موضوعات مقترحة
- الطريق إلى حلم الوحدة.. التكتلات الإقليمية.. محركات النمو في إفريقيا
- د.باهي يسن: منطقة التجارة الحرة الإفريقية خطوة جديدة على طريق التكامل الإفريقي المنشود
- د.شيماء محجوب: تساهم صادرات وواردات الكوميسا بـ 324 مليار دولار في التجارة العالمية
- د.عطية الطنطاوي: الزراعة والرعي يشكلان 75% من الناتج المحلي في دول التجمع الساحل والصحراء
- د.عدلي السعداوي: الطريق السريع الساحلي ومجمع الطاقة عزز الاتصال الإقليمي في غرب إفريقيا
- د.سمر الباجوري: معدل تكامل الجماعة الاقتصادية لدول الوسط بلغ 0.62 وتحتل المرتبة الخامسة
- د.أحمد الرفاعي: التجارة البينية في اتحاد المغرب العربي لا تتجاوز 3% من إجمالي التجارة الخارجية
- د. مني سليمان: : الإيجاد تواجه تحديات ضخمة وبلغ عدد النازحين لأكثر من ثمانية ملايين منذ 2014
- د. نورهان حسام: السلع المصدرة من دول سادك بلغت قيمتها 15 مليار دولار سنويًا
في قلب القارة الشابة، حيث تلتقي الأرض بالشمس وتتجلى الروح الأفريقية في تنوعها، يتشكل المستقبل الاقتصادي من خلال تكتلات إقليمية تعيد رسم خرائط النمو والتعاون، إن التكتلات الاقتصادية في إفريقيا لا تمثل مجرد تجمعات جغرافية، بل هي تجسيد للرؤى الطموحة التي تسعى إلى توحيد القوى وتحقيق التنمية المستدامة.
تحت سماء قارة غنية بالموارد الطبيعية والمواهب البشرية، تنبثق تكتلات تقع تحت مظلة الاتحاد الإفريقي، الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS) ، مجموعة التنمية لأفريقيا الجنوبية (SADC)، السوق المشتركة للشرق والجنوب الأفريقي (COMESA)، ومنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA) كرموز للانفتاح والتعاون، إضافة إلى ذلك، تشمل التكتلات الإقليمية الأخرى، مثل الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (IGAD))، والجماعة الاقتصادية لدول وسط إفريقيا (ECCAS)، بالإضافة إلى تكتل المغرب "اتحاد المغرب العربي" (UMA) وتكتل الساحل والصحراء، (CEN-SAD) ، وتكتل شرق إفريقيا (EAC)، هذة التكتلات ليست فقط أداة لتسهيل التجارة وتحسين البنية التحتية، بل أيضاً إطاراً استراتيجياً يعزز التكامل الثقافي والسياسي، ويرسخ الأسس لمستقبل مشترك يرفع من شأن القارة على الساحة العالمية.
تنتظر القارة بشغف تلك الحظة تاريخية التي تقف فيها تلك التكتلات على قلب رجل واحد، ليتفاعلوا مع التحديات المعاصرة، ويخلقوا معاً فرصةً لنهضة اقتصادية مستدامة، من خلال هذه التكتلات، تنطلق إفريقيا نحو آفاق جديدة، حيث تصنع التحالفات وتحفز النمو، وتبني الأسس لعصر جديد من الازدهار.
الأهمية الاقتصادية
تلعب التكتلات الإقليمية الاقتصادية في إفريقيا دورًا أساسيًا في تعزيز النمو الاقتصادي من خلال تحسين التجارة البينية بين الدول الأعضاء، على سبيل المثال، سوق شرق وجنوب إفريقيا (COMESA) شهدت زيادة في التجارة البينية بنسبة 9% من عام 2018 إلى 2020، حيث بلغ حجم التجارة البينية حوالي 30 مليار دولار في عام 2020، وفقًا لتقرير منظمة التجارة العالمية (WTO)، يعكس هذا النمو التأثير الإيجابي للتكتلات في تعزيز التبادل التجاري بين الدول الأعضاء وتسهيل العمليات التجارية، تلعب الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS) دورًا مشابهًا في تعزيز التكامل الاقتصادي، حيث يشكل إجمالي الناتج المحلي لدول ECOWAS حوالي 650 مليار دولار، توفر ECOWAS سوقًا ضخماً يضم حوالي 350 مليون مستهلك، مما يعزز من أهمية السوق الإقليمي كمركز تجاري رئيسي ويعزز من النمو الاقتصادي، تساهم مجموعة التنمية لإفريقيا الجنوبية (SADC) أيضًا بشكل كبير في تعزيز التنمية الاقتصادية من خلال مشاريع البنية التحتية المشتركة، وفقًا لتقرير البنك الإفريقي للتنمية، تمت استثمارات تقدر بـ 10 مليار دولار في مشاريع البنية التحتية ضمن إطار SADC، مما يسهم في تحسين الربط بين الدول الأعضاء وتعزيز التكامل الاقتصادي في جنوب القارة.
يسعى الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا (UEMOA) إلى تحقيق التكامل المالي من خلال اعتماد عملة موحدة، وهي الفرنك الإفريقي، وفقًا لتقرير البنك المركزي لدول غرب إفريقيا، يمثل استخدام العملة الموحدة 60% من التجارة بين الدول الأعضاء في UEMOA، مما يعزز الاستقرار الاقتصادي ويقلل من التقلبات المالية.
