في معظم بلدان العالم يعد الحديث عن سعر صرف العملة واحدًا من الملفات التي تصنف على أنها "حساسة"، بل تعد من قضايا الأمن القومي التي لا يتم الحديث فيها بغير علم، ولا تترك لمن يجهل خصوصيتها الخوض فيها بلا سند ولا دراية، حتى لا تأتي بنتائج عكسية تضر بالاقتصاد القومي وتنسف قواعد الاستقرار النقدي.
أقول ذلك بمناسبة الحديث المتجدد عن سعر الدولار مقابل الجنيه، وما يتمخض عن هذا الحديث العبثي من شائعات لا تحقق المصالح القومية للبلاد ولا تساهم في تحقيق الاستقرار النقدي المنشود.
لقد وصل هذا الحديث غير المسئول عن الدولار إلى صفحات التواصل الاجتماعي وستديوهات بعض البرامج التليفزيونية التي انتزعت لنفسها الحق في ترويج شائعات ارتفاع سعر الدولار دون سند وبلا دليل متجاوزة حدود الاختصاص الذي هو حق أصيل للبنك المركزي، المسئول الأول وفق القانون والدستور والمنوط به ولا غير، وضع السياسات النقدية والحديث عنها؛ لأنه هو الأعلم بالتفاصيل والأجدر برسم السياسات.
ولا شك أن تطور تكنولوجيا الاتصال ساعد على سرعة انتقال الشائعات، خصوصًا إذا كان الأمر يخص قضية مثل الدولار الذي تحول إلى ساحة للأقاويل ومجالًا للربح السريع استغله البعض في تحقيق مكاسب هائلة؛ جراء بث شائعات ارتفاع سعره ونجحوا في ذلك عبر تجارة غير مشروعة في العملة خلال فترات سابقة مستغلين بعض الظروف التي مرت بها البلاد في التربح من وراء هذه التجارة السوداء.
لقد أثبتت الوقائع والسوابق أن السوق السوداء للدولار هي نتاج تلك الشائعات التي يتم ترويجها عن ندرة الدولار وارتفاع سعره إلى أرقام فلكية لا تستند إلى حقيقة الأوضاع الإقتصادية للبلاد في مخالفة صارخة لكل القوانين واللوائح المنظمة لتداول المعلومات والبيانات.
ربما كانت هناك بعض الضغوطات على العملة في أوقات وفترات ماضية إلا أن الظروف الحالية وفق ما يعلنه البنك المركزي من أرقام حول تدفقات النقد الأجنبي تدعو للتفاؤل ولا تبرر ما يتردد من شائعات مغرضة عن ارتفاعات مرتقبة في سعر الدولار، حتى وإن كان سعر الصرف قد تحرك في البنوك بمعدلات طفيفة خلال الأيام الماضية، فهذا شأن السياسة النقدية التي يتبعها البنك المركزي، والتي تعرف بسعر الصرف "المرن"؛ أي أنها قابلة للزيادة أو الانخفاض حسب آليات العرض الطلب.
الحقيقة المؤكدة انه لا أعراض لأزمة في النقد الأجنبي، ولا أدلة لنقص العملات.. فالبنوك تقوم بتدبير العملة اللازمة للمستوردين دون تأخير، ولا يوجد تكدس للبواخر المحملة بالواردات في الموانئ، كما كان يحدث من قبل نظرًا لعدم وجود عملة أجنبية، كما لا يوجد تعثر ولا تأخير من الدولة في سداد أقساط الدين الخارجي بالعملة الأجنبية، وبالتالي فإن أي أحاديث عن ارتفاع في سعر الدولار بأرقام كبيرة، كما يروج بعض المغرضين أو الجاهلين بأمور الاقتصاد، ليس له ما يبرره ويدخل في باب ترويج الشائعات المغرضة، حتى أن البعض بالغ في هذه الأكاذيب، وزعم، كما تتداول صفحات التواصل الاجتماعي، أن سعر الدولار ربما يصل إلى 60 و70 جنيهًا، بل إن البعض أفرط في الكذب، وقال إنه سيصل إلى ١٠٠ جنيه، وهو قول عارٍ من الحقائق.. معدوم الأسباب.. ومنزوع الضمير.
الحقيقة الدقيقة التي يتجاهلها مروجو الشائعات أن هناك استقرارًا في معدلات تدفق الدولار بالسوق وفق بيانات البنك المركزي لعدة أسباب، في مقدمتها ارتفاع قيمة تحويلات المصريين بالخارج، التي قفزت إلى 18.1 مليار دولار خلال الفترة من يناير إلى أغسطس الماضي، وارتفاع إيرادات السياحة إلى نحو 15.5 مليار دولار، بالإضافة إلى إيرادات قناة السويس وعوائد الصادرات والطروحات الجديدة لبعض الأصول المملوكة للدولة، علاوة على ارتفاع احتياطيات مصر من النقد الأجنبي خلال سبتمبر الماضي إلى نحو لـ46.737 مليار دولار.
كل هذه المؤشرات تدحض تلك الشائعات والمزاعم التي يقف خلفها لجان شيطانية لا تريد الخير لهذا البلد، وتسعى إلى بث روح الإحباط واليأس بين المواطنين، بينما الحقائق غير ذلك، وأحسب أن تحركًا قانونيًا ضد مروجي الشائعات حول الدولار بات ضروريًا لحماية الاقتصاد من خطر هذه الأكاذيب.
اتقوا الله في مصر.
[email protected]