البنوك والعملات الرقمية من أهم أدوات تحقيق الشمول المالى ومواكبة تطورات الاقتصاد العالمى
موضوعات مقترحة
مصر تسابق الزمن لإصدار الجنيه الإلكترونى بحلول
عام 2030 واستخدامه فى جميع المعاملات التجارية
البنك المركزى السعودى يوافق لإحدى الشركات على الانتقال إلى مرحلة البنك الرقمى
الإمارات تسن تعديلات على قانون المصرف المركزى لمنح الدرهم الرقمى صفة العملة القانونية
المصرف المركزى البحرينى يعلن عن دراسته لطرح تجريبى للدينار الرقمى
د. أحمد شوقى: مصر بدأت العمل على منظومة متكاملة لتعزيز الشمول المالى
محمد عبد العال: البنوك الرقمية تتميز بسهولة تقديم خدماتها عبر الإنترنت
ماجد فهمى: مرحلة جديدة من التطور المالى تسهم فى تعزيز النمو الاقتصادى
د. عبد الوهاب غنيم: الاقتصاد الرقمى يمثل 15% من الاقتصاد العالمى
أدخل يدك فى جيبك، وتأمل ما بحوزتك من عملات ورقية، فقريبًا ستختفى النقود بشكلها التقليدى المعتاد من جيوبنا، فبعد الكروت الذكية وتطبيقات الهاتف المحمول، التى يتم من خلالها إجراء جميع المعاملات المالية للأفراد والشركات، ستظهر قريبا العملات الرقمية الرسمية لتسحب البساط من تحت أرجل تلك التطبيقات، وتعلن بدء مرحلة جديدة من المعاملات الرقمية.
دول عربية عدة فى طليعتها مصر، ودول منطقة الخليج العربى والأردن والعراق، وكذلك دول المغرب العربى تسابق الزمن أسوة بالتوجه العالمى بإصدار عملات رقمية، حيث توفر المدفوعات الرقمية، مزايا متقدمة ومستويات أمان عالية، مقارنة بالنقود الورقية التى تتراوح تكلفة التعاملات بها ما بين 1.25% إلى 2% سنويًا من الناتج المحلى الإجمالى للدولة، فى حين لا تتجاوز تكلفة المدفوعات الرقمية 0.5%.
قبل نحو 4 سنوات دفعت جائحة «كورونا»، البنوك المركزية فى العالم إلى تسريع عملية التحول نحو الخدمات المصرفية الرقمية، حيث سعى المستهلكون حينها إلى تجنب زيارات فروع البنوك، ولم يكن القطاع المصرفى العربى بعيدًا عن تلك اللحظة الفارقة نحو المستقبل، فقد سارعت عدة بنوك إلى توفير منصات لخدماته المصرفية الإلكترونية على الأجهزة المحمولة الذكية، وذلك بالتزامن مع الموافقة على الترخيص لعمل البنوك الرقمية، وهى بنوك تُقدم الخدمات المصرفية عبر القنوات أو المنصات الرقمية فقط باستخدام التقنيات الحديثة، وتتميز الخدمات المصرفية الرقمية بانخفاض تكلفة التشغيل، مقارنة بالخدمات التى تتم بواسطة البنوك التقليدية، ناهيك عن تبسيط الإجراءات، وهو ما يعمل على توفير الوقت لكل من العملاء، والعاملين فى البنوك، وعدم التقيد بساعات عمل كما هى الحال فى البنوك التقليدية، حيث يمكن من خلال البنوك الرقمية التعامل فى أى وقت فى اليوم خلال أيام الأسبوع.
الجنيه الإلكترونى
الطفرة التى تشهدها المنطقة العربية، للانتقال من مرحلة النقود الورقية إلى عصر الرقمنة، كانت مصر حاضرة بقوة فى هذا المشهد من خلال مشروع العملة الرقمية للبنك المركزى المصرى، والمعروف بالجنيه الإلكترونى، مع خطط لإطلاقها بحلول عام 2030، وسيتم استخدامه فى جميع المعاملات التجارية، ويتبنى المركزى المصرى إستراتيجية متكاملة للتحول الرقمى بالقطاع المصرفى والمالى، تنطوى على بناء أنظمة دفع متطورة قادرة على مواكبة خطط الدولة، فى التحول إلى مجتمع أقل اعتمادًا على أوراق النقد، عبر عدد من الخدمات الجديدة تشمل، السحب النقدى بدون بطاقة من ماكينات الصراف الآلى، والشراء من خلال نقاط البيع الإلكترونية للتجار أو تطبيقات الهاتف المحمول الإلكترونية، كما يعمل البنك المركزى على تفعيل الإقراض الرقمى من خلال محفظة الهاتف المحمول للعميل على مدار الساعة، فضلا عن إصدار المركزى المصرى أخيرا، قواعد ترخيص وتسجيل البنوك الرقمية والرقابة والإشراف عليها، وتتضمن اشتراطات الترخيص ألا يقل رأس المال المصدر والمدفوع عن 2 مليار جنيه، فى حالة ممارسة جميع أعمال البنوك، باستثناء تمويل الشركات الكبرى، مع إمكانية تمويل تلك الشركات شريطة زيادة رأس المال إلى 4 مليارات جنيه، وكذلك أن يكون المساهم الأكبر مؤسسة مالية ذات سابقة أعمال فى أنشطة مماثلة، بنسبة لا تقل عن 30% من إجمالى قيمة رأس المال.
الدينار والدرهم الرقمى
كما أعلن المصرف المركزى البحرينى، عن دراسة طرح تجريبى للدينار الرقمى، كما وقع مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزى، اتفاقية مع إحدى الشركات لبدء تنفيذ إستراتيجية العملة الرقمية، ضمن برنامج تحول البنية التحتية المالية فى الدولة، كما أشار البنك المركزى الإماراتى فى تقريره السنوى إلى قرب إصدار الدرهم الرقمى، ويتميز بكونه قابلاً للاستبدال بالكامل، ويمكن تبادله بالقيمة نفسها مع الودائع النقدية والمصرفية، منوها إلى سن تعديلات على قانون المصرف المركزى، لمنح الدرهم الرقمى صفة العملة القانونية، وأنه سيصبح عملة رقمية سيادية ويتمتع بالترميز، ويستخدم فى العقود الذكية والبرمجة والتسوية الفورية بين النظراء، وذلك بالتزامن مع كشف مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزى والبنك المركزى السعودى “ساما”، عن نتائج مشروع “عابر”، لإصدار عملة رقمية للبنكين المركزيين مغطاة بالكامل صادرة بشكل مشترك بينهما.
البنك الرقمى
وفى شهر إبريل الماضى، وافق البنك المركزى السعودى (ساما)، لإحدى الشركات على الانتقال من مرحلة المحفظة الإلكترونية، إلى مرحلة البنك الرقمى، وذكر بيان صادر أن الانطلاق التجريبى يقتصر على عدد من العملاء جرى اختيارهم مسبقاً، الذى يشكل مرحلة انتقالية قبل الإطلاق الكامل لكافة العملاء فى وقت لاحق من هذا العام.
كما بدأ مصرف قطر المركزى أخيرا، فى تنفيذ مشروع العملة الرقمية الريال الرقمى عقب الانتهاء من تطوير البنية التحتية للمشروع، والانتقال إلى المرحلة التالية، والتى تتضمن اختبار وتطوير تطبيقات محددة للعملة الرقمية وستشمل هذه التجارب، مجموعة مختارة من البنوك المحلية والعالمية لتسوية المدفوعات الكبيرة، وستتم عملية تغذية حساب العملة الرقمية عن طريق تحويل الريال القطرى إلى المنصة - ريال قطرى واحد مقابل عملة رقمية واحدة، وستكون البنوك المشاركة فى المرحلة التجريبية قادرة على تداول وشراء وبيع الأصول المالية باستخدام العملة الرقمية فى بيئة تجريبية.
