تعد العاصمة السورية دمشق أعرق المدن الموجودة وجه الأرض، فهي مهد الحضارات وأرض الثقافات المختلفة، فقد كانت دمشق منذ القدم الحصن المنيع للثقافة الإسلامية، وما زالت تمثل أقدم العواصم في العالم حتى الآن.
موضوعات مقترحة
دمشق.. معنى الاسم
وتشير المصادر التاريخيّة إلى سر تسمية دمشق بهذا الاسم، وهو أنَّ أهلها دمشقوا في بنائها، ودمشقوا تعني أنَّهم أسرعوا فيه، وقيل أنَّها سُميت نسبة إلى دماشق بن سام ن نوح، وقيل بل نسبة إلى دمشق بن إرم بن سام بن نوح ـ عليه السلام ـ.
الموقع الجغرافي
تقع مدينة دمشق في الجزء الجنوبي الغربي من الجمهورية السوريّة، ويحد المدينة من جهة الجنوب سهول حوران وبعض المرتفعات البركانية، ومن الجانب الشرقي والغربي سلاسل جبال القلمون والحدود الشرقية من لبنان، ومن الشرق تحدها البادية السورية، كما تُحيط بالمدينة بساتين الغوطة، وربوة دمشق، وجبل قاسيون، كما تطل المدينة على ضفاف نهر بردى، وتتركّز الأحياء الجديدة في المدينة في الجزئين الغربي والشمالي.
ويحظى الموقع الجغرافي لمدينة دمشق تاريخياً بِمكانةٍ كبيرةٍ؛ فقد كانت مَحطّةً في طريق القوافل التجارية، ومحوراً مهمّاً في شبكة التجارة
مدينة دمشق
أهم أسماء دمشق
سُميت دمشق بالعديد من الأسماء مثل: حبر، ودُرّة الشرق، وشام شريف، وشامة الدنيا، وإرم ذات العماد، والفيحاء، ودامسكا، والدار المسقية، ومدينة الياسمين.
سكان دمشق
يقطن دمشق العديد من العناصر السكانية التي امتزجت بينها في تناغم فريد، فغالبية سكان دمشق الشوام هم من العرب وأقليات من الأكراد والأرمن والتركمان والشركس والسريان.
وغالبية السكان هم من المسلمين من أهل السنة والجماعة، إلى جانب أقليات علويَّة وشيعيّة، ويتواجد المسيحيون من مختلف الطوائف، والدروز واليزيديون.
وتعتبر اللغة العربية هي لغة الأغلبية بين السكان ويفهمها معظم الأشخاص من العرقيات الأخرى مثل الأكراد والشركس والأمن، وتعتبر اللهجات الشامية أو لهجات سورية هي لهجات اللغة العربية المحكية في بلاد الشام.
وتقسم اللهجات الشامية إلى قسمين كبيرين، القسم الأول اللهجات الشامية الشمالية في غرب سوريا ولبنان بشكل عام وليس على وجه الدقة، والقسم الثاني اللهجات الشامية الجنوبية في شمال فلسطين وشمال غرب الأردن بشكل عام.
مدينة دمشق
أقدم مدن وعواصم العالم
وقد أُطلق على دمشق العديد من الألقاب مثل مدينة الياسمين؛ لكثرة الياسمين فيها واشتهارها به، وتعد أقدم مدينة مأهولةٍ بالسكان.
وتوجد بعض الأدلة التاريخية الاثرية الموجودة تُرجح استيطانها قبل عشرات الآلاف من السنين، وشهدت دمشق منذ القدم حركة العمران تعود إلى الألفية الثانية قبل الميلاد.
وفي العصور الآرامية التي مرت بها سوريا كان لدمشق أهمية كبيرةٌ، حيث قام الآراميون بتطوير طرق الري، وتوزيع المياه عبر شبكات؛ ممّا أدى ذلك إلى تطوير الزراعة في دمشق، وترتب على هذا زيادة في عدد السكان، واشتهرت دمشق في هذا العصر بأنها مركز تجاري وثقافي.
مدينة دمشق
دمشق في مسيرة الزمان
مرت دمشق بالعديد من المراحل تاريخية المهمة مثل ذ قام الإسكندر الأكبر بالسيطرة على دمشق، وبعد وفاته أصبحت دمشق محل صراعٍ بين العديد من الإمبراطوريات المختلفة، حتى سيطر الرومان عليها في عام 64 قبل الميلاد.
واكتشف الرومان الأهمية الاستراتيجية لمدينة دمشق، فجعلوها إحدى المدن العشرة المهمة التي تعرف بالـ"ديكابولس"، ذلك التحالف الذي أنشأه الرومان لعشر مدن في بلاد الشام، كانت هذه المدن قريبةً من بعضها البعض من حيث الملامح الإجتماعية والثقافية العمرانية والفنية، فتحمل هذه المدن إلى الآن الطابع روماني الكبير في بنائها، وقد كانت هذه المدن ذات أهمية استراتيجية أفي الدفاع عن الإمبراطورية الرومانية.
وكانت الفتوحات الإسلامية نقطة تحول هامة في تاريخ دمشق، وانطلقت الفتوحات الإسلامية إلى بلاد الشام بعد وفاة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في عهد خليفته أبي بكرٍ الصديق، واستمرت حتى خلافة عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنهما ـ.
