Close ad
16-12-2024 | 14:10

للكاتب الكبير الدكتور ثروت عكاشة كتاب رائع صدرت طبعته الأولى سنة 1952 بعنوان (إعصار من الشرق)؛ عن حياة جنكيز خان، تذكرته وأنا أتابع كغيري الإعصار القادم من الغرب، باتجاه منطقة الشرق الأوسط، الإعصار ربما لا يكون مفاجئًا بالكامل، حيث علاماته بدت منذ زمن الإدارة الأمريكية التي كان أحد صقورها الجامايكي الأصل كولن باول، والذي شغل منصب رئيس هيئة العمليات المشتركة مع بوش الأب، ووزير الخارجية مع بوش الأبن. 

وتجددت القصة برفع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في الأمم المتحدة خريطة الشرق الأوسط كما يراها، أو بالأدق كما يريدها، وكان ذلك العرض قبل أيام من طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر. 

ربما لم تتبلور القصة بعد أو كل أبعادها بشكل كامل، فالتطورات متسارعة، والأحداث مفاجئة، وما نراه على الخريطة يقترب من الفجيعة، بقدر ما يقترب من الأساطير والوقائع العجيبة والمريبة. 

وفي ظني أن التاريخ لا يعرف الصدفة، إنما تأتي ما نراه مصادفة وأقدار لا فكاك منها، بعد ترتيبات وتجهيزات قد تستغرق عقودًا من الزمان، يحيكها القادرون والمترصدون، ويسقط فيها من لا يجيدون القراءة والتحليل، والسذج.

لأنه من غير المتصور أن يحرك مسمار صغير في الخيمة العربية كل هذه الأحداث بشكل عفوي، أو كرد فعل، وأقصد بهذا المسمار الصغير والغاضب من دون حساب، ما حدث في السابع من أكتوبر، وأن تدخل المنطقة بسبب حادث المقاومة ذاك، في حسابات خريف عاصف معقد؛ فلقد ردت إسرائيل على "طوفان الأقصى" الغاضب الذي لم يكن في حسابات منفذيه، وهي عادلة، سوى تحريك القضية الفلسطينية التي تم تجميدها، وتأجيل حلها، وتركها للنسيان. 

أما الرد فكان مرتبًا له بالكامل، ما يجعلني أشك في أن 7 أكتوبر، إن لم تكن وقعت لتمت صناعتها وابتداعها، وإن بأشكال أخرى، وفي زمن ليس ببعيد كثيرًا عن ذلك التاريخ. 

وكان الرد هادرًا عنيفًا ليس من إسرائيل فحسب، ولكن من كل الحكومات الغربية التي رتبت وخططت عملية إعادة رسم خرائط المنطقة، بعد مائة وثمانية أعوام من الرسم الأخير المعروف باتفاقية "سايكس ـ بيكو". 

فقد تضامن الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، مع إسرائيل بشكل لم نره من قبل، وآخر ما يمكن أن نقدمه كمثل، ليس طلب الرئيس إيزنهاور انسحاب إسرائيل من سيناء بعد العدوان الثلاثي سنة 1956، إنما في رد الفعل الأمريكي في أثناء حرب أكتوبر 1973. 

فإسرائيل المهزومة أمام الجيش المصري وجهت نداءً عاجلًا لواشنطن لكي تنقذها، وفي أيام الحرب سافرت رئيسة الحكومة الإسرائيلية جولدا مائير إلى واشنطن لطلب المساعدة بعد أكثر من أسبوع على بوادر الهزيمة الواضحة. 

بعد 7 أكتوبر بساعات كانت إسرائيل وجهت الرئيس الأمريكي وغيره من رؤساء الغرب لتقديم الدعم، ولرسم الخطط أو القبول بما لدى إسرائيل وحسابات بنك أهدافها، وتوزيع الأدوار المتقن، للقضاء على غزة وشعبها، ونداءات كاذبة لوقف إطلاق النار، لم تنفذ حتى الآن، ثم ينفتح القوس ليطال لبنان التي أطل منها حزب الله كجبهة إسناد. 

ويبدو أن إسرائيل رأت رؤوسًا قد أينعت وحان قطافها، في إطار الشرق الأوسط الجديد، فقتلت زعامات حماس العسكرية والسياسية، وجرحت الكبرياء الإيراني، ودمرت قيادات حزب الله اللبناني، مستخدمة تقنية متقدمة عبر جهاز البيجر. 

ولم يكن متصورًا أن حكاية البيجر القاتل وليدة الساعة، لأن الترتيب لها استغرق سنوات، ثم تصفية الرأس المتمثلة في حسن نصر الله. 

بعدها الجائزة الكبرى بإسقاط بشار الأسد، وتقسيم ما تبقى من سوريا، واغتصاب أراضٍ جديدة من سوريا، وتدمير البنية التحتية لما تبقى من جيشها وطائراتها وأسطولها البحري.

كل هذا تم بسرعة في نظرنا؛ لأن الكثيرين منا لا يدركون أن المخطط بدأ قبل عقود، ربما منذ تزيين الأمريكان غزو الكويت لصدام حسين، وربما بعد ذلك منذ تدمير البرجين في نيويورك، وسقوط بغداد في 2003.

لقد صدرت تحذيرات كثيرة من كتاب ومفكرين عرب، من أن سقوط بغداد لن يكون الهدف الأخير، ولم يحفل أحد. 

والآن توجد مخاوف من انحراف القلم الذي يرسم الخرائط الجديدة ومن أن يطال أراضي أخرى، ولكن من يخافون ليس بيدهم شيء في زمن الإعصار؛ الذي لا يسمح بالتفكير إلا في النجاة، وينتشر خوف وأحاديث حول خطط تحاك أو تنفذ حاليًا، وأحاديث لا نعرف مصدرها، وعدم اكتراث من عواصم غربية تلعب بأقلام الرصاص فوق الخرائط، لقد التهينا كثيرًا عن التفكير في مستقبل الشرق الأوسط، وفي القلب منه منطقتنا العربية.

وفي قصة المغول كما كتب عنها ثروت عكاشة، أهم وزير ثقافة جادت به القريحة المصرية، فإن تاريخ المغول بدأ قاسيًا وحشيًا، وانتهى بالمشاركة في ألوان من الحضارات والمدنيات، وكان من هؤلاء الغزاة علماء ومشرعون، إلا أن الإعصار القادم من الغرب، وأداته إسرائيل لن يخلف علمًا ولا تشريعًا وإنما صنفًا من الاستعمار العسكري والاقتصادي والثقافي الجديد. 

لكن الفرصة لا تنعدم أبدًا لمقاومة قادة العصابات الذين يحكمون العالم في هذا الزمان، وليست بالضرورة عسكرية، إنما تكون بالوعي بالتاريخ والحاضر والانتباه إلى قدرات الناس في بلادنا واحترامهم.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: