من عادة مصر الراهنة في لحظات الصعوبات الدقيقة والخطر، أن تكون دبلوماسيتها الثنائية أو متعددة الأطراف قوية ومؤثرة ومباشرة، خصوصًا في فترات الأزمات الحادة لتكون رسالة للعالم وللمنطقة، وتخفف من حدة التوتر، وتنقل حكمتها ورؤيتها الناضجة والناصعة بكل شجاعة ووضوح للجميع.
مصر دولة مؤثرة تضع الكل أمام مسئولياته، سيتوقف الكثيرون أمام القمة التى عقدت الخميس 19 ديسمبر، فى عاصمتها الإدارية، حيث جاء للقاهرة أهم زعماء وقادة الدول الإسلامية أو النامية المؤثرة والمتأثرة بقضايا الشرق الأوسط والعالم.
هناك التطور الأخير في سوريا، حيث إن القطر العربي يتطلع إلى تقرير مصيره واستقراره، بعد معاناة وتهجير واسعين أثرا على كل السوريين.
الحضور التركي والإيراني في هذا التوقيت الدقيق مهم في قمة نوعية ذات طبيعة خاصة، مجموعة (دي-٨) (D-8)، وهي مجموعة ناشئة تهدف إلى التعاون الاقتصادي والتنموي بين الدول الأعضاء: مصر وتركيا وباكستان وإيران ونيجيريا وبنجلاديش وإندونيسيا وماليزيا، لتعزيز التجارة والاستثمارات ووضع إستراتيجيات مشتركة للمستقبل، ليخلق واقعًا إستراتيجيًا جديدًا، ومن خلاله يتم تقديم نموذج للتعاون بين الدول في إطار يركز على التنمية وليس السياسة فقط.
مصر بحكمتها السياسية وبرؤية قائدها الرئيس السيسي،عودتنا على المبادرات السياسية الخلاقة وغير التقليدية، فقد ربطت ما بين التاريخ العريض للدور القيادي في تقديم المبادرات الإقليمية والإسلامية الناضجة، لا شك أن الدولتين المهمتين في الشرق الأوسط، تركيا وإيران، تغيران الكثير من سياساتهما وإستراتيجيتهما المستقبلية في المنطقة، وتحتاجان أكثر من أي وقت مضى لحكمة مصر، ورؤية مصر الحكيمة لها دور كبير في تخفيف حدة التوتر، وعدم التدخل للدول الإقليمية الكبرى في شئون الدول العربية، سيكون له تأثير جوهري طويل المدى، في إعادة الأمور إلى نصابها، وإلى أوضاعها الطبيعية في أكثر من قطر عربي.
هذا هو الدور والمكانة، وتلك القمة التي تجمع قادة مهمين في دبلوماسية متعددة الأطراف مع حكمة مصر، كانت أكثر الرسائل السياسية وضوحًا في الفترة الراهنة الدقيقة التي تعيشها بلداننا، من حروب واضطرابات وتغييرات شملت أكثر من جبهة وبلد عربي.
لا نغفل أهمية القمة في إطار عالم يشهد تحولات بين الشرق والغرب، بل حروب لا تنتهي في أوروبا وفي منطقة الشرق الأوسط والصراعات على النفوذ بين أمريكا والصين، وبين الدول الصناعية الكبرى، مجموعة السبع ومجموعة العشرين، ومجموعة البريكس الأخيرة، هذه التدخلات والنفوذ بين أمريكا والصين وروسيا والاتحاد الأوروبي، تستدعي تعاونًا أكبر من الدول في هذا العالم.
هذه المجموعة في اجتماع القاهرة شهدت ما يسمى عودة الروح أو القوة إليها، وحققت مصر فيها نموذجًا إيجابيًا لتعزيز دور الدول الأعضاء في الاقتصاد العالمي.
قمة العاصمة الإدارية، رسالة أن مصر تدير هذه المنطقة بحكمة واقتدار، وأن سياساتها هي التي تصنع الشرق الأوسط الجديد، وليس العدوان الإسرائيلي والهمجية بالقتل والإبادة الجماعية، سواء في غزة أم جنوب لبنان، وأخيرًا في سوريا ومحاولتها الانتهازية للاستفادة من التغيير الجذري هناك، لضرب الجيش العربي السوري، كانت القمة رسالة بينة على طبيعة المستقبل الذى تخطط له القاهرة للمنطقة وللعالم.
عندما ننظر لقمة المجموعة (D-8)، نرفع القبعة عاليًا لمصر ودبلوماسيتها متعددة الأطراف، لحماية منطقة الشرق الأوسط وإعادة الدول العربية إلى حالتها الطبيعية، بعد مرحلة صعبة وعقود من الحروب والاضطرابات.