الأبعاد السياسية
تكتسب التكتلات الإقليمية أهمية كبيرة في تعزيز الاستقرار السياسي والأمني في إفريقيا، على سبيل المثال، تسهم الهيئة الحكومية للتنمية (IGAD) في تعزيز السلام والأمن في منطقة القرن الإفريقي من خلال التنسيق المشترك لمواجهة التحديات الأمنية، وفقًا لتقرير مؤسسة الأزمات الدولية، ساهمت IGAD في تحقيق استقرار نسبي في جنوب السودان ووسط الصومال من خلال التوسط في اتفاقيات سلام أساسية، يلعب الاتحاد الإفريقي (AU) دورًا محوريًا في تنسيق السياسات بين التكتلات الإقليمية المختلفة، مما يعزز التعاون في حل النزاعات وتعزيز الاستقرار، وفقًا لتقرير معهد الدراسات الأمنية، ساهم الاتحاد الإفريقي في تسوية النزاعات في ليبيا وساحل العاج من خلال التدخلات السياسية والدبلوماسية، مما يعكس فعالية التكتلات الإقليمية في دعم السلام والاستقرار،
صراعات القارة
تواجه إفريقيا صراعات سياسية واقتصادية تؤثر بشكل كبير على فعالية التكتلات الإقليمية، الصراعات السياسية بين الدول الأعضاء تشكل عائقًا رئيسيًا لتحقيق التكامل الفعّال، على سبيل المثال، يشهد الاتحاد المغاربي توترات سياسية نتيجة النزاعات الإقليمية، التوترات في المغرب العربي حول الصحراء الغربية التى أثرت بشكل كبير على التعاون داخل الاتحاد المغاربي، مما يعوق تحقيق التكامل الإقليمي، من الناحية الاقتصادية، تواجه القارة تحديات تتعلق بالصراعات على الموارد الطبيعية، وفقًا لتقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة، تؤدي النزاعات حول الموارد مثل النفط والمعادن إلى تأجيج الصراعات الإقليمية، مما يؤثر على الاستقرار السياسي والاقتصادي، على سبيل المثال، النزاعات حول موارد النفط في جنوب السودان أدت إلى عدم استقرار اقتصادي وسياسي في المنطقة، مما يؤثر على فعالية التكتلات الإقليمية في دعم التنمية،
كما أن الصراعات الاقتصادية الناتجة عن التباين في مستويات التنمية بين الدول الأعضاء تؤثر على تحقيق التكامل، تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) يشير إلى أن هناك تباينًا كبيرًا في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بين الدول الأعضاء في مجموعة التنمية لإفريقيا الجنوبية (SADC)، مما يؤثر على تحقيق التكامل الفعال ويشكل تحديًا كبيرًا للتنمية المتوازنة،
دعم الوحدة
يمكن للتكتلات الإقليمية أن تلعب دورًا حاسمًا في دعم التنمية من خلال تعزيز المشاريع المشتركة وتحسين الوصول إلى الأسواق، وفقًا لتقرير برنامج الأمم المتحدة للتنمية، يمكن لمشاريع البنية التحتية التي يتم تمويلها من خلال التكتلات الإقليمية أن تسهم في تحسين الوصول إلى الأسواق وتعزيز التنمية الاقتصادية في المناطق النائية، على سبيل المثال، مشاريع الطرق والموانئ التي يتم تطويرها ضمن إطار SADC وCOMESA يمكن أن تحسن الربط بين المناطق الاقتصادية وتعزز من النمو الاقتصادي في المناطق المحرومة.
كما أن التكتلات الإقليمية تعتبر خطوة نحو تحقيق الوحدة الإفريقية من خلال تعزيز التكامل الإقليمي وبناء قواعد مشتركة للتعاون، تتماشى هذه الجهود مع أهداف "أجندة 2063" للاتحاد الإفريقي، التي تسعى إلى تعزيز التنمية المستدامة والوحدة القارية، وفقًا لتقرير الاتحاد الإفريقي، فإن تحقيق التكامل الإقليمي من خلال التكتلات الإقليمية يمكن أن يساهم في تحقيق نمو اقتصادي مستدام ويعزز الاستقرار السياسي في القارة.
الدور المصري
تلعب مصر دورًا بارزًا في دعم التكتلات الاقتصادية الإقليمية وتعزيز الوحدة الإفريقية، منذ نشأة الاتحاد الإفريقي، كانت مصر من الداعمين الرئيسيين للتكامل الإقليمي، وفقًا لتقرير وزارة الخارجية المصرية، ساهمت مصر في جهود تأسيس وتعزيز التكتلات الاقتصادية مثل COMESA وECOWAS من خلال دعم المفاوضات والسياسات التي تعزز التكامل الاقتصادي في القارة، كما قدمت مصر أيضًا دعمًا ماليًا وتقنيًا للمشاريع التنموية في إفريقيا، مما ساهم في تعزيز البنية التحتية وتعزيز التعاون بين الدول الأعضاء، مما يعزز من التكامل الإقليمي، كما تولت مصر أدوارًا قيادية في الاتحاد الإفريقي، وساهمت في صياغة الاستراتيجيات والسياسات التي تدعم التكامل والوحدة القارية، ولعبت مصر دورًا محوريًا في تطوير استراتيجيات التكامل الإقليمي وتعزيز التعاون بين التكتلات الاقتصادية.
تعتبر التكتلات الإقليمية الاقتصادية في إفريقيا أدوات حيوية لتحقيق التكامل والتنمية الاقتصادية والسياسية، على الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجهها، بما في ذلك الصراعات السياسية والاقتصادية، فإنها تمثل فرصًا كبيرة لدعم النمو وتعزيز الاستقرار في القارة، من خلال تحسين التعاون وتجاوز العراقيل، يمكن لهذه التكتلات أن تسهم بشكل كبير في تحقيق أهداف التنمية والوحدة الإفريقية، دور مصر في دعم هذه التكتلات يعكس التزامها بتعزيز التكامل القاري والعمل نحو مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا لإفريقيا،
كما تُعد التكتلات الإقليمية الاقتصادية في إفريقيا من أبرز الآليات التي تُستخدم لتحقيق التكامل والتنمية في القارة الافريقية، هذه التكتلات تسعى إلى تحسين التعاون بين الدول الأعضاء من خلال تعزيز التجارة وتنسيق السياسات الاقتصادية والأمنية، ولكن، على الرغم من الأهداف الطموحة، تواجه هذه التكتلات العديد من التحديات التي تعيق تحقيق التكامل الكامل، في هذا الملف، سنستعرض أهمية هذه التكتلات من الناحيتين السياسية والاقتصادية، وسنناقش العراقيل التي تواجهها، مع التركيز على البيانات الرقمية الاقتصادية، وكيف يمكن لتلك التكتلات دعم التنمية والوحدة الإفريقية.
منطقة التجارة الحرة الإفريقية
أكد د. باهى يسن، مدرس الاقتصاد بجامعة بنها، أن منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (AFCFTA) تشكل خطوة استراتيجية هامة نحو تحقيق التكامل الاقتصادي الإفريقي المنشود، وأضاف يسن: "في أعقاب الاستقلال، بذلت الدول الإفريقية جهوداً كبيرة لتعظيم استفادتها من موارد القارة وتعزيز التكامل الاقتصادي الذي يعود بالنفع على الجميع، بدأت هذه الجهود بإنشاء منظمة الوحدة الإفريقية عام 1963، تلاها خطة عمل لاغوس عام 1981، ومن ثم معاهدة أبوجا في عام 1991، التي وقعتها 54 دولة إفريقية وبدأت تنفيذها في عام 1994، والتي أنشأت بموجبها الجماعة الاقتصادية الإفريقية، تلتها اتفاقية المشاركة الجديدة من أجل التنمية.
وأضاف: "اتفاقية أبوجا كانت بمثابة خارطة طريق لمسار التعاون والتكامل الإفريقي؛ فقد حددت هذه الاتفاقية ست مراحل للوصول إلى التكامل الاقتصادي الإفريقي المنشود، بدأت المرحلة الأولى خلال الفترة من 1995 إلى 1999، واستهدفت تعزيز دور التجمعات الاقتصادية القائمة في ذلك الوقت بالإضافة إلى إقامة تجمعات أخرى، ومن المخطط أن تتم المرحلة السادسة خلال الفترة من 2025 إلى 2028، والتي تستهدف إنشاء اتحاد اقتصادي قاري إفريقي.
وأشار مدرس الاقتصاد بجامعة بنها إلى أن منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية تُعدّ المرحلة الرابعة من بين المراحل الست، حيث تم توقيع اتفاقيتها في مارس 2018 وبدأ تنفيذ أولى مراحلها في عام 2021، مع التخطيط لإقامة سوق إفريقية مشتركة خلال الفترة من 2021 إلى 2024.
وأوضح قائلاً: "وفقاً لمعيار حجم السوق، تُعدّ منطقة التجارة أكبر منطقة تجارة حرة في العالم، فتضم 55 دولة و8 مجموعات اقتصادية إقليمية، ويبلغ حجم السوق أكثر من 1،3 مليار نسمة، والناتج المحلي الإجمالي للدول الأعضاء مجتمعة نحو 3،4 تريليون دولار."
وأضاف: "تسعى منطقة التجارة لتحقيق مجموعة من الأهداف، منها التغلب على المخاطر المتزايدة على الساحة الدولية، تنويع الصادرات وبناء اقتصادات أكثر مرونة، تعزيز قدرة سلاسل الإمداد على الصمود ومواجهة الصدمات، تحقيق نمو شامل للجميع، تعزيز الموقف التفاوضي للقارة الإفريقية على الساحة الدولية، وإزالة الحواجز التجارية وتعزيز التجارة البينية."
وأشار د. يسن إلى أن تقرير البنك الدولي يتوقع أن يؤدي التنفيذ الكامل للاتفاق التجاري إلى زيادة الدخول في المنطقة بنحو 9% وخلق نحو 18 مليون وظيفة جديدة، وأضاف: "وبحلول عام 2035، قد تساعد الوظائف الناجمة عن الاتفاق ونمو الدخول نحو 50 مليون شخص على الخروج من دائرة الفقر المدقع، ومن المتوقع أيضاً أن يؤدي تنفيذ الاتفاق إلى زيادة أجور الإناث العاملات بنحو 11،2%، بزيادة قدرها نحو 1،4 نقطة مئوية عن المعدل المناظر لنمو أجور العمالة الذكور.
وتابع قائلاً: "يشير التقرير إلى أن الإلغاء التدريجي للرسوم الجمركية على نحو 90% من السلع وتقليل الحواجز أمام التجارة في الخدمات، في إطار تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاقية، من شأنه زيادة القدرة على جذب المزيد من الاستثمارات من داخل القارة ومن خارجها، مما يمكن أن يسهم في تنويع الاقتصاد عبر إنشاء صناعات جديدة مثل الصناعات الزراعية."
وأضاف: "إن زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر قد تؤدي إلى زيادة صادرات القارة الإفريقية بنحو 32% بحلول عام 2035، مع نمو الصادرات البينية بنسبة 109%، خاصة في قطاعات السلع المصنعة، وعلى المستوى القطاعي، فمن المتوقع أن يؤدي انحسار الحواجز أمام التجارة والاستثمار إلى نمو قطاعات تصديرية بشكل أكبر من غيرها، مثل المنسوجات والملابس، الكيماويات، والمطاط واللدائن، والأغذية المصنوعة، ومع تعزيز التكامل وتقليل تكاليف التجارة، من المتوقع زيادة تدفقات رأس المال التي تعزز الصادرات الخدمية مثل النقل، الاتصالات، والضيافة."
ودعا د. يسن إلى ضرورة توافر الإرادة السياسية وتعزيز التنسيق بين السياسات الوطنية للدول الإفريقية، وتعبئة الموارد التمويلية لمشروعات الربط القاري، وتحسين خدمات النقل واللوجستيات، وأضاف: "من الضروري أيضاً تبسيط إجراءات التجارة، وضع آليات فعالة لفض المنازعات، وزيادة الاستثمار في رأس المال البشري وتعزيز التصنيع الشامل، والعمل الجاد لتحسين مناخ الاستثمار من خلال تحسين إدارة الاقتصاد الكلي، وزيادة الشفافية، وتنظيم الأطر الاستثمارية، وإجراء الإصلاحات التي تضمن تحسناً مستمراً في بيئة الأعمال."
السوق المشتركة للشرق والجنوب الأفريقي (الكوميسا)
أوضحت د. شيماء محجوب، الخبيرة الاقتصادية، أن تكتل الكوميسا، الذي أُنشئ في عام 1994، يُعدّ من أكبر التكتلات الاقتصادية في إفريقيا، يضم التكتل 21 دولة من دول القارة، ويشكل ثلث مساحتها، ويبلغ عدد سكانه أكثر من 583 مليون نسمة، والناتج المحلي الإجمالي له 805 مليار دولار أمريكي، فيما تساهم صادراته ووارداته بنحو 324 مليار دولار في التجارة العالمية، وأضافت د، محجوب: "وصل حجم التبادل التجاري بين مصر ودول التكتل إلى 5،3 مليار دولار، وبلغت تجارة مصر نحو 22،5% من إجمالي التجارة البينية للتكتل."
وأشارت إلى أن الهدف الرئيسي من إنشاء تكتل الكوميسا كان خلق وحدة اقتصادية وتجارية تحقق التنمية الشاملة للموارد الطبيعية والبشرية لمصلحة جميع الشعوب وتعزز السلم والأمن في الإقليم، وأضافت: "تمثل المحاور الأساسية للتكتل في زيادة التنافسية والإنتاجية في القطاعات الصناعية والزراعية، وتحقيق الأمن الغذائي من خلال الاستغلال الرشيد للموارد الطبيعية، مع تعزيز السياسات المالية والنقدية وبنية تحتية موثوقة."
ورغم تعدد جوانب التنمية التي يسعى التكتل لتحقيقها، فقد ركزت الأولويات منذ البداية على تعزيز التبادل التجاري، وهو ما انعكس في الإجراءات المتخذة لخفض القيود الجمركية وغير الجمركية والسعي نحو إنشاء اتحاد جمركي، وأضافت: "تضمنت الخطط تحسين إدارة النقل والاتصالات لتيسير تنقل السلع والأفراد داخل التكتل، وخلق بيئة مواتية لتشجيع استثمارات القطاع الخاص من خلال اعتماد معايير موحدة ومواءمة السياسات الاقتصادية والنقدية."
وفي سياق تطورات الخطط الاستراتيجية، تم الإعلان عن الخطة الاستراتيجية متوسطة الأمد (2016-2020) تحت شعار "سعيًا وراء التحول الاقتصادي الإقليمي والتنمية"، والتي تعكس تبني الأهداف الأممية للتنمية المستدامة، كما تم إطلاق استراتيجية التنمية الصناعية (2017-2026) والخطة الاستراتيجية (2021-2025) استكمالاً للجهود الرامية لتحقيق الازدهار الاقتصادي من خلال التكامل الإقليمي.
ورغم هذه الجهود، تظل هناك تحديات كبيرة، وأضافت د. محجوب: "تتسم القارة الإفريقية عمومًا بضآلة حجم التجارة البينية، والتي تشكل 12،6% من إجمالي حجم التجارة القارية، مقارنة بـ68% في الاتحاد الأوروبي و58% في دول آسيا و30% في أمريكا الشمالية، كما بلغت الصادرات البينية بين دول الكوميسا نحو 6% من إجمالي صادرات التكتل إلى العالم، و4،27% للواردات البينية."
وأكدت د. محجوب أن التحديات تعود إلى تشابه الهياكل الإنتاجية، حيث تركز الصادرات على السلع الأولية بنحو 67%، مما يعزز الاعتماد على الشركاء التجاريين من خارج القارة ويجعلها أكثر تأثراً بالأزمات الخارجية، وأضافت: "تعاني القارة أيضًا من تدني جودة البنية التحتية اللازمة لتسهيل انتقال السلع بتكلفة معقولة، خاصة في الدول الحبيسة التي تعتمد على الدول ذات الموانئ، مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف النقل."
وأوضحت أن تعزيز التعاون بين الدول هو الهدف النهائي من إنشاء الكوميسا، وهو ما يتطلب هياكل إنتاجية قادرة على تصدير منتجات متنوعة وعالية الجودة، وأكدت على ضرورة تنمية رأس المال البشري كعامل محدد لزيادة الإنتاجية والتنوع والقدرة التنافسية، من خلال تخصيص الاستثمارات في قطاعات التعليم والصحة والتدريب، والتركيز على التعليم الفني والتدريب المهني، وأضافت: "من الضروري أيضاً توفير بيئة مواتية لجذب استثمارات القطاع الخاص في تلك القطاعات، مع تقديم حوافز عينية ونقدية والمالية المطلوبة.
تجمع الساحل والصحراء
أوضح د.عطيه محمود الطنطاوى، عميد كلية الدراسات الإفريقية العليا بجامعة القاهرة أهمية تجمع الساحل والصحراء، والذي يُعد أحد التكتلات الإقليمية البارزة في إفريقيا، تأسس تجمع الساحل والصحراء في عام 1998 خلال مؤتمر القمة الذي عُقد في طرابلس، بمشاركة دول ليبيا والسودان وتشاد ومالي والنيجر وبوركينا فاسو، وتم الاعتراف به كتجمع اقتصادي بعد عامين فقط من تأسيسه.
وأوضح الطنطاوى أن تجمع الساحل والصحراء يهدف إلى تحقيق اتحاد اقتصادي شامل يشمل الاستثمار في الزراعة والصناعة والطاقة، فضلاً عن الأنشطة الاجتماعية والثقافية، كما يسعى التجمع إلى تسهيل حركة الأشخاص ورأس المال والإقامة والعمل والتملك، بالإضافة إلى تعزيز حركة البضائع والسلع وزيادة شبكة ووسائل النقل وزيادة حركة التجارة البينية بين الدول الأعضاء.
وأشار الطنطاوى إلى أن التجمع شهد توسعاً ملحوظاً منذ تأسيسه، حيث انضمت دول جديدة ليصبح عدد الأعضاء 18 دولة في عام 2003، ثم ارتفع العدد إلى 29 دولة في عام 2011، ليشمل دولاً مثل إريتريا وبنين وتونس وجيبوتي وساحل العاج والسنغال وسيراليون والصومال وغامبيا وغانا وغيانا بيساو وليبيريا ومصر والمغرب ونيجيريا وكينيا وموريتانيا وساوتومي وبرنسيب وغينيا وجزر القمر والرأس الأخضر.
وأضاف الطنطاوى أن تجمع الساحل والصحراء يضم مساحة تتجاوز نصف مساحة القارة الإفريقية ويعيش فيها نحو 650 مليون نسمة، معظمهم من الشباب القادر على العمل، وتعتبر الزراعة والرعي الموردين الرئيسيين للاقتصاد في الدول الأعضاء، حيث يسهمان بنحو 75% من الناتج المحلي للتجمع ويستقطبان 65% من الأيدي العاملة، وتتمتع دول التجمع بموارد طبيعية غنية، بما في ذلك المعادن الثمينة مثل اليورانيوم والكوبلت والليثيوم، التي تدخل في الصناعات المتطورة.
