، زرت العديد من قصور الحكم بعواصم العالم من شرقها لغربها ومن شمالها لجنوبها، معظمها كانت مرتبة، إما لحضور مؤتمرات صحفية، أو لإجراء مقابلات حصرية مع القادة، وفيما بقي من الزيارات، كانت بترتيب شخصي بحت، طالما تسمح السلطات بفتح مقار القادة لجمهور الزائرين، مثل: البيت الأبيض بواشنطن، والقصر الأزرق بسول، والقصر الإمبراطوري بطوكيو والقصر الملكي ببرشلونة وقصر الرئاسة بنيقوسيا، وغيرها.
ثاني يوم من وصولي للإمارات (15 ديسمبر)، شاءت الظروف أن أجلس في مقعد خلف الشيخ خالد بن محمد بن زايد (42 سنة)، ولي العهد رئيس المجلس التنفيذي لأبوظبي، لأشهد أول بطولة رياضية، جرى تنظيمها تحت رعايته، وتحمل اسمه.
وقتها، ولأنني لست خبيرًا في الشأن الرياضي، سيطر على تفكيري مشهد آخر، رأيته على الشاشة منذ سنوات، وكان الراوي هو محمد حسنين هيكل، متحدثًا عن "لغز دولة الإمارات.. وذكاء عيال بن زايد وراشد"، في الاستجابة لمفاهيم العصر.
الأستاذ هيكل، رحمه الله، قال على ما أذكر: "من يحكمون الإمارات -من أبناء زايد وراشد- لديهم من الذكاء أن يفهموا ويستجيبوا للعصر وينفذوا مشروع النهضة في بلدهم ومن اللافت والمحبب جدًا أن تجد جيلًا من الشباب الإماراتي بمركز القيادة".
أيضًا، وفي أثناء مشاركتي بأول بطولة رياضية جرى تنظيمها تحت رعاية ولي عهد أبوظبي، تذكرت ما كتبته في مقال منذ عام، بعنوان: هنا أبوظبي.. الفضاء العربي لا يعرف المستحيل"، وقتها، كنت مدعوًا لحضور النسخة الثانية من الكونجرس العالمي للإعلام، وبالصدفة، كان من حظي الجلوس بالصف الثاني، مباشرة خلف رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي، وأصبح لاحقًا وزيرًا للشباب.
بطولة خالد بن محمد بن زايد لرياضة الجوجيتسو، التي حضرتها في أبوظبي، تأتي ضمن اهتمامات دولة الإمارات العربية المتحدة لتعزيز قيم أساسية، مثل: الالتزام والانضباط والاحترام، ويجري -فعليًا- دمج هذه الرياضة في المناهج المدرسية لتحفيز الأجيال الإماراتية الصاعدة على تبني نمط حياة صحي، تشارك فيه 270 مدرسة في مختلف أنحاء الدولة، تضم 84 ألف طالب وطالبة، إضافة إلى تجاوز عدد ممارسيها 200 ألف شخص، من مختلف الفئات العمرية والجنسين.
دولة الإمارات العربية المتحدة، الشقيقة، تتبع منهجًا صارمًا، وإستراتيجية وطنية لتمكين الشباب، بهدف تعزيز قدراتهم وحضورهم في المؤسسات الاتحادية الكبرى، وإدماجهم في مفاصل صناعة القرار، بما يجعل الدولة نموذجًا عالميًا يحتذى به.
مثلا، مرت عملية اختيار رائد الفضاء الإماراتي، النيادي، كوزير للشباب، بعدة مراحل، بدءًا بفتح باب الترشح أمام عامة أبناء الشعب، عبر منصات التواصل الاجتماعي، ووصولًا بمجيء اسمه الأكثر تكرارًا بين المرشحين، نتيجة لارتباطه الوثيق بالشباب، وشخصيته المميزة، وإنجازاته البارزة في مجالي الفضاء والعلم.
الوزيرة شما المزروعي (خريجة جامعة أكسفورد) سبقت رائد الفضاء، في تولي حقيبة الشباب، كأصغر وزيرة في العالم (22 سنة)، وكان اختيارها خطوة تاريخية ملهمة للأجيال، وأكدت ريادة الإمارات في تمكين الشباب، ومنحهم الأدوار القيادية.
حسب تقرير صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2022، احتلت الإمارات المرتبة الأولى، عالميًا، في بند إشراك الشباب ضمن القرارات الحكومية في الوقت نفسه، تزيد نسبة الشباب، تحت سن 35 عامًا الذين يتولون مناصب قيادية في مؤسسات حكومية وخاصة، عن 25%، فضلًا عن أن أكثر من 65% من مناصب القطاعات التقنية والابتكارية بالدولة يتولاها شباب إماراتيون عبر مبادرات وطنية.
وقد تقدمت الإمارات 34 درجة في مؤشر رأس المال البشري، منتقلة من المركز 44 إلى العاشر، ومحققة المركز الأول على مستوى آسيا والعالم العربي، ووصلت للمركز الخامس عالميًا في مؤشر البنية التحتية للجودة والتطور المستدام لعام 2024، ضمن فئة الدول ذات الناتج المحلي الإجمالي 100 مليار-تريليون دولار.
هنا وجبت الإشارة إلى أن الإمارات، بفضل تمكين وحيوية شبابها، وإدماجهم في مفاصل صناعة القرار، حصدت المركز الأول إقليميًا والخامس عالميًا، بقائمة الدول الأكثر تفوقًا، في الذكاء الاصطناعي، ويتوقع أن يساهم بعائدات تبلغ قيمتها 96 مليار دولار، أي ما يعادل 14% من الناتج المحلي الإجمالي، بحلول عام 2030.
لهذا السبب، اعتمدت الإمارات منهجًا وطنيًا طموحًا، يحمل عنوان "إستراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي (2031)، كمحرك رئيسي للنهضة التنموية، وتحسين الكفاءة التشغيلية، وتطوير صناعات مبتكرة، وجذب استثمارات أجنبية مباشرة.
[email protected]