Close ad

سوريا.. المخاوف والتطلعات والرؤى

16-12-2024 | 14:55

في تصريح له قال الشاعر والأديب السوري الكبير أدونيس، خلال مؤتمر صحفي، عُقد قبل تسلمه جائزة جون مارجريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس، إنه غادر سوريا منذ عام 1956، وأنه كان دائمًا ضد نظام الأسد الذي سقط فجر الأحد الماضي 8 ديسمبر، بعد دخول الفصائل المسلحة إلى دمشق، وانتهاء أربعٍ وعشرين عامًا سنوات حكم بشار الذي فر إلى موسكو، لكن الملهم في كلمة شاعر سوريا، الذي يقيم في باريس، كان تساؤله حول حقيقة التغيير الذي سيلحق بالوطن، هل سيقتصر على تغيير النظام السياسي فقط، أم سيمتد إلى تغيير المجتمع نفسه؟!

ولعل هذا التساؤل الذي تشوبه المخاوف، مشروعٌ جدًا أولًا في ظل التطورات المتلاحقة التي تشهدها المنطقة، ثم مؤخرًا سقوط الدولة السورية في أيدي الفصائل المسلحة وسقوط النظام بعد الهجوم المباغت الذي جاء بعد يومٍ واحد من تهديد رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، للرئيس السوري وتصريحه بأنه "يلعب بالنار"، فيما بدا كخطةٍ ممنهجة اتفقت فيها أطراف معنية، بحيث يحقق كل طرف الأهداف التي يرنو إليها وفق مصالحه وأطماعه، وقد أشرت في مقالي السابق إلى عدد من التحديات المعقدة التي ستواجهها تلك الجماعات، إذا سلمنا بصدق نياتها في بناء الدولة، كما صرح زعيم "هيئة تحرير الشام" أبو محمد الجولاني أو أحمد الشرع، وما الكيفية التي ستنفذ بها الحكومة الانتقالية، برئاسة محمد البشير، خطتها لإدارة شئون البلاد ووضعها على مؤشر الاستقرار الأمني والسياسي، وهل حقًا ستشهد المرحلة الجديدة أو الأمد القريب أفكارًا مثل بسط سلطة الدولة، وتوفير الخدمات الأساسية للسوريين جميعًا، بما يعني ضمنيًا ضمان حقوق الطوائف كافة، بعد إعادة ملايين المواطنين إلى البلاد، وكل ذلك وهو مطلوب وضروري يبقى مجرد أمنيات على الورق أو رؤية نظرية بحاجة إلى عين كاشفة وربط بين الماضي القريب والواقع الآني وما يُستجد من أحداث، فهناك وجود فاعل للقوات الروسية والأمريكية، وهناك أيضًا مساحات كبيرة يحكمها الأكراد، فعلى الرغم من بعض المؤشرات الإيجابية مثل الدعم الإقليمي والدولي، والاستعداد الظاهر لإنجاح التجربة الجديدة في البلاد، والخطاب السياسي المعتدل لـ"الشرع"، الذي أشار فيه إلى الشراكة الوطنية مع الدروز والمسيحيين والعلويين والابتعاد عن روح الانتقام، وإمكانية الانتقال السلس للحكم، وكذلك تراجع الانفلات الأمني، لكن تظل المخاوف عالقةً، بل وتفرض نفسها في ظل ما هو معروف من دوافع ونزعة براجماتية لدى تنظيمات الإسلام السياسي، وإبداء المرونة تجاه التوافقات حتى تسنح الفرصة لبسط سيطرة بملامح مغايرة أو تتسق مع الأهداف والانتماءات الأولى، وهناك تاريخ للفصائل المسلحة لا يخفى على أحد، ويرى دعاة الدولة المدنية أن من ينضوي تحت لواء الجماعات الأيدلوجية المتطرفة مثل القاعدة وداعش، لا يغادر أفكارها ويظل أسيرًا لتوجهاتها، مهما أبدى من تغيير في الخطاب أو اكتساب اسم جديد، علمًا بأن تنظيم القاعدة قد هنأ "الشرع" الذي قال إنه انفصل عنهم، وكذلك من المخاوف هذا الاضطراب والمشهد المرتبك مع الأكراد الذين يبسطون نفوذهم على مساحات كبيرة من الأرض، في الشمال والشرق، وخصوصًا بدير الزور والقامشلي وصولا إلى حدود سوريا مع العراق ومعبر البوكمال، وترى أنقرة في التجمعات الكردية وقوات سوريا الديمقراطية "قسد" خطرًا على أمنها القومي، خصوصًا من جهة حزب العمال الكردستاني، حتى أنه قد حدث تحرك موازٍ ضد الأكراد بمدينتي تل رفعت ومنبج، تزامنًا مع تحركات الفصائل المسلحة نحو دمشق، ما يعني أن المرحلة الانتقالية قد تشهد صراعات دامية ومعقدة، كل ذلك مع إعلان واشنطن إبقاءها على نحو 950 جنديًا أمريكيًا بشرق الفرات، وكذا أعلنت موسكو تواصلها من خلال وسطاء مع الفصائل المسلحة، بهدف معرفة مستقبل قواتها في طرطوس وحميميم، وعلى جانب أكثر خطورةٍ التدمير الممنهج لقدرات الجيش السوري البرية والجوية والبحرية، من قبل الكيان المحتل الذي توغل وصولا إلى احتلال جبل الشيخ الذي يُعد أعلى قمة في المنطقة، ويبعد 45 كيلومترًا فقط من دمشق، والسيطرة على كامل منطقة الجولان بعد احتلال القنيطرة والمنطقة العازلة التي تقدم فيها جيش الاحتلال بنحو 25 كيلومترًا داخل الأراضي السورية.
 
فإذا كان هذا هو الواقع على الأرض، فإن الأحداث ومستجداتها تعطي كذلك مؤشرات تدق ناقوس الخطر مثل التصريحات الأخيرة للشرع بأنهم ليسوا بصدد خوض صراع مع الكيان المحتل، الذي نفذ أكثر من 60 ضربة على مواقع عسكرية في أنحاء سوريا في غضون ساعات، بعد أيام من الإطاحة بالأسد، ومثل ما تم تداوله من أنباء عن نية الولايات المتحدة رفع اسم "هيئة تحرير الشام من قائمة المنظمات الإرهابية، على الرغم من نشأتها كفرع لتنظيم "القاعدة" تحت اسم "جبهة النصرة"، علمًا بأن واشنطن كان لها سابق تعاون مع جماعات مسلحة في العراق وأفغانستان.

ومن واقع كل ما سلف، فإن الأمر يتطلب بشكل عاجل تفكيرًا وتدبيرًا عمليًا تتحول معه النظريات الموضوعية تجاه تأسيس دولة ديمقراطية حديثة، تتساوى فيها الأغلبية مع الأقليات، وتقف على مسافة واحدة من الجميع، برسم خريطة طريق تستند إلى خطوات جادة وواضحة لوضع دستور جديد للبلاد، يضمن تأسيس نمط يحافظ على تماسك الدولة ووحدتها داخليًا ويحدد علاقتها عربيًا وإقليميًا ودوليًا، بحيث لا تنخرط في صراعات أو تخضع لقوى ذات مصالح وتهدف إلى الهيمنة، بما يحافظ على وحدتها وسلامتها وأمن الشعب، وهنا يمكن الاطلاع والاستفادة من الأفكار ذات الخبرة بالعمل السياسي والناجعة بالنسبة لعاملي التوقيت، وإمكانية التفعيل مثل طرح رئيسة منصة أستانا للمعارضة السورية رندا قسيس، التي ترى أن الجولاني، قد لا يسمح للمعارضة السياسية بلعب دور مؤثر في إدارة البلاد، ويستغل الوضع الحالي بتعيين قادة تابعين له، فضلًا عن التعقيدات المتعلقة بالتعامل معه نظرًا لخلفياته، ومن ثم فإن مدى مرونته يبقى غير واضح، لذلك، فقد دعت قسيس جميع قوى المعارضة إلى عقد اجتماع عام لصياغة رؤية موحدة لمستقبل سوريا، تتضمن مقترحات للإصلاح الدستوري، ويمكن الاستفادة من مسودة مشروع الدستور السوري المقترح من منصة أستانا السياسية، كخطوة أولى نحو انتقال سياسي شامل وآمن لسوريا وشعبها.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: