صدر مؤخرًا قطعة جديدة وفريدة من كتاب "تاريخ الدول والملوك" لابن الفرات (ت807هـ)، عن الفترة (625-632هـ)، شاملة حوادثها ووفيَاتها، ضمن سلسلة التراث الحضاري، بالهيئة المصرية العامة للكتاب، وذلك لأول مرة وتحت رقم "61" من إصدارات الهيئة، بتحقيق الأستاذ الدكتور علاء مصري النهر، الذي حاز قبل أيام على جائزة الشيخ حمد للترجمة، حيث حصل على المركز الثاني في فئة الترجمة من الإنجليزية إلى العربية عن كتاب "صلاح الدين وسقوط مملكة بيت المقدس" لستانلي لين بول.
موضوعات مقترحة
وقد خص الدكتور علاء النهر "بوابة الأهرام" بمقاله الافتتاحي لتحرير وتحقيق هذه القطعة النفيسة من كتاب "تاريخ الدول والملوك" لابن الفرات، والذي ننشره كاملا:
وقد اعتمدتُّ في تحقيق هذه القطعة التي لم تُنشَر من قبلُ، على نسخة مُصوَّرة من مخطوطة وحيدة موجودة بمكتبة الخزانة العامَّة بالرباط، عليها ختم مخطوطات الأوقاف - الخزانة العامة رقم (241ق)، وختم الزاوية الناصرية رقم (2442)، وتحمل عنوان "الجزء السادس من تاريخ ابن الفرات"، وذكر كلود كاهن أنَّ هناك نسخةً مُصوَّرة من مخطوطة المغرب بمكتبة الجامعة الأمريكية ببيروت.
تتكون المخطوطة من 301 صفحة بخطّ المُؤلِّف، تبدأ بحوادث سنة 625 حتى 632هـ.
يوجد على صفحة العنوان مُطالَعةٌ لأحمد بن عليّ المَقْريزي في مُحرَّم سنة 818هـ، وأربعة تملُّكاتٍ.
مصادر المُؤلِّف في هذا الجزء:
اعتمد ابن الفُرات على النُّقول؛ فهو غير معاصر لحوادث هذه الحقبة ووفياتها، ونصَّ على أغلب نُقوله، سواء فيما يخص الحوادث أَمِ الوفيات. فأمَّا الحوادث فاعتمد على تواريخ مشهورة، مثل:
- ابن نظيف الحَمَوي - غير معروف سنة وفاته، ويبدو أنَّه تُوفِّي في القرن السابع الهجري بُعَيْد سنة 630هـ/1233م- نصَّ ابن الفُرات على نُقوله عنه في ثنايا الحوادث. ويبدو أنَّ ابن الفُرات كان يستند إلى كتابه "الكشف والبيان في حوادث الزمان"، وليس إلى تلخيصه المنشور بعنوان "تَلْخيص الكَشْف والبَيان في حَوادِث الزَّمان" المُسمَّى "التَّارِيخُ المَنْصوريُّ" الذي عني بنَشْرِه وتحقيقِه أبو العيد دودو بمَجْمَع اللُّغة العربيَّة في دمشق سنة 1981م؛ فالنُّقول مُفصَّلةٌ، بينما ترد في "التاريخ المنصوري" مختصرةً. وكان اعتماده عليه في الحوادث حتَّى سنة 630هـ. ويُلحَظ أنَّ نُقوله عن ابن نظيف كُتِبَت بلُغةٍ جافَّةٍ لا تُشوِّقك للمتابعة.
- "نُزْهة الأنام في تاريخ الإسلام" لصاحِبه وصديقه ابن دُقْماق العلائيّ، المُتوفَّى سنة 809هـ/1406م، كان ينقل منه بخطِّ مُؤلِّفه، وأورد نُقوله عنه قائلًا: "قال صاحِبنا الأَمير صارِم الدِّين إبْراهيم بن الأمير ناصِر الدِّين مُحمَّد بن الجَنَاب العِزِّيّ أَيْدَمُر دُقْماق في تأليفه نُزْهَة الأَنام في تاريخ الإسْلام ما صيغته"... ونقوله فيما يخص السنوات من 625 و626 و627هـ لم ترد في المطبوع بتحقيق سمير طبَّارة (المكتبة العصرية ببيروت 1999م)، الذي يبدأ من سنة 628هــ. ونقوله وجدتُّها في المطبوع بالنص دون أي تصرُّف، بل بأخطائها النحوية.