وفي الوقت نفسه، نوه عميد الدراسات الإفريقية العليا إلى أن دول التجمع تواجه تحديات كبيرة مثل القبلية، وانتشار الأمراض والأوبئة، والبطالة، والأمية، والتطرف والإرهاب، كما تواجه دول إقليم الساحل مشكلات تتعلق بالتغيرات المناخية وزيادة مساحات التصحر، مما يشكل خطراً ليس فقط على دول التجمع بل على القارة الإفريقية بشكل عام،
الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا
استعرض د. عدلي سعداوي، أستاذ الاقتصاد وعميد معهد بحوث ودراسات حوض النيل السابق بالفيوم، دور التكتل الاقتصادي لدول غرب أفريقيا (ECOWAS) في تعزيز التكامل الاقتصادي والسلام والاستقرار في منطقة غرب أفريقيا، وقد أُنشئ التكتل في عام 1975 بهدف تعزيز التكامل الاقتصادي والتعاون بين الدول الأعضاء البالغ عددها 15 دولة، ويمثل علامة فارقة في الجهود الإقليمية لتحقيق الاستقرار والتنمية.
وأوضح د، سعداوي أن التكتل يهدف إلى إنشاء سوق واحدة بلا حدود داخل المنطقة لتسهيل حرية حركة البضائع والخدمات والأشخاص، مما يعزز النمو الاقتصادي والتجارة والاستثمار، كما يسعى إلى تعزيز السلام والأمن من خلال منع الصراعات وحلها، وقد تدخلت المنظمة في العديد من الصراعات الإقليمية مثل تلك التي شهدتها ليبيريا وسيراليون ومالي، وأضاف أن التكتل يركز أيضًا على تعزيز الحكم والديمقراطية وسيادة القانون في الدول الأعضاء، ويعمل على تحسين بيئاتها السياسية لضمان الاستقرار والتنمية.
وأشار إلى أن التكتل حقق العديد من الإنجازات البارزة على مر السنين، فقد ساعد إنشاء السوق المشتركة على زيادة التجارة والاستثمار بين الدول الأعضاء، مما ساهم في النمو الاقتصادي بالمنطقة، كما ساهمت تدخلات التكتل في الصراعات في استعادة السلام والاستقرار في العديد من البلدان، مما منع تفاقم الأزمات، ومن بين المشاريع البارزة التي ساهمت في تحسين البنية التحتية الإقليمية كان الطريق السريع الساحلي العابر لغرب أفريقيا ومجمع الطاقة في غرب أفريقيا، التي حسنت الاتصال الإقليمي وتوفير الخدمات الأساسية، بالإضافة إلى ذلك، أنشأ التكتل عدة مؤسسات مهمة مثل مفوضية الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، وبرلمان الجماعة الاقتصادية، ومحكمة العدل التابعة للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، لتعزيز الحكم والديمقراطية.
ومع ذلك، اعترف د، سعداوي بوجود تحديات كبيرة تواجه التكتل، تشمل هذه التحديات حل النزاعات المستمرة مثل التمرد في منطقة الساحل، والتفاوتات الاقتصادية بين الدول الأعضاء التي تعوق التكامل الكامل، والقدرة المؤسسية التي تفتقر أحيانًا إلى الموارد اللازمة لتنفيذ السياسات بفعالية، كما يمكن أن يعيق الاستقرار السياسي وقضايا الحكم في بعض الدول الأعضاء التقدم الشامل للمنظمة.
وفي سياق أفكار المستقبل، أشار د، سعداوي إلى أن التكتل بحاجة إلى تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء والمؤسسات لمواجهة التحديات الإقليمية بفعالية، ويجب التركيز على التنويع الاقتصادي لتقليل الاعتماد على عدد قليل من السلع الأساسية، مما سيجعل الدول الأعضاء أكثر مرونة في مواجهة الصدمات الخارجية، وأكد على أهمية تحسين آليات منع نشوب الصراعات وتعزيز بناء القدرات المؤسسية لضمان تنفيذ السياسات الإقليمية بفعالية، كما أوصى بضرورة التعاون مع الشركاء الدوليين مثل الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة للحصول على دعم وموارد إضافية.
الجماعة الاقتصادية لدول وسط إفريقيا
أوضحت د.سمر الباجوري، أستاذ الاقتصاد المساعد بكلية الدراسات الإفريقية العليا بجامعة القاهرة، التحديات التي تواجه الجماعة الاقتصادية لدول وسط إفريقيا (ECCAS) منذ أن تأسست هذه الجماعة في عام 1983، ولكنها ظلّت غير مفعّلة لسنوات طويلة بسبب الصعوبات المالية والسياسية، وأبرزها الصراع في الكونغو الديمقراطية، تم إعادة تفعيل الجماعة خلال القمة الثانية لها في عام 1998، ومع ذلك، فقد شهدت تحركاً بطيئاً منذ ذلك الحين.
تضم الجماعة الاقتصادية لدول وسط إفريقيا حاليًا إحدى عشر دولة هي: أنجولا، بوروندي، إفريقيا الوسطى، الكاميرون، الكونغو الديمقراطية، غينيا الاستوائية، الجابون، رواندا، الكونغو، ساوتومي وبرنسيب، وتشاد، تهدف الجماعة إلى إنشاء اتحاد جمركي بين الدول الأعضاء وتحرير التجارة بينها وإزالة معوقات التجارة البينية.
ورغم مرور أكثر من 25 عامًا على تفعيل الجماعة، فإن التقدم نحو تنفيذ خطة أبوجا للتكامل الإفريقي لا يزال بطيئًا للغاية، خاصة عند مقارنته بالتجمعات الاقتصادية الإفريقية الأخرى، لم يتم حتى الآن تفعيل المرحلة الأولى من مراحل التكامل الاقتصادي المتعلقة بإنشاء منطقة تجارة حرة بين الدول الأعضاء.
وأشارت الباجوري إلى أن التباطؤ في عملية التكامل يظهر بوضوح من خلال مؤشر التكامل الإفريقي، حيث بلغ مؤشر التكامل وفقًا لأحدث إصدار للاتحاد الإفريقي لعام 2021 حوالي 0،62، مما يضع الجماعة في المرتبة الخامسة بين التجمعات الاقتصادية الإفريقية الأخرى، يعكس هذا التأخير بشكل واضح الأبعاد الخاصة بالتكامل المالي والاجتماعي والنقدي.
وأوضحت الباجوري أن هناك عدة معوقات رئيسية تواجه التكامل الاقتصادي بين دول الجماعة، أولاً، يشير تقرير التكامل الإفريقي الصادر عن الاتحاد الإفريقي في عام 2021 إلى أن نقص الإرادة السياسية للدول الأعضاء في تفعيل التكامل هو أحد الأسباب الرئيسية لتباطؤ التكامل، مما يظهر في عدم تنفيذ أو تفعيل المعاهدات والبروتوكولات والاتفاقيات المعتمدة.
ثانيًا، هناك نقص في التنسيق بين الدول الأعضاء بشأن وضع الآليات اللازمة لتفعيل أبعاد التكامل الاقتصادي، مثل ضمان حرية انتقال الأفراد والسياسات التجارية والجمركية، كما تعاني الدول الأعضاء من حالة الاضطرابات وعدم الاستقرار السياسي بشكل متكرر، كما يتضح من الانقلاب الأخير في الجابون والاضطرابات في تشاد وتجدد الصراعات في إفريقيا الوسطى.
ثالثًا، عضوية بعض الدول في تجمعات أخرى، مثل الاتحاد الجمركي لدول شرق إفريقيا والمجموعة الاقتصادية والنقدية لدول وسط إفريقيا (السيماك)، تعيق عملية تنسيق السياسات الاقتصادية داخل الجماعة، ويعقد تباين مستويات الأداء الاقتصادي بين الدول الأعضاء، مثل الفارق الكبير في متوسط نصيب الفرد من الدخل بين الكونغو الديمقراطية وغينيا الاستوائية، تنسيق السياسات المالية والنقدية.
أخيرًا، تعاني البنية التحتية اللازمة لربط دول التجمع من ضعف مقارنةً بباقي التجمعات الاقتصادية الإفريقية، حيث بلغت قيمة مؤشر تكامل البنى التحتية حوالي 0،373، مما يساهم في ضعف حجم التبادل التجاري بين الدول الأعضاء.
أكدت الباجوري أن الجماعة الاقتصادية لدول وسط إفريقيا تواجه تحديات كبيرة، وتتطلب جهودًا مكثفة لمعالجة هذه القضايا وتحقيق أهداف التكامل الإقليمي والتنمية المستدامة.
اتحاد المغرب العربي
أشار د.أحمد الرفاعي. مدرس الاقتصاد بكلية العلوم السياسية والاقتصاد في جامعة مايو بالقاهرة، إلى أن اتحاد المغرب العربي يُعبر عن فكرة التكامل والتعاون الإقليمي بين دول شمال إفريقيا، يُجسد هذا الاتحاد طموحات سياسية واقتصادية تهدف إلى تعزيز التقارب بين المغرب والدول العربية المجاورة، مستندًا إلى القواسم المشتركة بين هذه الدول مثل اللغة والثقافة والتاريخ العربي المشترك، بالإضافة إلى الرغبة في العمل المشترك لمواجهة التحديات واستغلال الفرص.
أكد الرفاعي أن "اتحاد المغرب العربي يُعد محاولة هامة لتعزيز الروابط الثقافية والاقتصادية بين الدول الأعضاء من خلال تعزيز التبادل التجاري والاستثمار المشترك، وتبادل الخبرات في مجالات متنوعة مثل الأمن والتنمية البشرية والبنية التحتية والبحث والتكنولوجيا،" وأضاف أن هذه المبادرة تعكس التزامًا بتحقيق التقدم والاستقرار في منطقة تعد من أهم المناطق الجغرافية في العالم.
وأوضح الرفاعي أن "اتحاد المغرب العربي يقع في الجزء الغربي من شمال إفريقيا، ويمتد من المحيط الأطلسي إلى البحر المتوسط، بما في ذلك الصحراء الكبرى، يضم الاتحاد خمس دول ساحلية هي: المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا، وموريتانيا،" وأضاف أن الموقع الجغرافي للاتحاد يمنحه أهمية استراتيجية كبيرة كمركز للتجارة والتعاون الإقليمي، حيث يشكل نقطة وصل حيوية بين أوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط، مما يسهم في تيسير التجارة وحركة البضائع ومكافحة التحديات الأمنية وتعزيز التنمية.
تابع الرفاعي أن "مساحة اتحاد المغرب العربي تبلغ حوالي 6 مليون كيلومتر مربع، ويقدر عدد سكانه بحوالي 90 مليون نسمة وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة لعام 2023، وتستحوذ الجزائر على حوالي 43 مليون نسمة، تليها المغرب بـ36 مليون نسمة، ثم تونس بـ12 مليون نسمة، ثم ليبيا بـ7 مليون نسمة، وأخيرًا موريتانيا بـ4 مليون نسمة،" كما نوه إلى أن الاتحاد يتمتع بثروات طبيعية متنوعة مثل النفط والغاز والفوسفات والثروات السمكية، تقدر قيمتها بأكثر من 1،5 تريليون دولار أمريكي.
أوضح الرفاعي أن "فكرة إنشاء اتحاد المغرب العربي تعود إلى سنوات عديدة من المحاولات السابقة، ولكنها لم تنجح، وفي عام 1958، تم تأسيس اتحاد المغرب العربي الكبير الذي ضم المغرب والجزائر وتونس وليبيا، ولكنه تم حله في عام 1961 بسبب الخلافات السياسية بين الدول الأعضاء،" وفي عام 1988، أضاف الرفاعي، "تم إطلاق مبادرة جديدة لإنشاء الاتحاد برعاية الملك المغربي الحسن الثاني، ووافق رؤساء الدول الأعضاء على معاهدة إنشاء الاتحاد في قمة مراكش في 17 فبراير 1989، وتهدف هذه المبادرة إلى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتعزيز التعاون المشترك، والدفاع عن المصالح المشتركة للدول الأعضاء."