ويرى الخبير المصرفى ماجد فهمى، رئيس بنك التنمية الصناعية والعمال المصرى سابقاً، إن مصر تسير بخطى ثابتة نحو تعزيز الشمول المالى من خلال التوسع فى الخدمات الرقمية، وتعد البنوك الرقمية والجنيه الرقمى من أهم أدوات تحقيق هذه الرؤية، ومع الاستمرار فى الجهود لرفع وعى الجمهور ومعالجة التحديات، ستصبح مصر على أعتاب مرحلة جديدة من التطور المالى تُسهم فى تحسين حياة المواطنين، وتعزيز النمو الاقتصادى. وأشار فهمى، إلى أن القطاع المالى المصرى يشهد تطورات مهمة تتجه نحو تعزيز الشمول المالى ودمج الاقتصادين، الرسمى وغير الرسمى، وتأتى هذه التطورات فى إطار خطط إستراتيجية شاملة تهدف إلى مواكبة التطورات العالمية فى مجال الخدمات المالية الرقمية، وأضاف، على المدى الطويل، من المتوقع إطلاق الجنيه الرقمى، وهو عملة رقمية صادرة عن البنك المركزى المصرى، وتسهم فى تسهيل الوصول إلى الخدمات المالية لجميع المواطنين، ودمج الاقتصادين حيث ستعمل على ربط الاقتصاد الرسمى، وغير الرسمى وتعزيز الشفافية والكفاءة، كذلك مكافحة تزوير العملة لصعوبة تزوير العملة الرقمية مقارنة بالعملات الورقية. وتوقع الخبير المصرفى أن البنوك الرقمية الجديدة، ستدخل السوق المصرى عن طريق رخص جديدة من البنك المركزى، وهو ما قد يضيف للعملاء تجربة مصرفية جديدة ربما يتم الاستعانة فيها أيضاً بالذكاء الاصطناعى، مستغنين بشكل أكبر عن العنصر البشرى، كما أن أمن المعلومات هو أحد أكبر التحديات، أما التوسع فى البنوك الرقمية مع التطور السريع لقدرات قراصنة الإنترنت، التى أصبحت قادرة على اختراق أكبر البنوك والأنظمة فى العالم حكومية كانت، أو خاصة، وهو ما تابعناه فى دول عدة حول العالم.
أما فيما يتعلق بالجنيه الرقمى، يرى فهمى أن البنك المركزى المصرى، يريد أن يواكب بدء عدد من البنوك المركزية، حول العالم فى اتخاذ خطوات فعلية لإصدار عملاتها الرقمية الخاضعة لرقابتها التامة، لمواجهة موجة العملات الرقمية المشفرة مثل البيتكوين والإيثيريوم وغيرها، التى لا تخضع لأى جهة رقابية رسمية، وتنطوى على الكثير من التعاملات المشبوهة.
البنية التحتية
الطريق ليس مفروشا بالورود أمام البنوك المركزية العربية نحو التحول للعملات الرقمية، فهناك تحديات بارزة يجب تجاوزها وفى طليعتها رفع كفاءة البنية التحتية لقطاع الاتصالات، واختيار الخصائص الملائمة للعملة الرقمية كى يمكن استخدامها دون الاتصال بالإنترنت، لاسيما فى المناطق النائية التى تشهد انقطاع فى خدمة الهاتف المحمول، ناهيك عن توفير منظومة متكاملة لأمن المعلومات لمواجهة قراصنة الإنترنت وعمليات الاحتيال، وقد بلغ إجمالى عمليات الاحتيال المصرفى على مستوى العالم نحو 485.6 مليار دولار، خلال عام 2023، وفقا للتقرير العالمى الصادر من وكالة “Nasdaq” لعام 2024.
ويقول الخبير المصرفى محمد عبدالعال، إنه لا يتوقع أن تحل العملة الرقمية والبنوك الرقمية محل العملات، والبنوك التقليدية بشكل كامل، بل ستتعايش هاتان المؤسستان وتتنافس مع بعضهما بعضا، مع إمكانية التعاون لتقديم خدمات مُتكاملة تلبى احتياجات العملاء بشكل أفضل، وسيعتمد النجاح على قدرة كل نوع من البنوك على التكيف مع التطورات التكنولوجية وتلبية احتياجات العملاء بشكل فعال.
ويشهد القطاع المصرفى المصرى تطورات مهمة تتمثل فى التوجه نحو الترخيص للبنوك الرقمية، التى تتميز بسهولة تقديم خدماتها عبر الإنترنت والهواتف الذكية، مما يجعلها فى متناول الجميع، خصوصا فى المناطق النائية، وانخفاض التكاليف والسرعة والكفاءة، ومن المتوقع أن يلعب الجنيه الرقمى دورًا مهمًا فى مستقبل الاقتصاد المصرى، ويسهم فى تعزيز الشمول المالى وتطوير الاقتصاد الرقمى فى مصر، ومن جانبها ستعمل الحكومة على تعزيز استخدام الجنيه الرقمى، من خلال الترويج له وتسهيل استخدامه.
منظومة متكاملة
ومن جهته أكد الخبير المصرفى الدكتور أحمد شوقى، أن الدولة المصرية بدأت العمل على منظومة متكاملة تستهدف تداول الجنيه الرقمى، وفق إستراتيجية مصر 2030، وبالتالى لابد من وجود البنوك الرقمية فى السوق المصرى لضمان التكامل، وأضاف أن العالم كله يتحول بقوة نحو المجتمعات اللانقدية، التى يكون فيها استخدام النقود الورقية فى نطاق محدود للغاية، مقابل هيمنة شبه كاملة للتعاملات المالية الإلكترونية، ووصل عدد البنوك الرقمية حول العالم إلى نحو 440 بنكاً رقمياً، من بينها بنوك عربية، وهو ما تحاول مصر اللحاق بهذا الاتجاه فى أقرب وقت ممكن، كما تبرز أهمية السماح بتأسيس البنوك الرقمية فى مصر فى تسهيل عمليات التداول وتنفيذ التعاملات، بالإضافة إلى دعم الجهات الحكومية وغير الحكومية كى تبدأ التعامل بشكل رقمى.
وأوضح شوقى، أن البنوك الرقمية سيكون لها تأثير مباشر على زيادة معدلات الشمول المالى، وأدوات التكنولوجيا المالية “فينتيك”، التى تتعامل بها البنوك لها أثر كبير فى زيادة تلك المعدلات أيضاً، كما أن التحول إلى المدفوعات غير النقدية بنسبة 10%، يساعد فى زيادة الناتج المحلى الإجمالى بنحو أكثر من مليار دولار، ويوفر أكثر من 200 ألف فرصة عمل، كما أن الرقمنة فى النهاية تصب فى صالح المواطن العادى من خلال توفير الوقت والجهد والتكلفة، وإنجاز المعاملات فى ثوان معدودة بدلاً من الانتظار لساعات فى فروع البنوك التقليدية، فيما تتمثل الصعوبات فى جودة خدمات الاتصالات، والهجمات السيبرانية المحتملة على الحسابات المصرفية، نتيجة الاستخدام الخاطئ من جانب البعض والتعامل على مواقع إلكترونية غير آمنة، ويؤكد الخبير المصرفى أنه لا يوجد أى نشاط اقتصادى لا يحمل فى طياته جانبا من المخاطر، لكن ما يتم العمل عليه بشكل مستمر هو توفير كل معايير الأمان للبنوك الرقمية وتحديثها باستمرار، بالتزامن أيضاً مع التحديثات التى يجريها القراصنة والمتسللون.
وبشكل عام فالعملة الرقمية (CBDC)، هى نمط جديد من العملات التى تصدرها البنوك المركزية فى دول العام، ويمكن تشبيهها بالعملات الرقمية المشفرة باستثناء أن قيمتها ثابتة على عكس العملات المشفرة، ويحدد المصرف المركزى تلك القيمة، لأنها ببساطة تعادل فى قيمتها العملة الورقية للدولة. ومن هنا تكمن أهميتها.
ويرى الدكتور عبد الوهاب غنيم، نائب رئيس الاتحاد العربى للاقتصاد الرقمى، أن العالم كله يتجه من الاقتصاد التقليدى إلى الاقتصاد الرقمى، ومن التجارة التقليدية إلى التجارة الرقمية الإلكترونية، وقال: هناك توجه عام عالمى إلى الرقمنة، والاقتصاد الرقمى يمثل 15% من الاقتصاد العالمى، و4% من الاقتصاد العربى، الذى بدوره يعد نقلة نوعية اقتصادية نحو مستقبل أفضل، لا سيما إذا أدركنا ان هناك العديد من الدول حققت نجاحات اقتصادية كبرى، وعلى رأسها الصين، يعود السبب الرئيسى فيها أن حجم الاقتصاد الرقمى لها يمثل 33%، من إجمالى الاقتصاد العام لها.
وبين» غنيم»، أن التحول الرقمى هو محور الاقتصاد المستقبلى الفعلى ذلك لأنه يمثل المستقبل الافضل للعالم بأكمله، لاسيما إذا عرفنا أن حجم الاقتصاد العالمى وصل إلى 86.6 تريليون دولار، بينما وصل حجم الاقتصاد الرقمى فى العالم إلى 13 تريليون دولار، أى بنسبة 15%، فى الوقت الذى حقق فية الاقتصاد الرقمى العربى معدل منخفض، فهو لا يتجاوز 110 مليارات، أى بنسبة 4%، من إجمالى الاقتصاد الكلى الذى بلغ 2.7 تريليون دولار، وهو أمر يحتاج إلى مراجعة ومزيد من الاهتمام لمواكبة التطورات العالمية.