وتمّ فتح دمشق على يد سيف الله المسلول خالد بن الوليد في عام ١٥هـ، حتى أحس الروم بفقدانهم للسيطرة على بلاد الشام والخوف من توسع النفوذ الإسلامي، فوقعت معركة اليرموك، والتي حدثت عام ١٥ هجرياً، وانتصر فيها المسلمون بقيادة خالد بن الوليد فاستقر فيها الولاة بعد ذلك.
أصبحت دمشق عاصمة الدولة الأموية في عهد معاوية بن أبي سفيان، وكان العصر الأموي هو العصر الذي ازدهرت فيه دمشق، وكانت أفضل عواصم الأرض في هذا العصر، وكانت مركز الخلافة الأموية وخاصةً في عهد عبد الملك بن مروان .
ومن دمشق، كان يُحكم العالم عبر الدولة الأموية في خلافة الوليد بن عبد الملك بن مروان، حيث بلغت دولة الإسلام أقص إتساع لها من تخوم الصين شرقًا إلى جنوب فرنسا غربًا، وفي عد الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز كان لا يوجد فقيرًا واحدًا عبر كل تلك الأراضي، فيما كان الخليفة يعيش حياة الفقراء في دمشق.
مدينة دمشق
وازدهرت المدينة في جميع النواحي الاقتصادية، والإدارية، والتجارية، والثقافية والعمرانية، فبني في ذلك العصر الجامع الأموي الذي يعدّ من أشهر معالم مدينة دمشق.
لقد سيطر بني العباس على الخلافة بعد حصارهم لمدنية دمشق لمدة شهر ونصف، فاقتحم العباسيون هذه المدينة، وبعدها أصبحت دمشق نقطة الانطلاق العديد من الثورات ضد الخلافة العباسية، وتواصلت عليها العديد من الدويلات مثل الطولونيين، والإخشيديين، والفاطميين، السلاجقة.
لقد تعرضت دمشق بشكلٍ دائمٍ للحملات الصليبية، ولكن لم يتحقق ذلك حتى قام صلاح الدين الأيوبي بالقضاء على الصليبيين في بلاد الشام، وأسس الدولةً الأيوبيةً التي حكمت مصر وبلاد الشام.
وفي العهد المملوكي، كانت دمشق ثاني أهمّ المدن بعد القاهرة؛ بسبب موقعها الاستراتيجي ، وقام المغول بمحاولاتٍ كثيرةٍ للسيطرة عليها حتى نجحوا في ذلك بقيادة تيمور لنك، فأحرقوا المدينة ومن ضمنها الجامع الأموي، وقتلوا العديد من أهلها وسبوا آخرين.
مدينة دمشق
وكانت دمشق من ضمن المدن التي مررت بالعديد من الأزمات في العصر المملوكي مثل الجوع والطاعون، بسبب عدم اهتمام المماليك بالزراعة والأمن، فاهتم كلّ حيٍّ بالدفاع عن نفسه وتسليح أهله، وحدث نمو اقتصاديٌّ كبيرٌ أدي ذلك إلى ظهور العديد من الأسواق مثل سوق ساروجة.
وفي العصر المملوكي أيضًا كانت دمشق مركزاً مهمّاً للصوفية التصوف، فظهر العديد من العلماء والمفكرين مثل العز بن عبدالسلام و ابن تيمية.
لقد كانت دمشق ذات أهمية إستراتيجية في عهد العثمانيين، حيث عملوا على إعادة ترميم الجامع الأموي والعديد من المناطق مثل حي الصالحية، وأنشؤوا التكية السليمانية، وتوالى العديد من الولاة العثمانيين خلال فترة الحكم الأولى، فوصلو في أول قرنٍ ونصف إلى ما يقارب 138 واليَا .
كانت دمشق مركزًا كبيرًا للقوافل التجارية، وهذا انعكس على السكان من حيث المستوى الاجتماعي في عهد إسماعيل باشا أفضل الولاة الذين مروا على دمشق في العصر العثماني، حيث شيد قصر العظم.
مر على دمشق العديد من الولاة المصلحين مثل مدحت باشا فنهضت دمشق في عهده في العديد من المجالات على سيبل المثال تأسست جامعة دمشق، بأمرٍ من السلطان عبد الحميد الثاني، بالإضافة إلى سكة حديد الحجاز، وظهور العديد من الصحف والمجلات العربية فيها وغيرها.
مدينة دمشق
معالم دمشق
تزخر دمشق القديمة بالكثير الكثير من المعالم التاريخية الهامة ومنها:
- الجامع الأموي: وفيه مقام رأس القديس يوحنا المعمدان، ومقام النبي يحيى بن زكريا، وبدأ البناء فيها في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك 86هـ/705م.
- البيمارستان النوري، والذي أصبح حاليا مقر متحف الطب والعلوم عند العرب.
- التكية السليمانية وفيها المتحف الحربي السوري وسوق المهن اليدوية.
بدوره يقول الشاعر جورج صيدح في دمشق:
دمشق إن قلت شعرًا فيك ردده ……قلب كأن خفوق القلب أوزان
أنا وليدك يا أماه كم ملكت ……. ذكراك نفسي وكم ناداك وجدان
منذ افترقنا نعيم العيش فارقني…….. والهم والغم أشكال وألوان
دمشق إن أشجت الأوطان مغتربا ……إني لأوجع من أشجته أوطان
د. سليمان عباس البياضي
عضو اتحاد المؤرخين العرب
مدينة دمشق
د. سليمان عباس البياضي