Close ad

وجه آخر للاحتيال

15-12-2024 | 15:22

التقت به في أول يوم من أيام عملها، تابعته عن قرب، راقبته متفحصة لحركاته التي شدت انتباهها، كان يتحدث حينها مع امرأة طال وقوفها أمامه صامتة إلى حد كبير، وهو يسهب في حديثه معها، على ما يبدو أنها كانت غير مرحبة بحديثه فقد بدت قلقة ومنزعجة إلى حد كبير، تترجم نظراتها المتناثرة شعورها بالملل، والاستياء من حديثه المطول معها، من أسئلته المتتاليات التي تشبه تحقيقًا معها، يفتح موضوعًا وما يلبث أن يغلقه حتى يفتح موضوعًا آخر ليحاصرها، تصنعت الرضا وجاملته مرغمة. 

لقد بدت هادئة، تكتم شعورها بقدر استطاعتها، بينما تحقق لها بأنه المزعج المستهتر غير المبال بوقت محدثته وبقبولها، أخذه بريق أناقتها ومظهرها الدال على ثرائها؛ فأوعز له فضوله باغتنام الفرصة سريعًا والتقرب منها، فسعى لكسب ودها عساها أن تنفعه يومًا ما؛ إذ كان أسلوب حديثه مفعمًا بالكلمات اللطيفة التي تتخذ ملمح الرياء وطابع المبالغة، كأنه أراد اختزان معلوماته عنها مفصلة ليدونها في سجل ذاكرته المشحون؛ بهدف الحصول على منفعة ما، أو من أجل الوصول لتحقيق أمنيات كان يصبو إليها.

وبينما هي جالسة تراقبه عن كثب، تدرك في لحظة أنه سيصبح بعد قليل زميلًا لها، تحدث نفسها همسًا بأن تترك أمر الحكم عليه لأيامها القادمة، فالأيام سوف تثبت لها صحة وجهة نظرها التي كونتها عنه أو تنفيها؛ مرت أيام قلائل وبدأ نشاطه ينتعش من جديد، فقد بدأ محاولته للاقتراب منها على أساس قوي هذه المرة؛ فهي أصبحت زميلة له، راح يتودد إليها معربًا عن إعجابه بشخصها ورغبته الجامحة في التعرف إليها، قرر أن يلاحقها وهو يحمل لها معه عشرات من الأسئلة.

إنه نوع من الناس يستهويه الفضول، يستعبده تطفله، تواق للاطلاع على أسرار الغير، يسير بين الناس يصنفهم بحسب أهمية مواقعهم، وحاجته إليهم، يرتدي قناعًا يمثل وجهًا آخر للاحتيال، لكنها كشفته مبكرًا وتأكدت أنها لم تكن مخطئة في الحكم السابق عليه، بعدما غاصت في أعماق شخصيته النفعية المستغلة حين أخذه غروره ووقع بقوله: "اعلمي أني سأستغلك قريبًا فاستعدي"، ثم توالت بعدها ضحكاته المستفزة المنفرة. 

كانت ضحكاته المتتاليات تعكس دهاءً هائلًا، تفوح منه رائحة سوء النية، توضحه حركاته البهلوانية المعتادة، فهو بات يتقن المكر، ويمتهن الخداع، يمثل الشخصية النفعية الكاملة بكل صفاتها، الشخصية التي لا تعرف أحدًا إلا بهدف ومن أجل هدف، الشخصية المستغلة التي تجيد العزف على الوتر المحبب لمحدثها لتستقطبه، ثم تصبح بعدها أسيرة له؛ يأمرها فتطيع وتنفذ أوامره. 

ستراه بجانبك، ربما تصدقه وتتبعه، أو أن يكون الحظ حليفًا لك فتقرأه مبكرًا وتقرر الإعراض عنه، أحد أهم وسائله هي تعمد الدخول إليك من باب نقائك وحرصك الدائم على السعي لعمل الخير، هذا الشخص لا يهتم بوصف الجميع له بالفضولي، أو صاحب المصلحة، لا يخجل من نعته بالنفعي المستغل، فهدفه ينحصر دائمًا في ذاته وفي مصالحه؛ لذا وجب علينا أن نفوت عليه فرصته، نتجنبه ونحذره.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: