فيالق التنظيمات الإرهابية جاهزة وتحت الطلب، جاءتها الإشارة، تحركت من جحورها فى سوريا، اندفعت تحت شعارات دينية قادمة من العصور الوسطى توًا، شعارات براقة، تداعب غرائز الجمهور، كأنه يشاهد «فتحًا جديدًا» على الهواء مباشرة، ولِمَ لا؟ فبعضهم كتب «نصر مبارك، وفتح قريب»!
اندفعت جحافل التنظيمات بعتاد وتسليح، لا تملكه إلا الجيوش، تدنس أراضي مدينة حلب، وتسيطر على مؤسساتها، تقتل وتدمر، كأنها تقاتل أيام الحملات الأوروبية على الشرق، تهتف بمحفوظات دينية من أيام الفتوحات الأولى، يختلط الحابل بالنابل.
كاميرات الإعلام «المعلومة» تعلم أكثر من مجرد البث الحي في ساحة المعركة، تعرف المواعيد، تضبط الساعات، تتنقل بعدساتها من مكان إلى مكان، تستعرض الخراب المطلوب، محللو السياسة على شاشاتها، تفصّل وتزيد وتعيد، تزف البشرى لجمهور المشاهدين، تستعيد ذاكرة غزو العراق 2003، حين أذاعت نبأً عاجلًا عن سقوط مطار بغداد قبل أن يسقط بأيام.
استعادة الذاكرة مطلوب أثناء المخططات الكبرى، والشرق الأوسط يواجه اللعبة الجديدة، لعبة نتنياهو الذي قال إن يد إسرائيل تطال الشرق الأوسط بالكامل، وتحدث عن سوريا كثيرًا.
الذاكرة متخمة بأحداث تبدو عرضية، بينما هى فى الحقيقة صلب اللعبة، فرئيس وزراء إسرائيل، يدعمه فريق الحرب فى واشنطن، وهو فريق لا يرضى بفكرة تصفية الحروب التى اندلعت فى عصر فريق جو بايدن، واستثمر فيها من أوكرانيا إلى فلسطين، إلى سوريا الآن، وينظر إلى توسيع الحرب كنظرية معرقلة تستبق وصول دونالد ترامب إلى موقعه فى 20 يناير المقبل.
هل يستبق هذا الفريق وصول ترامب بالفعل؟
لا تحتاج الإجابة إلى ذكاء كبير، فالأوروبيون يخشون من تأثيره على تماسك حلف الناتو، وتأثيره على الاقتصاد الأوروبي، ومحاولته فرض جمارك وضرائب على السلع الأوروبية التى تدخل إلى الأسواق الأمريكية.
ترامب يرحب بما حققه آموس هوكستاين، المبعوث الأمريكى إلى إسرائيل ولبنان، رغم أن هوكستاين ينتمى إلى فريق بايدن، ترحيب جاء من منطلق أن ترامب يعلن مرة بعد أخرى أنه سيوقف الحروب، ويعود بأمريكا دولة عظمى وراء المحيط، بعيدًا عن الانغماس فى كوارث العالم القديم المزمنة.
إعلانات ترامب السياسية فى هذا المضمار لا تعجب فريق الحرب، يرى أنه يمكن أن يغير من إعلانات بإشعال حرب عرضية، تتحول إلى واسعة تشمل أكثر من بلد، ويجد ترامب نفسه يمضى فى مسار لا يريده أو يرغبه، تمامًا كما جرى مع بوش الابن، كان انعزاليًا، فتحول إلى محارب على امتداد الأرض من خلال ما عرف بالحرب العالمية على الإرهاب، ولم يكن بوش يحتاج إلى حدث هائل يدمر برج التجارة العالمى فى سبتمبر 2001.
بوش الابن، الذى جاء رئيسا فى خضم الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وقال إنه لن يفعل مثل بيل كلينتون، ولن ينغمس فى مشكلات العالم، خصوصًا قضية الشرق الأوسط، فإذا به فجأة يجد نفسه «قائدًا لحروب متشابكة»، لا تزال آثارها باقية إلى الآن.
ترامب يقف الآن فى مفترق طرق، بعد تصريحاته عن منع الحروب، يصرح بانفعال غير دبلوماسي، يهدد الشرق الأوسط بالكوارث، وهو تصريح كاشف لقوة فريق الحرب الذى أسفر عن وجهه الجديد فى الأزمة السورية، ويريد أن يمضى وراء نتنياهو فى حرب على غرار الحرب العالمية الثانية، وإعادة هندسة الشرق الأوسط على مقياس إسرائيل.
ليس هكذا تورد الإبل
الشرق الأوسط، أو الإقليم العربي، أعمق من نظريات ”فريق الحرب”، فلتستبقوا ترامب كيفما تشاءون، فاللعبة انتهت.