تطرق الرفاعي إلى أن "اتحاد المغرب العربي يمتلك مجموعة من المقومات التي تدعمه، بما في ذلك اللغة والثقافة المشتركة، التاريخ المشترك، المصالح الاقتصادية المتشابهة مثل النفط والغاز والفوسفات، وكذلك التحديات المشتركة مثل التنمية ومكافحة الفقر والبطالة،" وأضاف أن "التحالفات الإقليمية والدولية مثل الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية تعزز التعاون والتنسيق بين الدول الأعضاء."
قال الرفاعي إنه "رغم أن حجم التجارة البينية بين دول الاتحاد بلغ حوالي 12 مليار دولار أمريكي في عام 2022، منها 7 مليارات دولار صادرات و5 مليارات دولار واردات، فإن هذه التجارة تبقى منخفضة نسبيًا، حيث لا تتجاوز 3% من إجمالي التجارة الخارجية للدول الأعضاء،" وأوضح أن هذا الانخفاض يعود إلى "الخلافات السياسية بين الدول الأعضاء، الاختلافات الاقتصادية، ضعف البنية التحتية للنقل واللوجستيات، وقيود التجارة غير الجمركية."
استطرد الرفاعي بأن "المنتجات الرئيسية المتداولة بين دول الاتحاد تشمل المنتجات الزراعية مثل القمح والشعير والخضروات والفواكه، والمنتجات الصناعية مثل السيارات والمواد الغذائية والأسمدة، والمنتجات النفطية مثل النفط الخام والغاز الطبيعي،" وأكد أن "اتحاد المغرب العربي يمتلك إمكانيات كبيرة للنمو الاقتصادي بفضل موقعه الجغرافي المتميز وثرواته الطبيعية المتنوعة، إلا أن تحقيق هذه الإمكانيات يتطلب تجاوز التحديات التي يواجهها الاتحاد، بما في ذلك تعزيز التعاون السياسي والاقتصادي، وتحسين البنية التحتية، وإزالة القيود التجارية غير الجمركية."
نوه الرفاعي إلى أن "دول اتحاد المغرب العربي تواجه مجموعة من التحديات التي تؤثر على استقرارها وتنميتها، من بينها التحديات الاقتصادية مثل البطالة وضعف التنمية، تقلبات أسعار النفط والغاز، التحديات الأمنية مثل التطرف والإرهاب، والتحديات السياسية بما في ذلك التوترات والنزاعات الحدودية،" وأضاف أن "التغيرات المناخية، التحديات الاجتماعية مثل الفقر وعدم المساواة، والأزمات الإنسانية تشكل أيضًا ضغوطًا على الموارد."
تابع الرفاعي قائلاً: "تواجه دول الاتحاد هذه التحديات بشكل منفصل ومشترك، وتعمل على التعاون في بعض الحالات لتحقيق التنمية المستدامة، وأخيراً، يمكن القول إن اتحاد المغرب العربي يمتلك مقومات قوية تدعمه، ولكن يتعين على الدول الأعضاء أن تتعامل مع التحديات بحذر وتنفذ سياسات تعزز التنمية المستدامة والاستقرار من أجل تحقيق مستقبل أكثر ازدهارًا."
الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية
أوضحت د. منى سليمان، الباحثة بمركز إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية، أن منظمة "الإيجاد" (الهيئة الحكومية للتنمية) تلعب دورًا حاسمًا في تعزيز التعاون الإقليمي وتنمية منطقة شرق أفريقيا، لكنها تواجه مجموعة من التحديات الكبيرة التي تتطلب استجابة فعالة ومستمرة.
وقالت د. سليمان: "تأسست منظمة الإيجاد في يناير 1986 كمبادرة للتعاون الإقليمي والتنمية، وتغطي منطقة تمتد على مساحة تبلغ 5،2 مليون كيلومتر مربع، ويبلغ عدد سكانها حوالي 230 مليون نسمة، ويعتبر 70% من أراضي دول المنظمة صحراء قاحلة، تضم المنظمة دول شرق أفريقيا وهي جيبوتي، إثيوبيا، كينيا، الصومال، السودان، وأوغندا، مع انضمام إريتريا بعد استقلالها في عام 1993، والتي علقت عضويتها في 2007 بسبب النزاعات السياسية مع إثيوبيا، ولكنها عادت للمنظمة في عام 2023."
وأضافت: "تعمل منظمة الإيجاد على تعزيز التعاون والتكامل الإقليمي بين دولها الأعضاء، وفي مارس 1996، تم تعديل ميثاق المنظمة وتنشيطها تحت اسم 'الهيئة الحكومية للتنمية'، كما تم تشكيل شراكة مع بعض الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، النرويج، إيطاليا، وفرنسا في عام 1993، للوساطة في الأزمات، وخاصة الأزمة بين شمال وجنوب السودان، ومع ذلك، فقد تراجع دور هذه الشراكة في السنوات الأخيرة."
وتابعت سليمان قائلة: "في 1 ديسمبر 2017، أوصت أجهزة الإعلام لدول الإيجاد بإنشاء منصة إعلامية شاملة تساهم فيها كل دولة عضو، مع نشر أنشطة المنظمة بشكل أكبر، هذه الخطوة تهدف إلى تعزيز التواصل والشفافية في عمل المنظمة."
وفيما يتعلق بأهداف المنظمة، أكدت د، سليمان: "في عام 2003، وضعت الإيجاد استراتيجية لتوجيه برامج التنمية، وركزت على تعزيز الأمن الغذائي، حماية البيئة، تعزيز السلم والأمن، والتعاون الاقتصادي والتكامل، نص ميثاق الإيجاد على أهداف رئيسية تشمل تعزيز التنمية المشتركة، تنسيق السياسات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية، خلق بيئة مواتية للتجارة، مواءمة سياسات التجارة والجمارك والنقل والاتصالات، تحقيق الأمن الغذائي الإقليمي ومكافحة الجفاف والكوارث، وتعزيز البنية التحتية وتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة."
وحول دور المنظمة في معالجة الأزمة السودانية، قالت د، سليمان: "منذ تفجر المواجهات الداخلية في السودان في منتصف أبريل 2023، تصاعدت الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وفشلت كافة محاولات التهدئة والوساطة، بما في ذلك جهود منظمة الإيجاد التي طرحتها في يونيو 2023،
من أهم التحديات التي تواجه المنظمة في المستقبل هي معالجة الأزمة السودانية، حيث يتعين التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وبدء مرحلة انتقالية لإعادة السودان إلى خارطة الطريق السياسية، استمرار عدم الاستقرار في السودان يهدد أمن واستقرار دول المنظمة ودول الجوار السوداني."
وأشارت د، سليمان إلى أنه "بعد بدء الأزمة، شكلت الإيجاد لجنة 'الرباعية الأفريقية' برئاسة كينيا للبحث في الأزمة، إلا أن الخرطوم رفضت التعاطي معها واشترطت تنازل كينيا عن اللجنة، كما عقدت الإيجاد اجتماعًا طارئًا في 11 يوليو 2023 في أديس أبابا، دعت فيه لتوقيع اتفاق غير مشروط لوقف النار وعقد قمة إقليمية لبحث نشر قوات لحماية المدنيين، ولكن الحكومة السودانية رفضت ذلك وأكدت أنها ستعد تلك القوات 'قوات أجنبية معتدية'، وقد أسفرت الاشتباكات حتى الآن عن نزوح أكثر من 2،9 مليون شخص، بينهم حوالي 700 ألف إلى دول الجوار و255 ألف عبروا إلى مصر."
وأوضحت د، سليمان: "منظمة الإيجاد لم تتوقف عن تقديم وساطتها منذ عام 2003، حيث سعت لإيجاد تسوية للحرب في دارفور، وعملت لتحقيق الاستقرار في جنوب السودان بعد انفصاله في 2011، منذ نهاية حكم البشير في 2019، حاولت المنظمة تقريب وجهات النظر بين الأطراف المختلفة في السودان، وتسوية أزمة اقتسام السلطة بين العسكريين والمدنيين للوصول إلى حكم مدني."
وأخيراً، نوهت د، سليمان إلى أن "المنظمة تواجه تحديات كبيرة تتعلق بالاستقرار الإقليمي، النزوح الداخلي، الأمن الغذائي، والتصحر، حيث ارتفع عدد النازحين داخلياً في دول الإيجاد لأكثر من ثمانية ملايين شخص منذ عام 2014، ومعظمهم في الصومال وإثيوبيا، كما تعمل الإيجاد على مواجهة أزمة الأمن الغذائي التي تفاقمت بعد وقف روسيا لتصدير الحبوب، ورغم تعهد موسكو بدعم الدول الإفريقية، فإن هذه الأزمة مرشحة للتفاقم مع موسم الجفاف."
وأضافت: "المنظمة عقدت قمة طارئة في 5 يوليو 2022 في نيروبي لمعالجة التحديات الإقليمية، ومنها قضايا الجفاف والتصحر والأمن الغذائي، وخرجت بضرورة استمرار التنسيق بين دول المنظمة لتحقيق الأهداف المنشودة."
مجموعة التنمية لأفريقيا الجنوبية
وأوضحت د. نورهان حسام، المدرس المساعد في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن مجموعة تنمية الجنوب الأفريقي (سادك)، واحدة من أبرز نتائج مؤتمر تنسيق التنمية الذي عقد في 1 أبريل 1980، وأضافت أن الأهداف الرئيسية لمجموعة سادك تشمل تحقيق التنمية والسلام والأمن والنمو الاقتصادي، فضلاً عن التخفيف من حدة الفقر، وتحسين مستوى ونوعية حياة شعوب الجنوب الأفريقي، ودعم المحرومين اجتماعيًا من خلال التكامل الإقليمي القائم على مبادئ الديمقراطية العادلة والتنمية المستدامة.
وأشارت حسام إلى أنه بحلول عام 2023، بلغت مساحة جميع الدول الأعضاء في مجموعة سادك 9،85 مليون كيلومتر مربع، ويبلغ عدد سكانها حوالي 389،38 مليون نسمة، وهذا يمثل 6،5% من المساحة الصالحة للسكن حول العالم و4،9% من سكان العالم، كما بلغ الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة 797،65 مليار دولار أمريكي سنوياً، وهو ما يمثل حوالي 0،79% من الاقتصاد العالمي، في حين بلغت قيمة السلع المصدرة من هذه الدول 15,271،85 مليار دولار أمريكي سنويًا.
وأوضحت حسام أن مجموعة سادك تتميز بعدة مقومات بارزة، منها الثروات الطبيعية الكبيرة التي تشمل المعادن والزراعة والموارد المائية واحتياطيات الطاقة، وهو ما يمنحها إمكانيات كبيرة لتحقيق التنمية الاقتصادية إذا تمت إدارتها بشكل صحيح، كما أن التنوع الثقافي بين الدول الأعضاء يمكنها من الاستفادة من هذا التنوع في تطوير سياساتها وبرامجها، وأضافت أن التعاون الإقليمي بين الدول الأعضاء يعزز التكامل الاقتصادي ويشجع الاستثمار ويطور البنية التحتية، في حين أن رأس المال البشري، وخاصة الشباب، يمكن أن يكون قوة عاملة قيمة إذا تم تعليمهم وتدريبهم بشكل مناسب.
ومع ذلك، أقرّت حسام بأن مجموعة سادك تواجه العديد من التحديات، من أبرز هذه التحديات الفوارق الاقتصادية الكبيرة بين الدول الأعضاء، حيث يختلف مستوى التقدم والازدهار من بلد إلى آخر، مما قد يعوق جهود التعاون والتكامل الإقليمي، كما أن التحديات السياسية في بعض الدول الأعضاء، بما في ذلك قضايا الحكم والصراعات والمخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان وعدم الاستقرار السياسي، تؤثر على قدرة المجموعة على تعزيز التعاون الإقليمي، وأضافت أن التغيرات المناخية أدت إلى انخفاض مستويات المياه وزيادة التصحر، مما يؤثر سلبًا على الزراعة والأمن الغذائي، كما أن ضعف الخدمات المتعلقة بالبنية التحتية والتعليم والصحة يمثل تحديًا كبيرًا، حيث تحتاج المنطقة إلى استثمارات كبيرة في هذه القطاعات لتحقيق النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة، وأشارت إلى أن هناك أيضًا قيود تجارية وحواجز غير جمركية تعيق حركة التدفق الحر للسلع والخدمات داخل المنطقة.
الفرص والتحديات من الفكرة إلى التنفيذ