Close ad

سهرة الحرافيش أهم من نوبل.. محطات في حياة نجيب محفوظ | صور

16-12-2024 | 12:27
سهرة الحرافيش أهم من نوبل محطات في حياة نجيب محفوظ | صورنجيب محفوظ
محي إبراهيم

لن أتحدث عن نجيب محفوظ حديثًا يعرفه الناس، وإنما سأتحدث عن صفحات من حياته قد يكون لا يعلمها غالب الناس تحدث فيها هو عن نفسه وأيضًا - ربما - عن بعض ما غاب عنا من حياته الشخصية والأدبية.

موضوعات مقترحة

الأم الأمية كانت المصدر الأول للإلهام

أمى: السيدة الأمية التي كانت مخزنًا للثقافة الشعبية، عشقها لسيدنا الحسين وزياراتها الدائمة للأديرة والمتاحف، كانت مغرمة بسماع أغانى سيد درويش ولم تدخل السينما إلا مرة واحدة، عاشت حتى سن المائة ولم تذهب يومًا لطبيب، وكل إخوتي ولدوا في درب القزازين وأنا الوحيد الذي ولدت في 8 ميدان بيت القاضي يوم 11 ديسمبر 1911م، وقد تربيت في طفولتي بين أمي فاطمة التي ورغم أنها كانت أمية لا تقرأ ولا تكتب إلا أنها كانت مخزنًا للثقافة الشعبية فحفظت عنها الكثير من الحكايات حتى ماتت عن عمر يناهز المائة عام، عام 1968 فى نفس السنة التى حصلت فيها على جائزة الدولة التقديرية، أما والدي فكان منفتحًا ولا علاقة له بالسيد أحمد عبد الجواد في الثلاثية وكان يحب الفن والموسيقى ومات عام 1937م قبل أن يقرأ روايتي عبث الأقدار، وكان يتمنى أن أصبح طبيبًا أو وكيل نيابة أما أنا فكنت أتمنى أن أكون لاعب كرة أو ضابط شرطة ولكني خيبت أمله وصرت على ما أنا عليه.

نجيب محفوظ

من نوادر طفولته وشقاوته

المرة الأولى حينما احتل الإنجليز بيت القاضي ومنعوا اهالي الحي من فتح النوافذ لأنها تهديد محتمل لإطلاق الرصاص عليهم، ولكن نجيب انتهز فرصة أن أمه بالمطبخ وفتح النافذة وظل ينظر للعساكر الإنجليز ويهزأ منهم ويقلدهم وحينها وجد أباه فوق رأسه ليضربه ضربًا مبرحًا بمساعدة والدته على قدميه بالخرزانة لأنه عصى أمر أبيه وكان من المحتمل أن يطلق الإنجليز عليه الرصاص، أما العلقة الثانية كانت بسبب أنه أقنع الخادمة الصغيرة بأنه سيلعب معها لعبة الطبيب والمريضة وسيجري لها عملية جراحية وبالفعل أخذ ذراعها وبشفرة حلاقة أحدث لها جرحًا فلما شاهدت الفتاة الدم صرخت فهرعت الأم لتجد المشهد فتضربة ضربًا شديدًا، ويعلق نجيب محفوظ: كنت شقيًا.

نجيب محفوظ

هجرة العائلات الكبيرة جعلتنا نترك الجمالية للعباسية

بعد ثورة ١٩١٩، وتحديدًا سنة ١٩٢٠، انتقلنا من حى الحسين إلى العباسية، وسكنا فى البيت رقم (٩) شارع «رضوان شكرى". والحقيقة أن انتقالنا إلى العباسية له سبب، وهو أن العائلات الكبيرة فى «درب قرمز» بدأت فى النزوح من المنطقة، عائلة وراء الأخرى، وبعد انتقال «الأعيان» فقدت الحارة بهجتها وروحها وانطفأت الأنوار وانتهت السهرات، وشعرنا - بعدهم - بوحشة شديدة.

نجيب محفوظ

الريحاني الفنان رقم واحد الذي أحببته

حضرت كل مسرحيات الريحاني في الثلاثينيات والأربعينات لقدرته العظيمة في النقد الاجتماعي وربما أتذكر مسرحيته حكم قراقوش التي شاهدتها عشرين مرة لأنها كانت عملًا هائلًا ولا أجد أسبق للريحاني في عصره سوى شارلي شابلن، الذي كنت أواظب على مشاهدة أفلامه منذ أن كان عمري 5 سنوات في سينما الكلوب المصري بميدان الحسين.

نجيب محفوظ

علاقتي بمهنة السينما بدأت بصلاح أبو سيف

قرأ صلاح أبو سيف عبث الأقدار عام 1947م وطلب مقابلتي عن طريق صديق مشترك هو فؤاد نويرة لأعمل معه في كتابة السيناريوهات فرفضت وقتها لعدم درايتي بهذا الفن لكن أقنعني فؤاد نويرة بأن صلاح أبو سيف سيعلمني وسآخذ مبلغًا كبيرًا أستطيع الصرف منه على الأدب وقد كنت لا أتقاضى شيئًا من الأدب، وبالفعل قابلت صلاح أبو سيف وكان يقوم بتحضير فيلم عنتر وعبلة فأعطاني كتبًا في كتابة السيناريو وعرفني على السيد بدير الذي علمنى في البداية كيفية كتابة السيناريو وكان أول مبلغ تقاضيته 100 جنيه وكان مبلغًا عظيمًا أشبه بظهور البترول في دول الخليج، وبالرغم من ضيقي لهذا العمل لأني كنت قد تعودت أن أكون كل شيء في العمل حيث أمضي بأحداثي وشخصياتي كما يحلو لي إلا أن حلاوة المكسب المادي جعلتني أتغاضى عن تلك المتاعب خاصة أن كتابة السيناريو لم تكن تعطلني عن كتابة الأدب وبالفعل استغرقتني كتابة السيناريو منذ عام 1952م وحتى عام 1957م.

نجيب محفوظ

تأثره بالكتاب المصريين

يقول نجيب محفوظ إنه كان تلميذًا لطه حسين في الجامعة وأنه تأثر بالعقاد تأثرًا كبيرًا إذ هو من علم جيله من الأدباء معنى الحرية وكيف يحترم الأديب كرامته بعيدًا عن مدح الأعيان طمعًا في عطاياهم كما تأثر بالأديب دستوفيسكي ويراه أديبًا لن يتكرر، وأن جائزة نوبل لو كان طه حسين حيًا ما أخذها نجيب محفوظ.

نجيب محفوظ

أعظم جائزة كانت جائزة قوت القلوب الدمرداشية

كانت هذه السيدة محبة للأدب وهي ابنة الشيخ محمد الدمرداش صاحب مستشفى الدمرداش الحالية، وقد نظمت هذه السيدة مسابقة في فن الرواية عام 1940م كانت جائزتها 40 جنيهًا، وكانت لجنة التحكيم تتكون من طه حسين وأحمد أمين وفريد أبو حديد وفزت أنا بالجائزة الأولى مناصفة مع أحمد باكثير عن روايتي رادوبيس فأخذت مبلغ 20 جنيهًا وهو مبلغ لو تعلمون عظيم قربني من أعراض الثراء، ثم بعدها 1943م حصلت على جائزة مجمع اللغة العربية وقدرها 100 جنيه كان لها أبلغ الأثر في تحسين وضعي المادي.

نجيب محفوظ

جائزة نوبل لم أكن أتوقعها

لم تكن جائزة نوبل من أحلام نجيب محفوظ، ولم يتطلع لها يومًا من الأيام، ويقول محفوظ إن ذلك ربما راجع لأنني من جيل يمتلك عقدة الخواجة وهي العقدة التي أحدثت في نفوسنا نوعًا من عدم الثقة بإمكانيتنا، وربما لو كنت أعطيتها اهتمامًا لكان حدث لي حرق دم من متابعتها سنويًا، وحتى إعلان الجائزة يوم الخميس 13 أكتوبر 1988م، لم يكن عندي أي توقع للفوز، وبالفعل كان توقعي أن يحصل عليها الأستاذ العقاد الذي كنت أرى أنه يستحقها عن جدارة.

نجيب محفوظ

تفاصيل يوم الإعلان عن الجائزة

يقول محفوظ إنه حتى يوم الإعلان عن الجائزة يوم 13 أكتوبر 1988م لم يكن عندي أي توقع للفوز وذهبت كعادتي لجريدة الأهرام وجلست مع الأصدقاء والزملاء وتحدثنا في مواضيع مختلفة من ضمنها جائزة نوبل المنتظر إعلانها اليوم، وقلت لهم إننا سنقرأ عنها في الأهرام غدًا من خلال خبر صغير عنها كالمعتاد ونعرف من فاز بها، وعدت إلى البيت وكانت زوجتي بمفردها ترتدي زي المطبخ وتكاد تنتهي من إعداد الغداء أما ابنتاي فهما في عملهما وبالفعل تناولت الغداء ودخلت غرفة النوم لأستريح ولم تمض دقائق حتى وجدت زوجتي توقظني من النوم في لهفة وتقول لي: قوم .. قوم "الأهرام" اتصلوا بيك وبيقولوا إنك أخذت جائزة نوبل!