- "مُفرِّج الكُروب في أخبار بني أيُّوب" لجمال الدِّين ابن واصِل الحَمَوي، المُتوفَّى سنة 697هـ/1297م، وكان قلَّما يُصرِّح بنقله عنه، وإنَّما يذكر: "قال الراوي"، أو "قال بعضُ الرُّوَاة"، أو "قِيلَ"، أو "قال بعضهم". ولمَّا صرَّح في موضعين اثنين. ونقوله عنه بالنص بلا تصرُّف، وأُرجِّح أنه كان ينقل من نسخة مفرج الكروب رقم 1702 الموجودة الآن بمكتبة باريس الأهلية، وليس من نسخة 1703 الموجودة بالمكتبة نفسها؛ والأمثلة كثيرة تعجز الحصر أشرت إليها في موضعها.
- "أخبار الأيُّوبيين" للمكين ابن العميد، المُتوفَّى سنة 672هـ/1273م، لكنه لم ينص بالنقل عنه، وإنَّما يقول: "وقال بعض أهل التاريخ"، ولعلَّه كان يعتمد عليه اعتمادًا غير مباشرٍ، وذلك بالنقل من كتاب "نزهة الأنام" لصديقه ابن دُقْماق.
- وأكثر من النقل عن كتاب "نَظْم السُّلوك في تواريخ الخُلَفاء والمُلوك"، ولم يذكره إلَّا مُصدَّرًا بقوله: "قال صاحِب نظم السلوك في تواريخ الخلفاء والملوك ما صيغته"، وتارة يذكره: "وقال صاحِبُ "نَظْم السُّلوك في تاريخ الخُلَفاء والمُلوك" ما معناه"، و"قال صاحِبُ نَظْمِ السُّلوك"، وهناك كتابان بهذا الاسم الأوَّل لناصِر الدِّين شافِع بن عليّ بن عبَّاس الكِنَاني المِصْري، المُتوفَّى سنة 730هـ/1330م، وهو ابنُ أخت (وليس سِبْط) مُحيي الدِّين ابن عبد الظَّاهِر المصري، والثاني لزين الدِّين عبد الرحمن بن محمد بن علي البِسْطامي الحنفي، المولود سنة 782هـ والمُتوفَّى سنة 858هـ، وكتابه مخطوط بمكتبة المسجد النبوي الشريف رقم (80(55)/145)، 38ص. ثُمَّ تبيَّن أنَّه يقصد كتاب ناصر الدِّين شافع؛ إذ قال في (مخطوطة فيينا: ج3، ورقة 168أ؛ ج4، ورقة 165أ): "وقال القاضي ناصر الدِّين شافع بن علي، سِبْط القاضي مُحيي الدِّين بن عبد الظاهر في تأليفه نظم السلوك في تواريخ الخلفاء والملوك". وهو تاريخ عامٌّ مختصرٌ ينتهي إلى سنة 806هـ! فلعلَّ أحدًا ذيَّل عليه.
- كما نقل من "الكامل في التاريخ" لعز الدِّين ابن الأثير بشكل غير مباشر، وذلك بالنقل المباشر عن "مفرج الكروب" لابن واصِل في خبر السُّلْطان جلال الدِّين خُوارَزْم شاه.
أمَّا فيما يخص الوفيَات، فاستقى تراجمَه من مصادر كثيرة، هي:
- نقل كثيرًا فيما يخص تراجم المصريين عن الحافظ عبد العظيم المُنْذِري المِصْري، المُتوفَّى سنة 656هـ/1258م، غير أن أغلب هذه التراجم لم ترد في كتابه "التكملة لوفيات النقلة" مع اعتماده كثيرًا عليه بلا عزوٍ.
- ويلحظ أن أغلب نقوله عن المنذري غير الواردة في "التكملة" نقلها بخط الحافظ جمال الدين أبي المحاسن يوسف بن أحمد بن محمود اليَغْمُوري، المُتوفَّى سنة 673هـ/1274م، وكانت نقول ابن الفرات عنه بصيغ كثيرة، منها: "قال الشَّيْخ الحافِظ جَمَال الدِّين يُوسُف بن أَحْمَد اليَغْموري"... و"نقلتُ من خَطِّ الحافِظ جَمَال الدِّين اليَغْموري قال الحافِظ أبو محمد المُنْذِري...".
- كتاب "الجَوْهَر المُنتخَب في أخْبار أهل العلم والأدب" لتقي الدِّين عليّ البَلَدِيِّ، وأورده بقوله: "قال الشَّيْخ عليّ بن أبي العلاء بنِ أبي غالِب البَلَدِي في تأليفه كتاب الجَوْهَر المُنْتَخَب في أخْبار أَهْلِ العِلْم والأدب ما صيغته".
- "مُعجَم الشَّيْخ شِهاب الدِّين إسماعيل بن حامد القُوصِي"، المُتوفَّى سنة 653هـ/1255م، وهو كتابه "مختصر تاج المجامع والمعاجم"، وأورد نقله بصيغة: "وذكر الشَّيْخ شِهاب الدِّين القُوصي في "مُعْجَمه".
- "وفيَات الأعيان" لابن خلِّكان، المُتوفَّى سنة 681هـ/1282م، وصدَّر نقوله بالصيغ التالية: "قال قاضي القُضاة شَمْس الدِّين أَحْمَد ابن خلِّكان"... ويلحظ أنه ينقل عنه بالنص.
- "الإِحاطةُ في أَخْبارِ غَرْناطة" للسان ابن الخطيب، المُتوفَّى سنة 776هـ/1374م، أورده بقوله: "ذكره ابن الخَطِيبِ فقال".
- "الوافي بالوفيَات" للصَّفَدي، المُتوفَّى سنة 764هـ/1363م، ذكره بقوله: "وقال الشَّيْخ صلاح الدِّين الصَّفَدي"...
- نقل كثيرًا من تراجم أهل الأندلس والمغرب مما انتقاه كمال الدِّين جَعْفَر بن ثَعْلَب بن جَعْفَر بن عَليّ الثَّعْلَبي الإِدْفُوي، المُتوفَّى سنة 748هـ/1248م، بخطِّه من كلام عَلِيّ بن موسى بن سعيد الأَنْدَلُسي المغربي، المُتوفَّى سنة 685هـ/1286م، وأورد نقوله بصيغ من قَبِيل: "نقلتُ من ما انتقاه جَعْفَر بن ثَعْلَب بن جَعْفَر بن عَلِي الثَّعْلَبي الإِدْفُوي من كلام عَلِي بن سعيد الأَنْدَلُسي المُؤرِّخ قال"... ووجدتُّ كُلَّ نقوله هذه بالنص بلا تصرُّف في كتاب "اختصار القِدْح المُعلَّى في التاريخ المُحلَّى لابن سعيد" لابن خليل.
- ونقل عن عليّ بن موسى بن سعيد الأندلسي المغربي، ولغته سهلة سائغة، وأورد نقوله عنه بقوله: "قال ابن سعيد المُؤرِّخ"... وكُلُّ نقوله وجدتُها في كتاب "اخْتِصار القِدْح المُعلَّى في التاريخ المُحلَّى" بالنص بلا تصرُّف.
- وأخذ عن تاج الدِّين علي بن أنجب ابن السَّاعي البغدادي، المتوفى سنة 674هـ/1276م، وصدَّر نقله عنه، قائلًا: "ذكره الشَّيْخ تاج الدِّين ابن أَنْجَب المعروف بابن السَّاعي.
- "التكملة لكتاب الصِّلة" لابن الأَبَّار، المُتوفَّى سنة 658هـ/1260م، بقوله: "قال ابن الأَبَّار.
- "تاريخ إِرْبِل" المُسمَّى "نَبَاهة البلد الخامِل بمَنْ ورده من الأماثِل" لشرف الدِّين ابن المُسْتَوْفِيِّ، المتوفى سنة 637هـ/1239م، أورد نقله بقوله: "وذكر ابن المُسْتَوْفيِّ في تاريخ إِرْبِل".
- واعتمد في ترجمة أحد علماء مدينة مالَقة الأندلسية على كتاب "تاريخ مالَقة" لقاضي مالَقة أبي عبد الله محمد بن علي ابن عَسْكَر الغسَّانِي، المُتوفَّى سنة 636هـ/1238م، وقد مات ولم يتمه، فأكمله ولد أخته أبو بكر محمد ابن خميس، وصدرت طبعته بعنوان "أعلام مالَقة" عن دار الغرب الإسلامي سنة 1999م. وصدَّر نقله، قائلًا: "قال ابن عَسْكَر في تاريخ مالَقة"، غير أنَّ نقلَه لم يرد في المطبوع.
أمَّا عن منهجه في نقل النُّصوص، فإنَّ أكثر ما ينقله بحُروفِه، إلا ما نصَّ على أنه مُلخَّص، وينُصّ على ذِكْر المؤلِّف أو الكتاب في بداية النقل، ويُنهيه في بعض الأحيان بقوله: "انتهى كلامه".
بقيتُ نقطةٌ مُهمَّةٌ وهي أنَّ المُؤلِّف لم يكُ ناقِلًا لروايات الآخَرين، إذ كثيرًا ما كان يورد رواية أحد المؤرخين، ثُمَّ يُعقِّب عليها مُصدِّرها بقوله: "والأظهر" ثم يُبيِّن رأيه، وتجلَّى ذلك لمَّا يعرض لإحدى روايات صاحبه ابن دُقْماق.
واهتمَّ بذكر شواهد بعض القبور بقرافة مصر، رآها بخط الأمير شهاب الدِّين أحمد بن جمال الدين عبد الله الأوحدي (ت. 807هـ/1405م)، وأورد ذلك بقوله: "رأيتُ بخَطِّ بعضِ الإخْوان، وأخبرني قال: زُرْتُ القَرافةَ الصُّغْرَى - قَرافة مِصْر – فشاهَدتُّ..."، و" رأيتُ بخطِّ بَعْض الإخْوان، وأخبرني قال: "زُرْتُ قَرافةَ مِصْر المَحْروسة، وشاهَدتُّ...".
منهج التحقيق
المخطوط مُرقَّم صفحات فأثبتها كما هي، وقمتُ باستخراج النُّقول من مظانِّها الأصيلة، وأبيات الشِّعْر من دواوينها، ووثَّقتُ النُّقول التي نقلها من مصادرها، واعتمدتها كنُسخٍ مُساعدة في تصحيح خطأ أو ضبط معنى، ونحو ذلك. وتركت النص كما أراده المُؤلِّف، وأشرت إلى ما فيه من هنَّاتٍ في الهامش. وعرَّفت بالأعلام والأماكن، وضبطهما استنادًا إلى كتب التراجم والبلدان المعتبرة. وذكرتُ لكُلِّ عَلَمٍ من الأعلام المُترجَم لها، المصادرَ التي ترجمت له لتمام الفائدة. وقمت بترقيم الوفيات بحسب سنة الوفاة، فبلغ عددها (129) ترجمةً، وقد جاءت تراجم الشاميين في المرتبة الأولى، ثم المصريين ثم العراقيين ثم الأندلسيين، وأخيرًا المغاربة. وأما من حيث المذاهب الأربعة، فجاءت تراجم الشافعية في المرتبة الأولى، برغم أن المؤلف حنفي المذهب، ثم الحنفية، ثم المالكية، وأخيرًا الحنابلة. وأما من حيث وظيفة المُترجَم له وعمله، فجاءت تراجم الشعراء والأدباء والكُتَّاب في المرتبة الأولى، ثم المُحدِّثين، فالصُّوفية والزُّهاد والقُرَّاء، فالقضاة والفقهاء، فالأمراء والملوك، فالخطباء والنحاة، وأخيرًا الأطباء والمدرسين.
وممّا يُؤخَذ عليه شيوع بعض الهَنَات النَّحْويّة والإملائيّة كقوله: جمادى الأول... إلخ، فتركتها في النص كما هي، وأشرت في الهامش إلى الصواب.
أعددتُّ كشافات تحليلية تُضيء ما غَمُض من خفايا النص: الأول للآيات القُرْآنيَّة ورتبتُها على سُورِها، ثُمَّ على نَسَقِها في المُصْحَفِ الشَّريفِ، والثاني للأحاديث النَّبَويَّة والآثار، والثالث للأَمْثال والأقْوال، والرابع للقوافي وذكرتُ فيها صَدْرَ البَيْتِ، ثُمَّ قافِيَتَه مُقدِّمًا الرَّوِيَّ السَّاكِن منها فالمفتوح فالمضموم فالمكسور، ثُمَّ وزنَه، ثُمَّ اسْمَ الشَّاعِر، فعددَ الأبياتِ، فموضعَها بالكتاب، والكشاف الخامس للأعْلام، وذكرتُ فيها اسْمَ العَلَمِ ولقبَه، وميَّزتُ رقمَ الصفحة التي فيها ترجمتُه - سواء أكانت من المُؤلِّف أَمْ مني في الحاشِيَة - بوضعه ما بين قوسين، والسادس للجَمَاعات والقَبائِل والأُمم والطَّوائِف، والسابع للأماكِن والبُلْدان، وذكرتُ فيها أسْماءَ المُدُن والقُرَى، والأَنْهار، والجِبال، والحُصون، والقِلاع، والمَدارِس ودُور الحَدِيث، والمَساجِد والجَوامِع والمَقابِر والتُّرَب، والثامن للكُتُب الوارِدة في الكتاب، والتاسع للمُصْطَلَحات المَشْروحة في الحَواشي، والعاشر للوَفَيَات حسب السِّنين. ثم وضعتُ فهرسًا تفصيليًّا للحادثات.
وقد حمل الكتاب رقم "70" من سلسلة التراث الحضاري بالهيئة المصرية العامة للكتاب، والتي ترأس تحريرها الكاتبة سلوى بكر، فيما يشغل الدكتور أسامة السعدوني جميل مدير تحريرها، وتهتم بنشر عيون التراث الحضاري على مدى الأزمان.
د. علاء مصري النهر
عضو اتحاد المؤرخين العرب
د. علاء مصري النهر