نجيب محفوظ

استيقظت وأنا في شدة الغضب معتبرًا كلام زوجتي نوعًا من الهلوسة وفيما أجادلها بغضب دق جرس التليفون وكان المتحدث جريدة الأهرام تبادرني بالتهنئة فقلت لهم في ماذا قالوا إني فزت بجائزة نوبل فلم أصدقهم لكن وجدت الأستاذ سلامة أحمد سلامة مدير تحرير الأهرام يؤكد لي المعلومة ويهنئني ويقول لي شرفتنا فقد جاءت نتيجة نوبل وفزت بجائزة الأدب.

نجيب محفوظ

حتى هذه اللحظة كنت أظنها مجرد دعابة وأن الأهرام تدبر لي مقلبًا باردًا ولكن لم تمض سوى دقائق قليلة كنت أجلس فيها في فراشي محتارًا حتى دق جرس الباب ففتحت زوجتي الباب وهي مازالت بملابس المطبخ ودخل رجل طويل ومعه مجموعة من المرافقين فنهضت من فراشي إلى الصالة وأنا بالبيجاما ونظرت للرجل الذي حسبته في الأول صحفيًا فإذا به سفير السويد والسيدة حرمه!

نجيب محفوظ

هنأني السفير وقدم لي هدية عبارة عن هدية من الزجاج كالتي تباع في خان الخليلي فاستأذنت منه ودخلت غرفتي وارتديت بدلة لأني أدركت أن المسألة بجد، وبمجرد خروج السفير السويدي تحولت شقتي إلى سوق، صحفيون ومصورون ومهنئون وفرحة غامرة في المكان وأحاديث صحفية سريعة والتليفون لا يكف عن الرنين.

نجيب محفوظ

حدث مفاجئ لم أعمل له حسابًا وشقة صغيرة غير قادرة على استيعاب هذا العدد الخرافي من المهنئين وزوجتي وحدها وفي غاية الحيرة بالقيام بمفردها بواجب الضيافة.

نجيب محفوظ

سهرة الحرافيش أهم من نوبل

رجعت مرة أخرى إلى مكتبي في الأهرام حيث هرع ورائي المهنئون والمصورون ووسط كل هذه الضوضاء تذكرت سهرة الحرافيش فموعدها اليوم الخميس كالمعتاد، فقررت العودة لمنزلي حيث نسيت علبة سجائري فأحصل عليها وانطلق بعدها إلى الحرافيش ففوجئت بمظاهرة أمام البيت وعدد كبير من الصحفيين وإعلام وتليفزيون، فخشيت إن دخلت لا أتمكن من الخروج فقلت للسائق خذني لكازينو قصر النيل، وحينما وصلت وجدت مظاهرة أخرى هناك لم أنج منها إلا بعد عناء استطعت بعد أن أذهب لبيت توفيق صالح حيث جلسة الحرافيش وأمضيت الليل عنده، ثم نزلت مع الصديق عادل كامل وأخذنا نتجول في شوارع القاهرة حتى الثانية صباحا وذهبت للمنزل فوجدت صحفيين أجانب جاءوا خصيصًا لعقد حوار معي وسيغادرون فورًا لبلادهم فجلست معهم وأجبت على جميع أسئلتهم حتى السابعة صباحًا.

نجيب محفوظ

لولا الأهرام لأصبح الأمر فضيحة أمام العالم

بعد إعلان الجائزة كانت أعصابي في أسوأ حالاتها بسبب شقتي الصغيرة المتواضعة وهذا الزحام الشديد وعدم قدرة المنزل على استيعاب الزائرين، وهنا قرر إبراهيم نافع رئيس مجلس الإدارة فتح غرفة توفيق الحكيم كي أستقبل الزوار فيها بدلا من بيتي الذي عجز عن استيعاب الطوفان، ولولا قرار إبراهيم نافع لأصبح الأمر فضيحة أمام العالم، وأذكر أن اتصل بي الرئيس حسني مبارك وتفضل بإهدائي قلادة النيل بمناسبة هذا الفوز.

نجيب محفوظ
 
نجيب محفوظ
 
نجيب محفوظ
 
نجيب محفوظ
 
نجيب محفوظ
 
نجيب محفوظ
 
نجيب محفوظ
 
نجيب محفوظ
 
نجيب محفوظ
 
نجيب محفوظ
 
نجيب محفوظ
                                                                 

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: